النظام السعودي يوغل في إراقة دماء أبناء المنطقة الشرقية
لم يُحصّل الصمت يوما حقا مسلوبا. إذ لم يُحرر جنوب لبنان بالصمت، ولا انتصرت سوريا بالصمت، ولا واجه العراق داعش بالصمت. لم يكن الصمت يوما إلا خيار المهزوم.
يستمر النظام السعودي في تنفيذ عمليات الإعدام بحق معتقلي الرأي من القطيف والأحساء، حيث أقدم أمس، في 16 يوليو/ تموز 2023، على إعدام الشابَّيْن علي صالح آل جمعة ومسلم حسين آل أبو شاهين من بلدة القديح في القطيف.
وأعلنت "وزارة الداخلية السعودية" عن ارتكاب جريمة “القتل تعزيراً” بحق الشهيدين، وكالت، كعادتها، سلسلة من الاتهامات المُعدَّة مسبقاً والتي ألصقتها بالشهيدَيْن لتبرير جريمتها.
واتهمت "وزارة الداخلية" الشهيدين " إقدامهما على استهداف أحد رجال الأمن بإطلاق النار عليه وإصابته، وإطلاق النار على إحدى السيارات الأمنية، وحيازتهما أسلحة بقصد الإخلال بالأمن الداخلي، وتستر أحدهما على شخصين قاما بإطلاق النار على رجال الأمن، وقيام الآخر بإيواء ومعالجة أحد المصابين في حادثة تبادل إطلاق النار مع رجال الأمن."
يذكر أن النظام السعودي لم يعرض قضية الشابين إلى المحكمة ولم يبلِّغ عائلتيهما بوجود حكم إعدام ضدهما.
ويرفض النظام تسليم جثماني الشهيدين علي صالح آل جمعة ومُسلم حسين آل أبو شاهين، كما تمنع على ذويهم إقامة مراسم العزاء.
أثارت العملية حالة من الغضب بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من ناشطين سياسسن وحقوقيين وأكادميين. حيث غرد عضو الهيئة القيادية في "لقاء" المعارضة بالجزيرة العربية عباس الصادق " يواصل ابن سلمان تصفية معتقلي الرأي لا سيما المنحدرون من الأحساء والقطيف، يقدمهم على مذبح السياسة ليرسل بدمائهم رسالة الغطرسة وبريد التجبر، يحز رؤوس معتقلي الرأي معتقلا تلو معتقل، فالمكاسب الاقتصادية والمصالح السياسية أعمت وأصمت دعاة معاقبي المنتهكين لحقوق الإنسان."
وأضاف "بتنا في زمن لا قيمة فيه لمفردة حقوق الإنسان، فهي اليوم ليست سوى مجرد شعارات فارغة، وإلا فأي انتهاك أعظم من حز الرؤوس سرا دون أدلة أو براهين، دون محاكمة أو مرافعة، وفي أي شرعة تصادر الجثامين، وفي أي دين يمنع إقامة العزاء على المقتول؟ "
وفي تغريدة أخرى رأى أن " صمت العالم بأسره عما يرتكبه النظام السعودي من مجازر القتل وسرقة الجثث، فإن الله أقسم بعزته وجلاله أن ينتقم من الظالم في عاجله وآجله، وإن الله يمهل الظالم حتى يقول الظالم: لقد أهملني.. ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".
