بارونة بريطانية تكشف بالأدلة تورط السعودية بعمليات إعدام جماعية
قالت البارونة البريطانية والمحامية المرموقة “هيلينا كينيدي”، إن السلطات السعوديّة نفذت حتى هذا الوقت من العام الجاري 2019 ما لا يقلّ عن 134 حالة إعدام، من بينها حالات طالت 37 ناشطاً سياسياً قتلوا جماعياً في الثالث والعشرين من أبريل 2019، بعد قضائهم فترات طويلة داخل الحجز الانفرادي. وكشفت البارونة كينيدي بمؤتمر صحفي نظمه النائب بمجلس العموم البرتو كوستا من حزب المحافظين، وعقد مساء أمس، في لندن، وحضرته عربي21 أن ال37 شخصاً الذين أعدموا تعرّضوا قبلها “للتعذيب، ثم قدموا لمحاكمات غير عادلة وغير نزيهة”.
وقالت إن العديد من هؤلاء السبعة والثلاثين “ينتمون إلى الأقلية الشيعية في السعودية، وقد أوقفوا ثم أعدموا أخيراً؛ لمشاركتهم في الاحتجاجات التي انطلقت في المنطقة الشرقية من البلاد”.
وكشفت أنه “كان ستة من هؤلاء المعدمين أطفالاً وقت ارتكابهم للجرائم المزعومة”، وزادت بالقول إنه “بحلول العشرين من يوليو 2019، كان هناك ما لا يقل عن ثلاثين شخصاً إما من المحكومين بالإعدام أو ممن يواجهون خطراً وشيكاً بالتعرّض للإعدام غير القانوني على جرائم غير عنفية أو ذات علاقة بممارسة الاحتجاج، من بينهم ثلاثة أطفال حينما ارتكبوا الجنح المزعومة والمنسوبة إليهم”. ولفتت إلى أنه طلب منها إعداد هذا التقرير “وأن أتقدم برأي قانوني، أخذاً بالاعتبار الدليل الخاص باللجوء حالياً أو مستقبلاً إلى عقوبة الموت من قبل السعودية، كما طلب مني التعليق على مدى قانونية مثل هذه الإعدامات، وما يترتب عليها، وكذلك التقدم بتوصيات حول أسلوب التعامل مع الانتهاكات التي يجري ارتكابها”. وقالت إن الاستخدام الأخير من قبل المملكة العربية السعودية لعقوبة الموت يأتي في سياق انتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة والصارخة، بما في ذلك اللجوء على نطاق واسع إلى التوقيف والاعتقال التعسفي (خاصة منذ أواخر عام 2017) لاستهداف المعارضين السياسيين ولإسكات المخالفين، واللجوء إلى الضربات الجوية العشوائية - الموثقة جيداً - لاستهداف السكان المدنيين في اليمن منذ عام 2015.
وتناولت البارونة على سياق عملية الإعدام خارج القانون التي نفذت بحق الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم الثاني من أكتوبر من عام 2018، مشيرة إلى ما خلصت إليه المقرّرة الأممية الخاصة حول الإعدامات التي تنفذ خارج نطاق القانون، إلى أن تلك تعد “جريمة قتل عن سبق إصرار وترصد، تتحمل العربية السعودية عنها مسؤولية الدولة، وجريمة توجّه أصابع الاتهام فيها بشكل شخصي ومباشر إلى عدد من كبار المسؤولين السعوديين، بما في ذلك ولي العهد محمد بن سلمان”.
ونوهت البارونة إلى أنه ومع ما لهذا السياق من أهمية، “إلا أن هذا التقرير يركز بشكل خاص على أولئك الذي تم مؤخراً إعدامهم داخل المملكة العربية السعودية نفسها، وعلى أولئك الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيها أو الذين يواجهون خطر إصدار أحكام بإعدامهم، كما يلفت هذا التقرير بشكل خاص إلى الانتباه لمأساة النشطاء السياسيين والقصر الذين تم إعدامهم أو الذين يواجهون التهديد بإعدامهم”. وقالت: “خلال إعداد هذا التقرير، أجريت مقابلات مع عدد من الأشخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بالإعدامات التي تمت مؤخراً أو الذين قد يتأثرون بتلك الإعدامات التي قد تقع مستقبلاً، بمن في ذلك أقارب ومحامي الضحايا. وبينما أعرب بعض هؤلاء عن استعدادهم لأن تنسب المعلومات والأقوال إليهم، إلا أن عدداً منهم رغبوا في بقاء هوياتهم طي الكتمان؛ خشية تعرّض سلامتهم هم أو أي من أفراد عائلاتهم للخطر”. وأكملت: “أعرب الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات عن استعدادهم للتعاون مع البعثة الدولية لتقصي الحقائق، وكذلك مع الإجراءات الخاصة ذات العلاقة التي قد يقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اتخاذها، كما تمت الاستفادة من المعلومات والمساعدات التي قدمتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة، والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومركز كورنيل الخاص برصد عقوبة الموت حول العالم”.
