بلينكن في السعودية: إعادة إحياء التطبيع
هي الزيارة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للكيان الاسرائيلي منذ طوفان الأقصى، كما أنها ليست الأولى التي تسبقها عروجاً إلى سائر المستعمرات الأميركية في المنطقة، فزار بلينكن محمد بن سلمان في معقله الشتوي لكي يغدق على مسامعنا أكاذيب اهتمام بنو سعود بإنهاء مسلسل القتل في غزة.
وغير ذلك لوضع حجر أساس الدور الذي يمكن للسعودية أن تتولاه "ما بعد الحرب"؛ الذي رجّح بلينكن ان يكون ماديا بالدرجة الأولى. إلى جانب إعادة التأكيد من بلاد الحرمين الشريفين على العزم الأميركي- السعودي المضيّ قُدما في عملية التطبيع بين الأخيرة والكيان الصهيوني الغارق في وحال غزة والمُتهيّب من جبهة الشمال والمُربك من جبهة اليمن التي فُتحت عليه دون سابق استعداد.
وفي محطته الأخيرة في المنطقة قبل وصوله "تل أبيب"، حطّ على أرض شبه الجزيرة العربية بعد زيارته لكل من الأردن وتركيا وقطر والإمارات، لتوزيع مهام "اليوم التالي" بما تراه أميركا مناسبا.
وقال بلينكن يوم أمس أن أربعة دول عربية رئيسية وتركيا اتفقت على البدء في التخطيط لإعادة إعمار غزة وإدارتها بمجرد انتهاء حرب إسرائيل ضد حماس.
وقال بلينكن، إن "السعودية" والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا ستفكر في المشاركة والمساهمة في سيناريوهات "اليوم التالي" المحتملة للأراضي الفلسطينية التي دمرتها ثلاثة أشهر من القصف الإسرائيلي القاتل.
مؤكداً على أن تلك الدول مستعدة لبدء مثل هذا التخطيط وأن كل منها ستفكر في مشاركتها في كل ما يتم تحديده في النهاية.
تدوير لزوايا التطبيع:
كما لا تُوفّر، أي جهة أميركية سواء سياسية أم إعلامية؛ التأكيد مرارا على نوايا استئناف مسار التطبيع الذي كان وشيكا قبل طوفان الأقصى، أعاد بالأمس بلينكن التلويح على لسان محمد بن سلمان أن الأخير "لا يزال مهتما بتطبيع العلاقات مع إسرائيل" زاعما القول أن "ذلك سيتطلب إنهاء الصراع في غزة، وسيتطلب بوضوح أيضا أن يكون هناك مسار عملي لقيام دولة فلسطينية". وقال "هذا الاهتمام موجود، إنه حقيقي، ويمكن أن يكون تحويليا".
وتحاول "السعودية" غسيل عارها في ما يتم تداوله جديًّا وعلى مستويات رفيعة، عن استمرار مشروع التطبيع رغم الإجرام الذي أظهرته الصهيونية مؤخرا، فتسعى سواء عبر إعلامها أم عبر التصريحات الأميركية التي تتبع الحديث عن الأمر، بإقحام مزاعم أن "إحياء المناقشات حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، هو على أمل أن تحث مثل هذه الخطوة الإسرائيليين على الموافقة على العمل نحو إقامة دولة فلسطينية".
ولكن يبقى التخوّف الأساسي لدى السعودي من إحياء التطبيع هو مع ما تبدّل وما تطوّر في ردة الفعل الشعبية، سواء الداخلية أم العربية، على إقدام بني سعود على تنفيذ الخطوة إياها على أشلاء الأطفال والنساء في غزة.
ففي آخر استطلاع رأي أجراه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"؛ ظهر ارتفاع نسبة الآراء الإيجابية في "السعودية" تجاه حماس ويتفق معظمهم على أن إسرائيل "ضعيفة ومنقسمة". وأظهر الاستطلاع أيضا أن 87 % من السعوديين المستطلعة آراؤهم يرون أن الحرب أظهرت أن إسرائيل "ضعيفة للغاية ومنقسمة داخليا بحيث يمكن هزيمتها يوما ما". في المقابل يرى 5%فقط أنه يجب على السعوديين "إظهار المزيد من الاحترام ليهود العالم، وتحسين العلاقات معهم".