أمين عام حركة خلاص البحرينية، الدكتور عبدالرؤوف الشايب، كتب " اقدمت السلطات السعودية اليوم الاحد 16/07/2023,على اعدام شابين من ابناء القطيف،احدهما الشاب علي صالح آل جمعة.وذلك ضمن سلسلة الاعدامات التى بدأها بن سلمان ولم ولن تتوقف مادام هذا الطاغية يحكم بلاد الحرمين.اننا ندين بشدة هذا العمل الارهابي الداعشي،وندعو للعمل على محاكمة الجلادين"
وتابع "ما ارتفع السيف عن عنق الشهيد علي آل جمعة حتى وقع يحز عنق الشاب الشهيد مسلم حسين آل ابو شاهين(القطيفي)بنفس الزمان والمكان،الاحد16/07/2023. بن سلمان استكبر وعتى عتوا كبيرا،ولن يهنأ شعبنا في بلاد الحرمين ولا شعوب المنطقة الا اذا استطعتا كسر عنق هذا الفرعون وارساله لمزابل التاريخ"
وأضاف " الشهيدان علي آل جمعة،ومسلم آل ابوشاهين،اريقت دماءهما ظلما وعدوانا،كما اريقت دماء من كان قبلهما،ولازال العالم يقف موقف المتفرج،بل الداعم للنظام القمعي الحاكم بالرياض.فهاهو رئيس الوزراء الياباني يقف الى جانب بن سلمان في جدة في ذات الوقت الذي تراق فيه دماء هؤلاء الابرياء بلا خجل"
الناشط أبو جنى غرد قائلا " عظم الله اجركم يا احرار شبه الجزيرة العربية الشهيدين هم قرابين قضيتنا التي نسعى من اجل الخلاص و من اجل نيل الحرية والعداله مسلم و علي اليوم تمكنوا من كسر القيود والاغلال وقهروا جلادهم"
من جهته، تساءل الناشط الحقوقي إسحاق الجيزاني " هل هذا شكل مجرم؟ أعدمه بن سلمان فقط للخروج في احتجاج سلمي يطالب بأبسط مقومات الحياة حيث النفط يجري من بين أقدامهم وأنابيب التابلاين على جنبات طرقاتهم بينما الكثير منهم يسكنون في بيوت الصفيح أو في بيوت شعبية متهالكة."
خمسة عشر قمراً:
يذكر أن النظام السعودي، أقدم خلال شهر واحد على تنفيذ حكم الإعدام بحق 13 من معتقلي الرأي في القطيف، بينهم اثنين من البحرين، ومع الإعدام الأخير وصل الرقم المعلن عنه إلى 15 وهم:
الشهيد حيدر آل تحيفة، من العوامية، اعتقل عام 2017 واستشهد في 7-3-2023
الشهيد منهال آل ربح، من العوامية، اعتقل عام 2018، استشهد في 2-5-2023
الشهيد أنور آل علوي، من الجارودية، اعتقل عام 2017، واستشهد في 9-5-2023
الشهيد حسن آل مهنا، من أم الحمام، اعتقل عام 2013، استشهد في 22-5-2023
الشهيد أحمد البدر، من تاروت، اعتقل عام 2016، استشهد في 23-5-2023
الشهيد جعفر سلطان، من البحرين، اعتقل عام 2015، استشهد في 29-5-2023
الشهيد صادق ثامر، من البحرين، اعتقل عام 2015، استشهد في 29-5-2023
الشهيد حسين المحيشي، من العوامية، اعتقل عام 2021، استشهد في 4-6-2023
الشهيد زكريا المحيشي، من العوامية، اعتقل عام 2016، استشهد في 4-6-2023
الشهيد فاضل آل نصيف، من العوامية، اعتقل عام 2016، استشهد في 4-6-2023
الشهيد مسلم الميلاد، من القطيف، اعتقل عام 2016، استشهد في 19-6-2023
الشهيد علي صالح آل جمعة، من القطيف، استشهد في 16-7-2023
الشهيد مسلم حسين آل أبو شاهين، من القطيف، استشهد في 16-7-2023
اتهامات كيدية لا يحدّها التلويح بالشرف:
إلى ذلك، لم يمتنع النظام عن إضافة تهم جديدة بطابع أخلاقي في سياق تشويه صورة الشهداء، حيث لم تكن المرة الأولى التي يجمع فيها النظام بين السياسي والأخلاقي في تهمه الباطلة الصادرة عن قضاء فاسد وتابع ومحاكمات لا تتوافر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة. هذا وعدد من المنفذ فيهم حكم الإعدام مؤخرا، لم توثق المنظمات الحقوقية قضاياهم في أي من مراحل التقاضي، الأمر الذي يجعل من الرقم الحقيقي للمهددين بالإعدام بعيد المنال عمليا.
وكان لافتا تبني نهج كيل الاتهامات الأخلاقية بحق عدد من الشهداء في محاولة واضحة للنيل من كراماتهم وتشويش الرأي العام. وفي سياق متصل، يواجه أكثر من 9 قاصرين خطر الموت تعزيرا، وذلك بالرغم من نشر “هيئة حقوق الإنسان السعودية” أمرا ملكيا نصعلىتطبيققانونالأحداثالصادر عام 2018، والذي يمنع تنفيذ أحكام الإعدام بحق القاصرين في قضايا التعزير.
