النظام السعودي يعلنها صراحة.. لا إسكان بعد اليوم
بواقع 1.5 بالمئة على أساس سنوي تراجع معدل الإنفاق على الإسكان في “السعودية”. على أن هذا التراجع ليس وليد اللحظة، إلا أنه يعود إلى حالة من الإهمال المتراكم الذي تتسم به مؤسسات الكيان السعودي.
بطبيعة الحال، ليست الموارد المادية مشكلة النظام الحقيقية للتأخر عن إيجاد الحلول الفعالة للشباب المقبل على تكوين أسرة، في بلد يتغنى بفائض ثروته وتوزيعها شمالا ويمينا كما يحلو “للحاكم الفعلي” التصرف.
مروحة هي من الأسباب التي ساهمت في الوصول إلى الواقع السكني المزري، حيث أن 40 بالمئة من المواطنين في انتظار قيام “الدولة” بواجباتها تجاههم، وتنفيذ مشاريعها التي مازالت حبر على ورق، و”هوبرة إعلامية”.
فشل إداري تثبته السنين المتعاقبة دون تحقيق أي تطور يذكر في هذا الملف الاجتماعي الحياتي، حيث تبرز مشكلة التخطيط والإدارة بعد أن تأخر تأسيس ما يسمى بـ”وزارة الإسكان” حتى عام 2010 فيما تأسست “هيئة العقار” في العام 2016 فقط. إلى جانب ضعف الأنظمة الإدارية، مع عدم وجود قاعدة بيانات لملاك الأراضي.
هل هناك “دولة” لا تمتلك داتا كاملة عن الأراضي ومالكيها ضمن حيزها الجغرافي؟ وبين هذا وذاك، يُعدّ الفساد أحد أسباب أزمة السكن في البلاد، حيث يحتكر “الأمراء” وكبار رجال الأعمال الأراضي بهدف بيعها لاحقا بأسعار عالية.
يأتي ذلك بالتوازي مع سياسة وضع المواطنين على لوائح الانتظار للحصول على قروض بلا فائدة من صندوق التنمية العقارية، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف بين براثن مصارف تجارية لا تقرضهم المبلغ الكافي لشراء منزل، وتثقل كاهلهم بالفوائد.
ما ورد يضاف إليه ازدياد منسوب الضرائب على القيمة المضافة وارتفاع الأسعار، حيث أكد الاستشاري في الأمنِ الغذائي، عبدالعزيز الياقوت، أنَّ “هناك ارتفاعاً واضحاً في أسعار المواد الغذائية”، مشيراً إلى أنَّ “ هناك زيادة مُستفِزَّة لبعض أسعار السلع الغذائية”، ومؤكداً أنَّ “مُبرِّرات الشركات غير مُقنِعة”. وأوضح الياقوت، في تصريح إعلامي، إنَّ “الفرق رصدَت زيادة في أسعار 500 مُنْتَج أساسي بنسبة تجاوزت 28 في المئة”.
ولفت الانتباه إلى أنَّ “سلة المُشتريات لأسرة مكوَّنة من والدَيْن وطفلَيْن كانت في السابقِ تقتصّ من راتب رب الأسرة 38.5 في المئة، ووصلت اليوم إلى 48 في المئة، بمعنى أنَّ نصف الراتب يذهب إلى سلَّة الأغذية”.
وفي السياق نفسه، تساهم ارتفاع مستويات البطالة، وفشل السياسات المتخذة في تقليص نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب المتخرج مقابل تفضيل اليد العاملة الأجنبية في القطاع الخاص في تزخيم أزمة السكن.
