بعد انهياره عسكرياً.. ما هي سيناريوهات داعمي "حفتر" المستقبلية؟
التغيير
ما بين ليلة وضحاها وجد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وداعموه أنفسهم محاصرين بسلسلة كبيرة من الخسائر في ليبيا؛ ما دفعهم إلى طلب حوار سياسي طالما كانوا أول رافضيه.
فخلال شهر واحد تلقّى حفتر، الذي كان يسعى منذ أكثر من عام للاستيلاء على العاصمة طرابلس، عدة ضربات موجعة وجهتها له حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، بعدما حصلت على دعم عسكري تركي قلب موازين القوى لمصلحتها.
ودخلت قوات الوفاق مدينة سرت السبت (6 يونيو)، وواصلت تقدمها شرقاً، وأرغمت قوات حفتر على الانسحاب من قاعدة "الجفرة" بوسط البلاد، بعد أيام من طرد قوات حفتر من طرابلس وقاعدة "الوطية" الجوية المهمة ومدينة ترهونة التي كانت واحدة من أهم معاقل اللواء المتقاعد.
مواقف داعمي حفتر
وقبل ساعات من إعلان الوفاق السيطرة على سرت، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة لوقف إطلاق النار والانخراط في حوار سياسي شامل بهدف حل الأزمة، وهو ما رفضته الوفاق، مؤكدة أنها لن تقبل بأي حوار لا يقوم على أساس اتفاق "الصخيرات" أو يكون حفتر جزءاً منه.
واعتبر المبعوث التركي الخاص إلى ليبيا، أمر الله إيشلر، أن الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق مؤخراً "خطوةٌ كبيرة على طريق تحقيق ليبيا القوية والديمقراطية والمدنية".
في المقابل، هرع مؤيدو حفتر، وفي مقدمتهم الإمارات، إلى إعلان دعمهم المبادرة المصرية الداعية إلى وقف إطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي.
وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان، وقوف أبوظبي مع الجهود التي تسعى إلى الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيداً عن التدخلات الخارجية كافة.
ولطالما دعمت الإمارات ومملكة آل سعود ومصر وفرنسا وروسيا، قوات شرق ليبيا التي يقودها حفتر منذ 2014 بهدف السيطرة على الحكم بالقوة، وقد واصلت هذه الدول، ولا سيما الإمارات، تقديم الدعم العسكري والمالي له حتى في خضم خساراته، في مخالفة لحظر السلاح الدولي على البلاد.
هذا الموقف الجديد يثير تساؤلات بشأن مستقبل حفتر ومدى تمسك داعميه الإقليميين والدوليين به بعدما أصبح على وشك السقوط، كما أنه يطرح علامات استفهام حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ليبيا حال واصلت حكومة الوفاق رفضها التجاوب مع الدعوة المصرية.
فعلى مدار السنوات الست الماضية كانت الحدود الغربية المصرية بوابة عبور لجميع أنواع الدعم العسكري لحفتر، كذلك كان لقاعدة "محمد نجيب" العسكرية القريبة من الحدود الليبية، والتي افتتحت عام 2018، بدعم إماراتي، دور مهم في نقل المعدات، بل وانطلقت منها غارات جوية مصرية وإماراتية استهدفت مناطق خارج سيطرة حفتر.
وطالما أعلن السيسي رفضه وجود "الإرهابيين" على حدوده الغربية، في إشارة إلى قوات حكومة الوفاق التي يمثل الإخوان المسلمون جزءاً منها، كما أن سيطرة حفتر على شرقي ليبيا، وضع الحدود المصرية الليبية في قبضة السيسي، وهي الحدود التي لطالما كانت مبعث قلق له.
وخلال أسابيع قليلة ماضية بدا الشعور بهزيمة حفتر واضحاً في تصريحات داعميه، فقد قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الثلاثاء (19 مايو)، إنه "لا يمكن إحراز أي تقدم حقيقي على الساحة الليبية دون وقف فوري وشامل لإطلاق النار والعودة إلى مسار العملية السياسية".
وعلى الرغم من تصدر الإمارات للمشهد فإن ثمة أطرافاً أخرى لا تقل قوة عنها كانت تدعم حفتر، وفي مقدمتها روسيا وفرنسا ومصر والبحرين، ومملكة آل سعود التي يتجلّى دعمها للواء المتقاعد في قنواتها الإخبارية ومنصّاتها الإلكترونية.
لكن النقطة المشتركة بين داعمي حفتر جميعاً، الخليجيون تحديداً، ما تزال هي التركيز على رفض التدخلات الخارجية في الشأن الليبي (في إشارة إلى الدعم التركي لحكومة الوفاق)، والقضاء على الجماعات الإرهابية (في إشارة إلى الإخوان المسلمين)، وهي النقطة التي ربما تقود إلى تحوّل دراماتيكي في ظل التطورات الجديدة.
فقد أعربت الإمارات، في بيان لخارجيتها الخميس (30 أبريل)، عن رفضها ما اعتبرته "دوراً عسكرياً" لتركيا في ليبيا، مشيدة بما حققته قوات حفتر "من تصدٍّ للإرهاب" في البلاد. كما أصدرت بياناً مشتركاً مع مصر واليونان وقبرص وفرنسا، الاثنين (11 مايو)، ندد بـ"التدخل العسكري التركي في ليبيا".
كما أعلنت البحرين، في تغريدة لوزير خارجيتها السابق خالد بن أحمد، دعمها للجهود المصرية، وقالت إنها تمهد لحوار جاد وصولاً إلى اتفاق تاريخي يضمن وقف التدخل الخارجي و"إخراج المرتزقة والإرهابيين".
التدخل العسكري
نال اللواء المتقاعد دعماً مختلفاً من أطراف عدة، ساهمت في بقاء نار الحرب مستعرة بليبيا، وكان الدعم الذي تلقاه كبيراً، وتضمن دعماً عسكرياً واستخبارياً ومالياً.
هذا ما يتفق عليه مراقبون للوضع الليبي، لكن ما الذي سيقدمونه بعد كل هذا الدعم الذي لم يوصل حفتر إلى ما يريده؟
يرى المحلل السياسي الليبي محمد فؤاد، أن الأطراف الداعمة لحفتر "قدمت كل ما يمكن تقديمه من دعم؛ سواء طيران مسير أو خبراء مدفعية وغيرها".
وعليه، يعتقد المحلل السياسي الليبي أن أي دعم من أي من الأطراف الداعمة لحفتر لن يكون موجوداً.
الدعم شمل جنوداً مرتزقة، بحسب فؤاد، الذي ذكر أرقاماً بعدد من المقاتلين يصلون إلى نحو "3 آلاف مقاتل من الفاغنر، و5 آلاف من الجنجويد، والعديد من المرتزقة من دول أخرى".
كميات سلاح كبيرة تلقاها حفتر من داعميه، يقول المحلل السياسي الليبي، ويصفها بأنها "كميات غير مسبوقة"، ويدل على ذلك بأن "ما غنمته قوات الوفاق خصوصاً في ترهونة كان كبيراً جداً".
ويضيف، في تصريحات إعلامية: "القواعد السياسية الدولية تجعل من الصعب أن يتدخل داعمو اللواء المتقاعد خليفة حفتر عسكرياً بشكل مباشر"، وهو "الذي لم يبق سواه يقدمه الداعمون لحفتر"، وفق فؤاد.
الدعم السياسي
وعليه فإن من يدعمون حفتر لن يكون أمامهم سوى اللجوء إلى الدعم السياسي، بحسب ما يرى المحلل السياسي الليبي، موضحاً: "أعتقد أن هذه الدول ستحاول دعم حفتر سياسياً ومحاولة منع سقوطه سريعاً".
إضافة إلى هذا، يقول إنه لا يعتقد أن تتخلى هذه الدول عن حفتر قريباً؛ "سيحاولون البحث عن حلّ سياسي"، مستدركاً أن "حفتر لن يكون حلاً سياسياً مقبولاً في أي طرف من المنطقة الغربية".
ولا يخفي فؤاد توقعه بأن كل المحاولات "ستصب في دعم صمود حفتر وعدم اختراق قوات الوفاق المنطقة الشرقية، وعدم سقوط هذه المنطقة".
احتمالات سقوط المنطقة الشرقية من تلقاء نفسها واردة، وفق فؤاد، الذي لا يستبعد أن يتخلى سكان الشرق عن حفتر، ومن ناحية أخرى ستحاول المنطقة الشرقية الحصول على بعض المكاسب التي خسرتها عن طريق الحرب من خلال إجراء عملية سياسية.
ويرى أن حفتر وضع كل أوراقه في هذه العملية العسكرية، مضيفاً: "كنا على وشك اجتماع مهم في غدامس (غربي ليبيا)، كان سيعطي حفتر حقيقة بعد اجتماع أبوظبي الكثير من الصلاحيات التي كانت تمكنه من حكم ليبيا من وراء الستار".
لكن مع عدم التزامه بالحل السياسي ومحاولته دخول العاصمة، يشير فؤاد إلى أن حفتر ضيّع تلك الصلاحيات التي كان سيمتلكها.
في المشهد الليبي "كتب حفتر نهايته كشخصية أساسية"، بحسب حديث فؤاد مستدركاً: "وإن كان المشروع أو مشروع الثورة المضادة كما نسميه نحن في ليبيا لم ينته بعد".
الإمارات ومصر
من جانب آخر يرى المحلل السياسي الليبي أن "إلإمارات قدمت كل ما يمكن من الدعم العسكري، وخصوصاً السلاح والطيران المسير، وكثيراً من المعلومات الاستخباراتية، وكثيراً أيضاً من الأموال".
وبحسب اطلاعه على الوضع الليبي عن قرب، يؤكد فؤاد أن الإمارات قدمت الدعم لحفتر أيضاً عبر "الطيران الجوي من خلال بعض الطائرات المقاتلة، ولكنها كانت محدودة".
أما بالنسبة لمصر، يقول فؤاد، "فقد كانت هناك فرق مدفعية مصرية لم تشارك مباشرة في القتال لكنها كانت مسؤولة خصوصاً عن مدفعية الهاون التي كلفت المقاتلين في طرابلس الكثير جداً".
لكن على الرغم من هذا الدعم يستبعد فؤاد أن بإمكان مصر والإمارات تقديم المزيد، لافتاً النظر إلى أن "البديل الوحيد الآن هو التدخل العسكري المباشر، وهذا في الظروف الدولية الحالية غير مقبول".
ارسال التعليق