اليمن بعد صالح.. خطط السعودية والإمارات في مهب الصواريخ الباليستية
التطورات الميدانية والسياسية في اليمن وانعكاساتها الخارجية كانت أكبر من أن تنجح آلة التعتيم الإعلامي في حجبها؛ فخطوة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح التي أنقلب فيها على أنصار الله بهدف استعادة سيطرته على صنعاء كللت بالفشل بالإضافة لمقتله، وهو الأمر الأكثر خطورة على عدة أصعدة خلال العام الجاري فيما يتعلق باليمن، التي تدخل عامها الثالث من عدوان تشنه دول بقيادة السعودية والإمارات دون رؤية موحدة وأمد زمني ومكاني وسقف لمدى توسع العمليات العسكرية والمسارات السياسية المُجمدة حتى كتابة هذه السطور سواء بوساطة إقليمية أو دولية.
وما زاد الطين بلّة أن نهج السياسة الإقليمية والدولية لدول العدوان قد أفضى في النهاية إلى انفضاض “الحلفاء”، مثل قطر وتركيا اللتان باتا أعداء المملكة منذ يونيو الماضي واندلاع ما يعرف إعلامياً بالأزمة الخليجية، وباكستان التي تشهد أزمات داخلية متتالية جعلت مشاركتها من الأساس في تحالف الحزم غير ممكنة، وحتى السودان، التي شرعت منذ بداية هذا العام في إرسال ألاف من جنودها إلى اليمن للقتال في معارك برية بعدما أخفقت كل من الرياض وأبو ظبي في توسيع دائرة نفوذهم شمالاً اعتماداً على حلفائهم في الجنوب –من بينهم تنظيمات إرهابية تنتمي تنظيمياً وفكرياً للقاعدة وداعش- وذلك بعد مقتل مئات من الجنود السودانيين الذي أرسلهم البشير بغية الحصول على أموال السعودية والإمارات وهو ما لم يحدث، ليصفى التحالف المكون من عشرات الدول في بدايته عند حده الأدنى، وأمسى هيكله الرسمي محض اجتماعات روتينية هدفها الحشد الدعائي وليس الفعل العسكري والميداني.
وفي نفس الإطار، تجد كل من الرياض وأبو ظبي أن “التحالف” الذي بدأ قبل 3 سنوات قد انتهى إلى تحالف ثنائي فيما بينهم دون أجندة تكتيكية وإستراتيجية موحدة، بل على العكس بدا منذ العام الماضي ان لدى كل من البلدين “الحليفين” أجندة أهداف تكتيكية وإستراتيجية مختلفة عن الأخر، بل ومتعارضة في بشكل تصاعدي وصل إلى التنافس فيما بين البلدين على شراء الولاءات السياسية والقبلية في جنوب اليمن وفي مكونات حكومة عبدربه منصور، وكذا اتخاذ مسارات مختلفة ومتعارضة فيما يخص الغطاء الإعلامي والسياسي على مستوى إقليمي ودولي فيما يخص حربهم على اليمن، وذلك وسط ترقب دولي يتصاعد ضد دول العدوان فيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية والمعيشية والصحية للشعب اليمني الذي فرضت التحالف السعودي حصار شامل على كافة موانيه ومطاراته، مما هدد حياة ملايين من السكان بين مخاطر الأوبئة والمجاعة.
وبخلاف تراكم الإخفاقات السياسية والعسكرية والميدانية المتتالية للتحالف السعودي-الإماراتي، والتي كان أخرها محاولة صالح الانفراد بصنعاء بإيعاز منفرد من أبو ظبي مثّل ذروة الخلاف المستتر بين الأخيرة والرياض، فإن الغطاء الأميركي والدولي والإقليمي لهذه الحرب التي باتت دون أفق لتسوية عبر المفاوضات تنهيها، مثار قلق لواشنطن، التي تعتبر أنها في حرب في اليمن منذ أكثر عشر سنوات ضد التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة، التي بدورها بات عناصرها وخلاياها النشطة في اليمن وخاصة جنوبه الذي لا يخضع لسيطرة أنصار الله واللجان الشعبية، جزء من التحالف الذي تقوده الرياض وأبوظبي، وفي هذا السياق يقول الباحث المتخصص في شئون الدول الخليجية ومدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون أن “بؤر تنظيم القاعدة في جنوب اليمن الذي تسيطر عليه قوات التحالف يعتبر ضرر بالغ ولكنه لايقاس بجانب عدم الكفاءة العسكرية السعودية التي لم تحقق شيء بخلاف الضربات الجوية التي باتت دون بنك أهداف واضح ومحدد منذ الأسابيع الأولى للحرب، فيما نجح الحوثيين والقبائل المتحالفة معهم من إلحاق الضرر بالقوات السعودية على الحدود الشمالية لليمن، وكذا تحويل مدن جنوب المملكة إلى مدن أشباح غير صالحة للسكنى، ليتقزم الفعل العسكري السعودي عند حد الضربات الجوية المدعومة أميركياً، ولكن هذا الدعم غير مضمون استمراره بسبب استهدافه للمدنيين في اليمن، وهو الأمر الذي وسع من دائرة انتقاد الحرب على مستويات أممية وحقوقية”.