إذ ترتبط أزمة السكن بأزمة الموازنة من خلال تقليص ما يتم رصده فيها من خدمات وتمويل للمشاريع، فأمام قرار السلطة القاضي بتوظيف نسب أكبر من “السعوديين” في القطاعات الخاصة لا بد أن تشهد “المملكة” انخفاضا في نسب الوافدين الأمر الذي لم يتحقق، حيث سجل عددهم العام الماضي 13 مليون وافد، إلى جانب ارتفاع عدد المواطنيين من 20 مليون إلى 27 مليون في العام 2021. لا تمتلك “وزارة الإسكان” خطة واضحة وطويلة الأجل لحل أزمة السكن المعقدة، خاصة وأن السكن من القضايا الجماهيرية المهمة، فقرارات الوزارة مرتبكة تجاه التعامل مع هذا الملف المزمن، ولذا تتعرض لانتقادات حادة ومستمرة من طالبي السكن.
كما تخلت الوزارة عن دور التنفيذ والتطوير للمشروعات السكنية خاصة التي تهم الطبقات الفقيرة، واختارت أن تتولى دور المنظم والمراقب، والحجة في ذلك هي منح القطاع الخاص الفرصة الكافية لتطوير المنتجات السكنية وإقامة الوحدات السكنية.
لكن القطاع الخاص في حاجة لتوجيه من خلال حصر تعاون الوزارة معه من بوابه تأمين السكن لذوي الدخل المحدود وعدم السماح للقطاع الخاص بالسعي لتحصيل المكاسب والثروات المضاعفة من خلال الاستثمار في البيوت والشقق الفارهة، وهذا الدعم يتطلب حصول القطاع على قروض رخيصة وطويلة الأجل، وسداد الجهات المسؤولة المديونيات الضخمة المستحقة عليه لهذه الشركات، وتوفير أراضي للمشروعات السكنية مزودة بالمرافق والبنية التحتية. إلى ذلك، تمتنع “السعودية” عن استغلال المساحات الشاسعة المتاحة لتعمل على تنميتها وتوسيع العمران فيها لما يعكسه الأمر من انخفاض سعر الأرض على المواطن، فنراها تتبنى سياسة مركزة المشاريع السكنية في الرياض.
إتبع بن سلمان في رؤيته، سياسة تقليص مدة تسديد القرض السكني من 30 عاما إلى النصف، وبالتالي إن بن سلمان يكبد المواطن أعباء إضافية دون أي تصحيح للأجور، حيث تأتي هذه القرارات بالتوازي مع ازدياد نسب الضرائب والرسوم المفروضة عليهم. لمن يراجع مشاريع 2030 المرسومة بهدف التطبيق، مشاريع سكنية مبهرة في الشكل والعنوان إلا أنها لا تقف على أرضية صلبة في الاقتصاد، حيث لا يبدو هدف التخلي عن النفط كمصدر أساس للواردات في البلد الأغنى بالذهب الأسود قابلة للتحقق عملا بالرؤية السعودية.
وفيما يتعلق بأزمة السكن التي خصّصت الرؤية جزءا مهما لشرحها، قال بن سلمان إنه سيصار إلى تسهيل الحصول على القرض العقاري وتنمية القروض السابقة وادعى أن العمل سوف يكون من أجل رفع نسبة التملك، إلا أنه وبعد 5 سنوات وعوضا عن التخفيف من الأزمة تفاقمت واتسعت نسبة السكان الذين يحتاجون لتملك سكن في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل لافت منذ عام 2017 بنسبة تقارب 20%.
وفي حين يعاني أكثر من 80% من المواطنين من فقدان حق امتلاك منزل، فإن الرؤية التي صاغتها مجموعة ماكنزي وشركات أخرى حوت قضية السكن فيها أرقاما متضاربة، حيث أشارت الرؤية أن نسبة التملك الحالية يبلغ 50% وطموحها يستهدف رفع النسبة إلى 60% عام 2020، غير أن صندوق النقد الدولي استبق الرؤية بعامين وأكد أن نسبة تملك السعوديين لا تتجاوز 36%، الأمر الذي يظهر تباينا كبيرا في الأرقام المتبناة من قبل الحكومة السعودية.
ارسال التعليق