علاوة عليه فعلى الجانب الإسرائيلي معارضة متنامية؛ سواء شعبية أم سياسية، لفكرة حل الدولتين. فبعض كبار المسؤولين الإسرائيليين يعارضون فكرة الدولة الفلسطينية أو الحصول على حقوق أكبر للفلسطينيين. ويتفق معهم العديد من المستوطنين الصهاينة، بالنظر إلى ضخامة العملية التي نفذها المقاومين الغزيّين والأضرار المعنوية كما المادية الكبيرة التي ألحقتها "طوفان الأقصى" بكيانهم.
والملاحظ في نتائج الاستطلاع، الذي أُجري في 22 من شهر كانون الأول الماضي، أنّ نسبة تأييد التطبيع كانت في تراجعٍ على مر السنوات، إذ ينشر المعهد هذا العام استطلاع الرأي في سياق "وجود أقليةٍ مؤيدة للتطبيع"، أي أن التأييد الضعيف سلفاً ازداد ضعفا بعد "طوفان الأقصى".
وفي السياق كشفت القناة 12 العبرية الخاصة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو فتح خلال الأسابيع الأخيرة قناة سرية مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمواصلة التطبيع مع "السعودية".
وأشارت القناة في تقرير نشرته عبر موقعها أن الشخص الذي فوضه نتنياهو لفتح تلك القناة هو وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، والذي تحدث عن هذا الموضوع بصورة مطولة خلال اجتماعاته في البيت الأبيض مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وذكرت القناة أن جهاز الموساد الإسرائيلي كان شريكا بالاتصالات، لكن هذه الاتصالات لم يتم إدارتها عن طريق مجلس الحرب أو الكابينيت السياسي-الأمني، لذلك لم يطلع جميع الوزراء على الموضوع.
وأشارت إلى أن الرسالة التي نقلها ديرمر للبيت الأبيض بأن "إسرائيل" لن تقوم بخطوات تتعارض مع رؤيا الولايات المتحدة، وأن "إسرائيل" ستكون مستعدة لمناقشة المقابل الذي تطلبه "السعودية" المتعلق بالقضية الفلسطينية.
واضافت إلي أن "السعوديين" من جانبهم مهتمين جدا بالتحالف الدفاعي والأسلحة التي كانت جزءا من الاتفاق.
وعلى الجانب الأميركي، قالت القناة أن الاتفاق يمكنه أن يقدم للرئيس بايدن انجازا حقيقيا قبل الانتخابات، ومن جانب نتنياهو، فإن الاتفاق بطبيعة الحال يمكن أن يقدم له صورة انتصار، وأيضا قيمة سياسية. كما يمكن من خلال التوصل لاتفاق التطبيع أن يحافظ نتنياهو على إبقاء بيني جانتس معه في الحكومة الحالية أو خروجه مع اتفاق للانتخابات.
ونقلت القناة عن مسؤول سياسي قوله إن مسألة الموعد النهائي لم تطرح في أي محادثة، مشيرا إلى أن "إسرائيل" لن توافق على مثل هذا الموعد النهائي. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى مرحلة قتالية أخرى يمكن بلا شك اعتباره رسمًا خطيرًا "للسعوديين".
وخلُصت إلى أنه "سيكون من الصعب أن نرى، في ظل الواقع الحالي لحرب غزة، أنه من الممكن خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر التوصل إلى جو من التطبيع، لكن هذا الجهد يجري في الوقت الحالي".
ويُذكر أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، اعتبر في كلمة متلفزة خلال مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، أن 3 تطورات سبقت "طوفان الأقصى"، فرضت أسلوب غير تقليدي في المواجهة هي "تهميش القضية فلسطينية محلياً ودولياً، مجيء حكومة صهيونية وضعت على رأس أولوياتها تهجير شعبنا وفرض السيادة على المسجد الأقصى، عمليات التطبيع ودمج الاحتلال في المنطقة والتعامل معه على حساب شعبنا وقضيتنا".
