بن سبعان يكتب عن الفساد في اهم قطاع ،شكليات بلا محتوى
يخيل إلي في بعض الأحيان أننا أكثر شعوب الأرض تحدثا عن النظام وعن القوانين، وأكثرها بعدا عنها، وخرقا لها. ولعل العلة في ذلك ترجع إلى آفة ابتلينا بها، وربما توارثناها ثقافيا وهي الحضور الطاغي للشخصنة، وغياب الفكر المؤسسي، والثقافة المؤسسية. ولطالما كتبت كثيرا منبها إلى هذا الحضور ومحذرا منه ومبينا أضراره المعوقة لمسيرتنا النهضوية، والمجهضة لمشاريعنا وطموحاتنا التنموية، والمهدرة لما ننفق من أموال وجهد في سبيل تحقيق هذه النهضة.لقد تتبعت مظاهر هذه الفوضى التي يتسبب فيها غياب النظم، وغياب الرقابة على أدائها في المؤسسات في شتى ومختلف أشكالها في بعض مرافقنا الحيوية، وكنت أركز ــ ربما لأسباب مهنية ــ على القطاعات التعليمية والمعرفية بشكل أكثف.
ورغم مروري بعدد لا يستهان به من المواقف التي تستفز على الكتابة عن هذه الفوضى في قطاعنا الصحي، إلا أنني لم أشأ أن أسهب في رصدها وتداعياتها في هذا القطاع الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بأرواح الناس وصحتهم، وإن كنت مررت به سريعا في إطار مقارنة ما تقدمه مرافقنا الطبية من خدمات بما تقدمه مرافق أقل منها من حيث التصنيف المراتبي الذي تعتمد معياريته على حداثة الأجهزة والمعدات وكفاءة الكوادر الطبية ودرجتها التخصصية في الغرب، وذلك إبان مرافقتي لوالدي “رحمه الله ” في رحلته العلاجية في ألمانيا.
وكتبت وقتها أننا نعتمد معيارا «شكليا» في تقييم مستوى ما تقدمه مرافقنا الطبية من خدمات لمرضاها، لأننا نعتقد أن التقدم في هذا المجال ينحصر في استيراد أحدث الأجهزة وإنشاء أحدث البنايات ذات التصاميم الهندسية الراقية والأثاثات الفخمة، أما ما الذي تقدمه من خدمة طبية داخل هذه البنايات الجميلة فلا يخطر لنا على بال.
وذلك لأننا نكتفي بالمظهر والشكل الخارجي.. ونهمل الجوهر. إلا أن التجربة الأخيرة مع واحدة من أكبر وأرقى مستشفياتنا الخاصة أكدت لي أن المسألة في هذا القطاع الحيوي خرجت على السيطرة مما يتطلب تدخلا رفيعا.
وهذه المرة، ليس فقط لأن ما يقدمه من خدمات لا يؤهله لأن يحمل ما نطلقه عليه من صفات: الأرقى والأكبر، ولكن لأن شروط ولوائح تعامله مع من يحتاجون إلى خدماته، يكاد ينحرق برسالته ووظيفته الإنسانية والأخلاقية.
وأذهب أبعد من ذلك لأقول بأن ما يتقاضاه، أو يفرضه ــ على الأصح ــ من مقابل مادي نظير خدماته الطبية يجعل منها مؤسسة استنزافية يكاد هدفها الوحيد، ودورها الوحيد، ووظيفتها الوحيدة هي «حلب» جيوب المرضى وذويهم بغض النظر عن ما تقدمه لهم من خدمات، ووددت السؤال ما إذا كان مستوى هذه الخدمات مكافئا لما يدفع مقابلها من أموال.
ارسال التعليق