من جهتها، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، انتهاكات جسيمة، بينها إعدام القاصر مصطفى الدرويش. وبحسب تتبع المنظمة، فيواجه 9 مهددين بالإعدام، على الأقل، تهما بينها ما حصل حين كانوا يبلغون من العمر أقل من 18. وذلك في ظل معلومات تشير إلى أن عدد القاصرين المهددين قد يكون أعلى بكثير، في ظل انعدام أي دور للمجتمع المدني وترهيب العائلات.
رصد المنظمة يبين أن: عبد الله الحويطي، عبد الله الدرازي، جلال الباد، يوسف المناسف، علي المبييوق، حسن زكي الفرج، علي حسن السبيتي، جواد قريرص يواجهون أحكاما مصادقة من الاستئناف، وبالتالي أحكاما امام المحكمة العليا التي تعد المرحلة القضائية الأخيرة قبل التنفيذ. فيما صدر حكما أوليا بحق مهدي المحسن.
كما أن هناك معلومات تؤكد إصدار حكم الإعدام بحق الأخوين حسن ومحمد الشقاق وصديقهما منصور حسن الحايك، الذين شاركوا في عدد من المسيرات السلمية من ضمنها واحدة في بلدة الجارودية في القطيف للمطالبة باطلاق سراح 9 معتقلين سياسيين، 4 منهم من أبناء بلدتهم الجارودية.
الاختلالات في قانون مكافحة الإرهاب وتداعياته على الاحكام القضائية:
وعلى الرغم من الانتقادات واسعة النطاق لقانون مكافحة الإرهاب السابق، فإن النظام السعودي لم يفعل الكثير في طريق الإصلاح. حيث يفتقر هذا القانون إلى تعريف قوي ومحدد بما فيه الكفاية “للإرهاب”.فقد اعتبر المنتقدون انه وقع الاعتماد على “التعريف الواسع وغير المقبول في القانون لقمع حرية التعبير، كما انه لم يمتثل للمعايير الدولية.
إضافة الى أنه كقانون يسمح بتجريم نطاق واسع من أعمال التعبير السلمي، الأمر الذي يشير الى خلل واضح في الاحكام الصادرة وفقا للإجراءات التي يقرها هذا القانون. إضافة الى ذلك تعتمد المؤسسة القضائية السعودية في مثل هذه القضايا على قانون مكافحة جرائم الإرهاب الذي أنشأه النظام السعودي في 1 نوفمبر 2017. وقد حلّ هذا القانون، الذي يتألف من 96 مادة (27 منها تتناول العقوبات فقط)، محل قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في ديسمبر 2013، والذي تعرض لانتقادات كثيرة من قبل المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية.
الملاحظ انه، بدلا من استخدام ما يقرب من أربع سنوات منذ آخر مرور للقانون لتحسين التشريعات التي انتُقدت بشدة لأوجه القصور، أصدرت “السعودية” مرسوما يتضمننفس العيوب التي تحلى بها سلفه ولا يزال يتبع نفس النهج القمعي غير المقبول. بسبب التعريف الغامض والملتبس للإرهاب، يمكن تطبيق هذا القانون على عدد من الحالات. فعلى سبيل المثال، يستخدم القانون “إخلال بالنظام العام”، و”تقويض أمن المجتمع واستقرار الدولة”، و”تعريض الوحدة الوطنية للخطر”، و”عرقلة نظام الحكم الأساسي”، لتعريف الأعمال الإرهابية، مما يضع كل النشطاء والمعارضين لسياسات النظام السعودي في خطر متزايد من الانتقام المباشر والاضطهاد.
إن قانون مكافحة الإرهاب والذي اعتبر الركيزة الأساسية في الاحكام القضائية الأخيرة، يجرمارتكاب أو التحريض على أعمال معينة تُعتبر أعمال إرهابية لا يمكن إنكارها. فعلى سبيل المثال، يمكن للأفراد الذين يسيطرون على شن هجمات إرهابية أثناء حملهم الأسلحة والمتفجرات أن يُسجنوا لمدة ما بين 10 و30 عاما. وبالمثل، يمكن لأي شخص يتلقى تدريبا من خلية إرهابية حول استخدام الأسلحة والمتفجرات والمواد الكيميائية وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية أن يُسجن من 20 إلى 30 سنة. غير أن القانون يترك مجالا غير واضح في بعض أوصاف العقوبة: إن إنشاء خلية إرهابية يحمل عقوبة تتراوح بين 10 و25 سنة، ولكن مصطلح “خلية إرهابية” غير مُعرّف بوضوح.
ارسال التعليق