وأمام هذه المعضلة التي تواجهها السياسة الأميركية في اليمن من حيث الآثار الإنسانية المدمرة للحرب السعودية/الإماراتية، فإن حالة من عدم التوافق تسري بين واشنطن من جهة وبين أبوظبي والرياض من جهة أخرى، أساسها الظاهري هو تفشي الأوضاع الإنسانية المتدهورة في اليمن بدافع من الحصار الذي تفرضه دول التحالف، الذي أفضى وفق تقارير أممية ودولية إلى تفشي وباء الكوليرا وندرة المياه والغذاء والدواء، بخلاف الطاقة والوقود إلى حد الكارثة الإنسانية التي يلقي السعوديين بلائمتها على أنصار الله واللجان الشعبية، وهو الأمر الذي لا يقنع المجتمع الدولي بما فيه الإدارة الأميركية التي باتت أمام تساؤل دولي وأممي وحقوقي عن مصير 28 مليون شخص يتعرضوا لحصار جعل المجاعات والأوبئة مشهد يومي في حياتهم.
وعن المحصلة الإستراتيجية للحرب، يرى هندرسون أن الرياض تأمل في أن تعود “حديقتها الخلفية” إلى موالاتها دون مشاكل أو قلاقل تزعج المملكة، أو حتى بدون نهضة حقيقية في هذه البلد، عملاً بقول مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعودي ووصايته لأولاده وهو على فراش الموت أن “عزهم في ذل اليمن وعز اليمن في ذلهم”. بينما تذهب أبو ظبي لهدف أكثر برجماتية وعملية وهو عودة حالة الانقسام بين شطري اليمن أي ما قبل الوحدة عام 1990، وهو الأمر الذي سيمكنها من بسط نوع من النفوذ الخارجي لليمن يخدم أهداف الإمارات في التمدد في جنوب البحر الأحمر على المدى البعيد.
لكن المعضلة الثانية التي تواجه البلدين في تنفيذ أهدافهم المستقبلية هي عدم توفر حامل سياسي يمني من الموالين لهم في قدرته تحقيق أي من الرؤيتين؛ فحكومة هادي منصور شبه عاجزة ومفصولة عن الواقع اليمني منذ أكثر من عام وتقيم في السعودية بشكل دائم دون أي استقلالية عن القرار السعودي/الإماراتي فيما يخص أي شأن بما في ذلك اختيار الوزراء والمسئولين في هذه الحكومة التي لا تحكم.
وختاماً، فإن الأفق القريب للحرب في اليمن يبدو أنه يميل إلى صالح خصوم الرياض وأبو ظبي، فحتى مع تحقيق هدف هام وهو إنهاء تحالف المؤتمر الشعبي بقيادة علي عبدالله صالح وبين أنصار الله، فإن تنفيذ هذا بشكل عشوائي دون تخطيط سليم وميل إلى الارتجال والاستهانة بقدرات الخصم قد أفضى بشكل عملي لتحقيق تقدم في صالح أنصار الله وإن كان في رأي هندرسون أنه “قصير الأمد”، لكن مع الأخذ في الاعتبار الحالة السياسية العامة في الإقليم وخاصة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذا الإنجاز قصير الأمد وفر في ظل هذه الظروف الموضوعية المحيطة به اليد العليا لخصوم التحالف سواء على المستوى العسكري الميداني أو السياسي التفاوضي، خاصة وأن الإمارات والسعودية تم استهدافهم بصواريخ اليمن الباليستية التي أطلقت على أهداف حساسة أخرها كان المفاعل النووي الإماراتي، وما تلاه من تحذير أو معادلة ميدانية جديدة فرضت من جانب أنصار الله مفادها أن استمرار الحرب يعني نقلها إلى العمق السعودي والإماراتي، وما يعنيه من تأثيرات سلبية على خطط التنمية المستقبلية والاستثمار في كل من البلدين.
بقلم : إسلام ابو العز
ارسال التعليق