بين التأجير والتوطين.. قوات سودانية تتوجه إلى اليمن لخدمة السعودية
أكدت وسائل إعلام سودانية، الثلاثاء الماضي، أن الخرطوم ستدفع بقوات عسكرية جديدة “الدعم السريع” للانضمام إلى قوات عسكرية أخرى تشارك في العدوان على اليمن، وقالت صحيفة الشروق السودانية، إن “الخرطوم تعتزم ارسال قوات دعم سريع إلى اليمن، ستكون مهمتها تقديم نموذج لبسالة الجندي السوداني في ميادين القتال عبر المشاركات الخارجية”، وأكد قائد ثاني قوات الدعم السريع اللواء عصام فضيل، جاهزية قواته لسد أي ثغرة من ثغرات الوطن، وقال إن طابور السير الذي نفذته القوات يمثل واحدًا من البرامج التي تمت قبل توجهها إلى اليمن، وأضاف أن قوات الدعم السريع ستعمل داخليًا على تعزيز السلام والاستقرار في البلاد.
يشارك السودان منذ بداية العدوان السعودي على اليمن في مارس عام 2015، فيما يسمى “التحالف العربي” بقيادة المملكة، وتتركز غالبية القوات السودانية في ميدي والمخا إلى جانب قوات إماراتية وأخرى سعودية، وتعتبر هي الأكبر التي تشارك في المعارك البرية في اليمن، حيث تتعمد السعودية والإمارات الزج بها في المعارك البرية، الأمر الذي دفع بعض الدوائر السياسية والشعبية في السودان إلى اتهام الرئيس السوداني عمر البشير بإرسال قوات بلاده لاستغلالها من قبل القوات السعودية والإماراتية كدروع بشرية.
التقارير غير الرسمية تؤكد أن عدد القوات السودانية المشاركة في العدوان على اليمن حتى الآن تصل إلى 8220 جنديًا وضابطًا، وذلك قبل قرار الحكومة السودانية إرسال المزيد من القوات إلى اليمن، وفي الوقت نفسه فإن هذه القوات تكبدت العديد من الخسائر على مدار أكثر من عامين على العدوان، وهو ما تحاول السودان التكتم عليه حتى لا تُشعل الرأي العام السوداني، لكن تقول أوساط سياسية وعسكريون في قلب العدوان، إن عدد القتلى من هذه القوات ربما يتخطى 177 قتيلا حتى الآن، فضلا عن مئات المصابين الذين ترفض الحكومة السودانية الاعتراف بهم في تقاريرها الرسمية.
“أنصار الله” تتوعد
إرسال المزيد من القوات السودانية إلى اليمن أشعل غضب جماعة أنصار الله، حيث توعد رئيس “اللجنة الثورية العليا”، محمد علي الحوثي، القوات السودانية التي تحمل اسم الدعم السريع بـ”الإبادة”، وقال في تغريدات له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” الخميس الماضي، إن عصابة البشير ترسل مجندين إلى المحارق في اليمن من جديد، وإن الشعب اليمني قادر بإذن الله على مواجهتهم وإبادتهم، واعتبر الحوثي أن رفض مشايخ الجنجويد استمرار الزج بأبنائهم في القتال في اليمن موقفًا إيجابيًا، داعيًا من وصفهم بـ”أحرار السودان لتقديم نصيحة لأولئك المجندين بالتراجع”، كما سخر رئيس “اللجنة الثورية العليا” من توجيهات أطلقها قائد الفرقة 16 السودانية للمجندين الجدد، حذرهم فيها من أن يكونوا كأسلافهم، الذين قتلوا سريعًا أو فروا، في إشارة إلى الذين رفضوا المشاركة في القتال وطالبوا باستبدالهم وتغييرهم في أعقاب مقتل قائدهم وعدد من زملائهم.
ضريبة الخروج من العباءة السعودية
بعيدًا عن أن تصديق النظام السوداني على إرسال المزيد من القوات إلى اليمن، يتناقض تمامًا مع تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير، السابقة والتي قال فيها إن المشاركة السودانية في حرب اليمن ستكون رمزية ولا تزيد عن 3 طائرات وبضعة جنود، فإن إرسال هذه القوات في هذا التوقيت بالذات له العديد من الأبعاد السياسية، حيث جاء إرسال هذه القوات بعد أقل من شهرين من زيارة أجراها الرئيس البشير إلى المملكة العربية السعودية بذريعة بحث الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب، وقطر من جانب آخر، لكن الأسباب الحقيقية وغير المعلنة لهذه الزيارة تكمن في محاولات الخرطوم تهدئة الغضب السعودي الذي تصاعد مؤخرًا بعد أن اختار السودان الوقوف على الحياد في الأزمة الخليجية والحفاظ على شعرة معاوية في التعامل مع كل من أطراف النزاع سواء السعودية وحلفاءها أو قطر، نظرًا للمصالح المتبادلة بين السودان وكلا الطرفين، الأمر الذي أغضب المملكة كثيرًا وهي التي تتبع سياسة “إن لم تكن حليفي فأنت عدوي”.