لا خوف على المدنيين.. ولكن من جبهة الشمال:
أما زيارة أنتوني بلينكن للكيان الإسرائيلي فكانت بحسب المعلن لأهداف رئيسية ثلاث، أولها وهي الكذبة التي ما برحت أميركا ترددها عن "مساعيها الدؤوبة لتخفيف معاناة المدنيين". والتي "طُبلت" مسامعنا بها في زيارته السابقة للكيان منذ أكثر من شهر حين زعم أن لا تملك "إسرائيل" سوى أسابيع لإنهاء حربها على الكيان، ونجدها مستمرة دون تراجع ولا سقوف.
وثانيها وهو المقبول تصديقه، الضغط على "إسرائيل" للدخول في مرحلة جديدة من حملتها العسكرية على غزة، سيّما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية على الابواب إلى جانب تخوفاتها من توسّع رقعة الحرب.
وإن كان رفض خيار "حل الدولتين" خيارا جامعا، فإن التخبّط ولا وحدة المواقف "الإسرائيلية" بما يتعلق بشكل الحرب في المرحلة المقبلة، هو سيّد المشهد.
ففي الوقت الذي يصرّح فيه الناطق باسم جيش العدو، دانييل هاغاري، بإعلان بداية الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب وذلك في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، يقول نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت، في اجتماع كتلة "الليكود" في "الكنيست"، إن "الحرب لم تقترب من نهايتها في الجنوب (مع غزة) والحدود الشمالية (مع لبنان) وستستمر لأشهر طويلة". وتابعا "حتى تستمر الحرب، نحتاج إلى دعم دولي، ونعمل على تأمينه".
وفي السياق نفسه، ذكرت "نيويورك تايمز" أن مسؤولين إسرائيليين أوضحوا لنظرائهم الأميركيين أنه "على الرغم من أنهم يأملون في إكمال المرحلة الانتقالية بحلول نهاية الشهر (الجاري)، إلا أن الجدول الزمني ليس ثابتاً".
وأضاف المسؤولون أنه "إذا واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة من حماس أكثر صرامة مما كان متوقعاً، أو اكتشفت تهديدات لم تتوقعها، فإن وتيرة الانسحاب قد تتباطأ، ويمكن أن تستمر الضربات الجوية المكثّفة".
وبما يخص جبهة الشمال فكثر الحديث عن أن زيارة بلينكن وكل السلوك الأميركي الأخير، على رأسه سحب الاسطول البحري من البحر المتوسط، كانت لضبط الجبهة الشمالية ومنعها من الانزلاق.
فاعتبرت صحيفة "نيويرك تايمز" أن قلق واشنطن الآن لا يتعلق بشن هجوم –من لبنان- على إسرائيل بقدر ما يتعلق بشن هجوم إسرائيلي على حزب الله، ولذا أبلغت إسرائيل أنه إذا تحرك حزب الله عبر الحدود، فإن واشنطن ستدعم إسرائيل، ولكن ليس العكس.
وكان المعلق العسكري في قناة كان روعي شارون رأى اليوم الإثنين أنّه إذا سار كيان الاحتلال "بعملية مكثفة ضد قوة الرضوان في حزب الله فالاحتمال الأكبر أننا سنكون في حرب شاملة"، مؤكداً أنّ على "إسرائيل فعل شيء ما لإزالة تهديد "الرضوان" وإبعادها 8 كلم عن الحدود من دون الدخول في حرب شاملة، مضيفاً أنّه ليس متأكداً من أن هذه التكنولوجيا موجودة.
وتابع شارون: "لهذا السبب بلينكن هنا وقبل أسبوع هوكشتاين كان هنا، الهدف هو الوصول الى اتفاق والقفز عن مرحلة الحرب، ليس مؤكد أنّ هذا ممكن، لكن يوجد قليل من التفاؤل، بالنهاية كي يتمكن سكان الشمال من العودة، ينبغي إيجاد حل لتهديد الرضوان، حتى لا يستفيقوا في حانيتا صباح يوم ما كما استفاق سكان ناحل عوز".
ارسال التعليق