الهوية في السعودية إذا ما ارتبطت بالعقال: ردٌ على بعض الهلوسات
بقلم: يارا بليبل...
البحث عن الهوية وتصديرها كسردية معتمدة ومعمول بها رسميا من قبل النظام السعودي، لهو أمر يأخذ حيزا خاصا من الاهتمام لدى محمد بن سلمان في مسار تشكيله “السعودية الجديدة” التي يرنو إليها.
فما بين ضرورة عزل الوهابية عن الحياة الاجتماعية والإتيان بخطة مدروسة ترمي إلى الترويج “للسعودية” كدولة معاصرة مرحبة بالثقافات المختلفة وحاضنة للفن والمسرح والموسيقى، تبرز أهمية تثبيت دعائم “الهوية السعودية” ولمّ الشمل داخليا.
في سياق ما ذكر يأتي طرح موضوع “العقال” في الصحافة السعودية، بوصفه جزءا لا يتجزأ من هوية “المواطن السعودي” المزعوم، والدعوة إلى ضرورة إلزامه بارتداء “العقال”.
فقد كتب نمر السحيمي في جريدة مكة المكرمة مقالا بعنوان “اربطوه بعقاله.!!”، حاول من خلاله القفز على واقع التعدد الثقافي وتنوع موروث اللبس الشعبي على امتداد مناطق البلاد محاولا تظهير أهمية العقال ورمزيته كـ” أحد مكونات الزي السعودي”.. نعم يصح ذلك طالما تم اختصار البلد كله في “نجد” والتنكر لكافة المكونات الأخرى!
وشرع السحيمي بتبيان الأهداف المحققة وراء الإلزام بارتداء العقال في المؤسسات الحكومية والمناسبات الرسمية: فادعى أولا القضاء على المذهبية، من بوابة الغمز من قناة مشايخ الوهابية الذين تمسكوا برفض ارتداء “العقال” يقول السحيمي: “ظهور (مكون) انشق على العقال، وهو أمر ساذج في الواقع التطبيقي في نظر كثير من الناس لكنه له أثر سلبي كبير على المجتمع لأن هذا المكون المنعزل عن المجتمع كان ولا زال هو صاحب الهيمنة والقرار الشرعي في المؤسسات الدينية بالمملكة، مما دعا المجتمع إلى الابتعاد عن هذا المكون رغم أهميته في حياة الناس كونه يجتمع فيه الموقعون عن الله- قضاة ودعاة ووعاظ- حسب وصف الإمام ابن القيم، ويجب أن يكون الموقعون عن الله إذن وسط المجتمع لا أن يكونوا منعزلين غرباء كما تريد لهم المذهبية”.
في عقل السلطة السعودية اليوم وكتابها، يجب التنكر للوهابية بكل صورها، الاستمرار في شجب وجودها واعتبارها دخيلا على المجتمع ولا بأس من تبيان حضورها كماض يجب التخلص من آثاره الباقية، ولو عبر ربط الزي بالمذهب هذا من جهة.
وهو ما أكد عليه الكاتب بادعائه أن هكذا إجراء يمكن من “ترشيد الصحوة” موضحا بالقول أنه ” يعني توجيه المواطنين إلى أن الصحوة لا تعني التمرد على وطنك بالانعزال عن مواطنيك والانحدار إلى السلوك المتطرف بل هي في بقائك واعيا في صف قيادة وطنك وشعبك، لذا فإن كل من وصف بالصحويين كان الانشقاق على العقال السعودي هو أحد أهم أوصافهم الدالة عليهم، وربما هذا ما يؤمن به كل المواطنين، وعليه فإن أي اجراء يوحد الالتزام بكل عناصر الزي الرسمي هو محاربة للتطرف أو جزء من استراتيجية القضاء على المتطرفين”.
من جهة أخرى فإن طرح إلزامية “العقال” يراد منه نسف الهويات المتعددة في شبه الجزيرة العربية والحجاز والتعدي على الفلكلور المحلي للمناطق المترامية وحصرها بأشكال وأنواع حسب ما يحددها مزاج الحاكم، إذ أنه تاريخيا كثرت أشكال اللباس في مناطق به الجزيرة العربية والحجاز ولم يكن العقال زيا موحدا، بل تمايزت الألبسة التقليدية في منطقة الحجاز عنها في نجد، وفي حائل عنها في القطيف وهكذا بالنسبة لمناطق الجنوب والشمال وصولا إلى تبوك وسكاكا وما بعدها.
وفي سياق متصل، يزعم السحيمي في مقاله المنشور أن مثل هكذا إجراء يحول دون “التمييز ويحقق الوطنية”.
وعند هذا الحدّ لا بد من الوقوف عند فكرة ربط وحدة الزي، بما فيها من سخافة سيما في العصر الحديث وفي ظل العولمة وانتشار اللباس المعاصر بكافة أشكاله، بتحقيق الوطنية وانعدام التمييز في المجتمع.
ما ورد يدفعنا للتساؤل: أي قيامة ستقوم للهوية عند ربطها حصرا بهذا الزي أو ذاك؟ ماذا عن التمييز الطائفي الذي يعاني منه أهالي الحجاز والقطيف والأحساء، بما فيه من تعدي على حرية ممارسة معتقداتهم وحرمانهم من تشييع شهدائهم وإقامة مجالس العزاء؟ ماذا عن حملات التهجير، تلك التي لم ترحم أهالي الحويطات وجدة ومكة المكرمة ليلاقوا مصير أبناء العوامية في القطيف أيضا مع اختلاف الأسباب؟
وماذا عن مزاعم الانفتاح المعلنة والترحاب بالأغيار أيا كان منبتهم؟ ماذا عن تغيير وجه “المملكة” الإسلامي”؟ ماذا عن الاعتراف بكل أشكال الشواذ طمعا بنسبة أعلى من السائحين؟ ماذا عن إباحة المحرمات وربطها بمستقبل “السعودية” ومفهوم التطور؟ ماذا عن الشباب الغارق في محارق المخدّر والمتعاطي وغير المتعلم والعاطل عن العمل؟
إن طرح قضية الزي ليست أكثر من محاولة لقياس جهوزية الرأي العام، تمهيدا لاتخاذها خطوة رسمية، تساهم إلى جانب غيرها من الإجراءات في رسم معالم الهوية الوطنية التي يرتضي لها محمد بن سلمان بعيدا عن قابلية التطبيق وتفاعل المجتمع مع إجراءاته.
يبقى أن نذكر الكاتب “الموقر” بأن على تلك الأرض التي يدعو لتوحيد زي رجالها، “رجل” من سلالة حكمت شبه الجزيرة العربية ظلما وتجبّرا، يدأب على دفن صوت كل من يتجرأ مطالبا بقيام دولة حقيقية تعبّر عن آراء أبنائها، ولا يتهاون في ملاحقة أبناء جلدته من آل سعود والمرتزقة ممن نذروا أعمارهم للدولار ولم يحظوا بالأمان يوما.
أخيرا، لم ولن تكن يوما “السعودية” وطنا لقاطنيها، بل إن واقعها ليس سوى نتاج العنف المتراكم والسيطرة على الموارد وتشبيك المصالح في الداخل والخارج.
ارسال التعليق