المملكة السعودية اتخذت بعض الإجراءات العقابية الصامته لرد السودان إلى رشده وإعادته إلى العباءة السعودية، ومن بينها محاولة إرباك الدولة السودانية من خلال ترحيل ما يقرب من 50 ألف من الرعايا السودانيين الموجودين في السعودية بحجة مخالفة أنظمة وقوانين الإقامة، على الرغم من أن الرياض غضت الطرف عن هذه المخالفات لسنوات عده، لكنها اختارت أن تخرج بورقة الضغط هذه في الوقت المناسب، ووفق تقديرات سودانية رسمية، فإن مجموع السودانيين الموجودين في دول الخليج بما فيها السعودية يبلغ نحو 3 ملايين شخص، الأمر الذي يشير إلى أن عودتهم المفاجئة إلى بلادهم سيؤثر حتمًا على أوضاعها ويربك حساباتها الداخلية.
في إطار الإجراءات العقابية أيضًا، أقدمت المملكة على إقناع الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ قرار إرجاء البت في قرار رفع العقوبات بشكل دائم عن السودان، وهو ما حدث بالفعل، وذلك بعد أن كان الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، قد رفع العقوبات لمدة 6 أشهر اعتبارًا من يناير الماضي وحتى يونيو الماضي، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة أرجأت البت فى قرار رفع العقوبات بشكل دائم عن السودان بسبب سجله فى مجال حقوق الإنسان وقضايا أخرى لمدة 3 أشهر، وهي الذريعة التي استبعد مراقبون صحتها، فأمريكا التي تتحدث بلسان حقوق الإنسان في السودان، هي ذاتها التي تشارك في انتهاك هذه الحقوق وتغض النظر عنها مع حلفائها سواء في الدول الخليجية أو بعض الدول العربية الداعمة لسياساتها.
توطين الجنجويد
يبدو أن قوات “الدعم السريع” التي أرسلتها الخرطوم إلى اليمن لدعم القوات السودانية والإماراتية هناك، ما هي إلا ضريبة لامتصاص غضب المملكة، وبادرة حسن نية من الخرطوم إلى حلفائها القدامى، الرياض وأبوظبي، لكسب الود والحصول في المقابل على الدعم المادي في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المنهارة في الخرطوم، إضافة إلى التوسط لدى أمريكا لرفع العقوبات عن السودان، وهو ما دفع الرئيس عمر البشير إلى السفر للمغرب للقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في مقر عطلته الصيفية في طنجة، بعد ساعات من اتخاذ قرار إرسال القوات السودانية إلى اليمن.
على جانب آخر فقد رأى بعض السياسيين أن إرسال القوات السودانية إلى اليمن يهدف إلى تطبيق خطة السعودية بتوطين قبائل الجنجويد السودانية في إمارتي جيزان ونجران على الحدود اليمنية ومنحهم الجنسية السعودية لزيادة النفوذ السعودي هناك، وكتب الدكتور نايل الشافعي، أن السعودية بصدد توطين قبائل الجنجويد السودانية في إمارتي جيزان ونجران، وأن عدد من سيتم توطينهم يبلغ نحو 21 ألف مقاتل إضافة إلى عائلاتهم، أي نحو 100 ألف شخص، متسائلًا هل سيتم توطين الجنجويد في مناطق أخرى بالسعودية لتوطيد حكم محمد بن سلمان، مثل الرياض والقطيف؟
حديث الشافعي أعاد إلى الأذهان حديثا سياسيا سودانيا لصحيفة العربي الجديد اللندنية في مارس الماضي، حول قوات الدعم السريع وأنها ستأخذ مساحة أكبر خلال الفترة المقبلة ولحين انتهاء الحرب في اليمن، مرجحًا أن يتم توطين جزء من قوات الدعم السريع التي نُقلت إلى اليمن في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية مع أسرهم، إلى جانب منحهم التبعية للسعودية، تحسبًا لمعارك استنزاف طويلة الأمد، الأمر الذي سيوافق عليه البشير سريعًا نظرًا لكونه سيحل الأزمة المشتعلة في دارفور منذ سنوات.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق