بعد حكم "التجارة العالمية".. ما السيناريوهات بشأن قرصنة حقوق "beIN"؟
التغيير
لا يزال حكم منظمة التجارة العالمية، الذي قضى لقطر على حساب آل سعود فيما يتعلق بحقوق البث الحصرية التابعة لها، يُلقي بظلاله على المشهد في منطقة الخليج، ويفتح الباب أمام تكهنات في كل اتجاه.
وعدت قطر حكم المنظمة الدولية "انتصاراً تاريخياً" في صراعها الحثيث لوقف قرصنة قناة "بي آوت كيو"، التي قالت التجارة الدولية إنها موجودة في مملكة آل سعود، وغضت السلطات هناك النظر عن نشاطها وقرصنتها طيلة الفترة الماضية، مسدلة الستار على جدل كبير أثارته الرياض من جراء نفيها المتكرر لوجود تلك القناة على أراضيها.
ولم تكتفِ المنظمة الدولية بذلك؛ بل أكدت أن قناة القرصنة استفادت من دعم مؤسسات وشخصيات سعودية نافذة، منها سعود القحطاني، المستشار السابق في الديوان الملكي.
والآن، يتساءل البعض عن السيناريوهات المقبلة بعد حكم التجارة العالمية، وما ستؤول إليه الأوضاع بين قطر وآل سعود، وهل ستشكل هذه القضية مدخلاً لحل الخلافات بينهما أم ستعمق من حجم الخلافات وتزيد الشرخ الحاصل؟
اتفاق وصلح
أولى السيناريوهات التي تبرز على الطاولة ما طالبت به قطر في تعليقها على الحكم؛ عندما قالت إن على آل سعود "الإذعان لحكم لجنة فض النزاع، واتخاذ إجراءات جنائية ضد من يقف وراء قناة القرصنة وسرقاتها لمحتوى قنوات (بي إن سبورت)".
وكانت المنظمة الدولية قد قالت في تقريرها النهائي، الذي نشر في 16 يونيو 2020، إن المملكة انتهكت "قانون تربيس الخاص بحقوق الملكية الفردية"، وطالبتها بـ"تصحيح تدابيرها حتى تصبح متوافقة مع التزاماتها لاتفاقيات المنظمة".
ومع هذا الحكم باتت مملكة آل سعود في موقف صعب، خاصة أن حكم لجنة فض النزاع "واضح"، كما أن صفقة استحواذ صندوقها الاستثماري على ملكية نيوكاسل يونايتد الإنجليزي باتت مهددة في حال عدم تصحيح الأوضاع.
وما يعزز من إمكانية تطبيق سيناريو "الاتفاق والصلح" ما قالته صحيفة "ذي ميل أوف صنداي" البريطانية، التي كشفت قبل 10 أيام من صدور تقرير المنظمة الدولية أن مملكة آل سعود تحاول التوصل إلى تسوية مع قطر؛ في محاولة لإنقاذ صفقة نيوكاسل.
وكانت مجموعة "بي إن" القطرية، صاحبة الحقوق الحصرية لبث الدوري الإنجليزي الممتاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد اعترضت لدى رابطة البريميرليغ على إتمام الصفقة لصالح آل سعود المتهمة بالتغطية على قناة تقرصن حقوق البطولة الإنجليزية الأكثر شعبية وجماهيرية في جميع أرجاء العالم.
الصحيفة البريطانية قالت، نقلاً عن مصادر قريبة من قطر، إن مملكة آل سعود لم تتصل بالدوحة بعد، مشيرة إلى أن "تنازلات كبيرة ستكون مطلوبة لتأمين أي اتفاق".
في الإطار ذاته اعتبر موقع "بلومبيرغ" أن قرار منظمة التجارة العالمية قد يضر بجهود آل سعود للاستحواذ على فريق ملعب "سانت جيمس بارك" معقل نيوكاسل.
كما أن البيانات التي أصدرها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ونظيره الأوروبي "يويفا"، قد أظهرا تأييداً كاملاً للحكم الذي جاء لصالح قطر، وهو ما يزيد من حجم الضغوط على المملكة، ويضعها أمام خيارات قليلة.
ومن شأن سيناريو موافقة آل سعود على "تصحيح الأوضاع" أن يضع حداً نهائياً لقناة القرصنة، التي ظهرت في أغسطس 2017؛ أي بعد شهرين فقط من اندلاع الأزمة الخليجية، التي لا تزال تعصف بمجلس التعاون.
وكانت سلطات آل سعود قد تحركت على فترات زمنية عرفت أحياناً مصادرة أجهزة بث "بي آوت كيو"، كان آخرها نهاية سبتمبر 2019، بعد أسبوع من بث قناة الجزيرة الإخبارية برنامجاً استقصائياً أظهر مقاطع مصورة من داخل المقر السري للقناة المُقرصِنة، وقال إنها موجودة بحي القيراون في الرياض.
كسب للوقت
أما السيناريو الثاني فقد يظهر بصورة موافقة آل سعود شكلاً على قرار المنظمة الدولية، مع عدم التحرك فعلياً على أرض الواقع، ومحاولة كسب مزيد من الوقت بغية تمرير صفقة الاستحواذ على نيوكاسل.
ويبدو هذا السيناريو وارداً بالنظر إلى ما مرت به الأزمة الخليجية من محاولات متكررة لرأب الصدع، وصلت أحياناً إلى حد التوصل إلى تفاهمات بين البلدين، وفق مسؤولين رسميين بارزين، قبل أن تعود الأمور إلى "المربع الأول".
وفي أبرز دلالة على ذلك كشف وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في ديسمبر 2019، عن وجود مباحثات مع آل سعود حول الأزمة الخليجية، وقال وقتها إن الحديث يدور حالياً عن رؤية مستقبلية بشأن العلاقة مع الرياض تتجاوز المطالب الـ13 الشهيرة، خلال كلمته في منتدى حوارات المتوسط بالعاصمة الإيطالية روما.
لكنه عاد بعد شهرين عاد وقال إن مفاوضات حل أزمة الخليج لم تنجح، وعُلقت مطلع يناير 2020، من دون سابق إنذار، وذلك خلال كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن، مشدداً على أن الدوحة لم تكن مسؤولة عن ذلك.
رفض قاطع
فيما سيكون رفض سلطات آل سعود التعامل مع حيثيات قرار لجنة فض النزاع السيناريو الثالث، وهو الأصعب برأي مراقبين؛ في حال أدارت الرياض ظهرها للمنظمة العالمية والأسرة الكروية الدولية، ورفضها اتخاذ أي خطوة لإنهاء نشاط قناة القرصنة.
الأزمة الخليجية كانت قد كسرت خطوطاً حمراء، ووصلت إلى مرحلة غير مسبوقة في تاريخ مجلس التعاون، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه على كافة الاحتمالات.
لكن هذا السيناريو قد يكون مكلفاً للرياض؛ إذ كانت قطر قد أطلقت تحكيماً دولياً ضد آل سعود، في أكتوبر 2018؛ للمطالبة بالحصول على تعويض بقيمة مليار دولار نتيجة قرصنة قنواتها والتعرض لحقوقها الحصرية التي امتلكتها مقابل أموال كبيرة.
وجاء التحرك القطري بعد ثلاثة أشهر من توعد النائب العام القطري، علي بن فطيس المري، المتورطين بقرصنة الحقوق الحصرية لقنوات قطر الرياضية "مهما طال الزمان أو قصر"، مشدداً على أن "بي إن سبورت" سوف تستعيد جميع حقوقها التي تم الاعتداء عليها بطرق غير شرعية يعاقب عليها القانون.
ونهاية يوليو 2019، توعدت الأسرة الكروية الدولية ممثلة بالفيفا ونظيريه الآسيوي والأوروبي، إضافة إلى روابط دوريات إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، في بيان جماعي، بملاحقة قناة القرصنة، وتعهد بإيجاد حلول لعملية السرقة بكل الوسائل الممكنة.
ارسال التعليق