بحسب البارونة كينيدي، فقد تبيّن من الأدلة التي تم النظر فيها أن “المملكة العربية السعوّدية لجأت خلال الشهور الأخيرة بشكل متكرر ومتعسف إلى عقوبة الموت، فقد تم إعدام ما لا يقل عن 149 شخصاً خلال عام 2018، مع بقاء ما لا يقل عن ستة وأربعين شخصاً ممن ينتظرون تنفيذ الإعدام فيهم بنهاية هذا العام، ويبدو أن العديد من هؤلاء الستة والأربعين شخصاً تم إعدامهم الآن”.
وقالت: “يتجلى من الأدلة الخاصة بإعدامات عام 2019 وجود عدد ضخم من القضايا التي تبعث على القلق الشديد، فنسبة كبيرة من الذي نفذ فيهم حكم الإعدام هم معارضون سياسيون، وعدد من هؤلاء كانوا أطفالاً في الوقت الذي يُزعم أنهم ارتكبوا الجرائم المنسوبة إليهم، ثلاثة من المعدومين كانوا من النساء، كثير من هؤلاء الأشخاص تم استدعاؤهم أصلاً بموجب تهم فضفاضة مثل “التجسس” و”الإرهاب”، وهذه بدورها تخضع لقوانين مبهمة وعامة ليس من المقبول أن تطبق في مثل هذه الحالات”.
وحذرت من أن “عشرات آخرون يواجهون الآن خطر الإعدام في ظروف تجعل من قتلهم إجراءً محرماً، ففي العشرين من يوليو 2019، أوردت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بعد حصولها على الإذن بالنشر أسماء أربعة وعشرين شخصاً ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم لتهم ذات علاقة بالتظاهر أو بالمخدرات، وتضم قائمة هؤلاء الأشخاص سلمان العودة، عالم الدين الشهير والتقدمي، وعوض القرني وحسن فرحان المالكي، وكلاهما من العلماء والأكاديميين المشهورين والمعروفين باعتدالهم، وعلي العمري، مقدم البرامج التلفزيونية والكاتب الذي استخدم برامجه للدفاع عن حقوق النساء”. وشددت على أن “إعدام أي واحد من هؤلاء الأشخاص الأربعة والعشرين يشكل انتهاكاً صارخاً لأعراف حقوق الإنسان الدولية وينبغي أن يمنع تنفيذه مهما كانت التكاليف”.
وقال التقرير إن هذه الحالات “تتسم بفترات اعتقال طويلة دون توجيه تهم، ويتخللها استخدام التعذيب وسيلة لانتزاع المعلومات والاعترافات تحت الإكراه، كما توصم الإجراءات المحلية بانتهاك شامل لأحكام القانون الدولي وأعراف الإجراءات القضائية السليمة بما في ذلك حرمان المتهمين من المساعدة القانونيّة، والحيلولة بينهم وبين حق الدفاع، وتقديمهم أمام محاكمات سرية يرأسها قضاة أبعد ما يكونون عن النزاهة”.
وطالبت بتشكيل بعثة تقصي حقائق دوليّة من قبل منظمة سياسية مستقلة ومحايدة. ويتوجب منح بعثة تقصي الحقائق صلاحيات تسمح لها بالوصول دون أدنى إعاقة إلى كافة من ينتظرون على قائمة المحكومين بالإعدام.
وقالت إنه تم إرسال هذا التقرير إلى الجهات الدولية المعنيّة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وإلى جهات الإجراءات الخاصة والمعنية بهذا الملف داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المُتحدة.
ارسال التعليق