تأجيل لسنوات وقضاة لا يحضرون.. المشاكل تنهش القضاء #السعودي
إنه كوكب القضاء السعودي، حيث التغاضي عن حقك وتخطّيه أسهل من استرداده ونيله.
لكثرة ما سمع الناس عن الأحكام اللاقانونية والمحاكمات الجائرة والإجراءات التعسفية، خُيّل إليهم أن مشاكل الجهاز القضائي في السعودية تُختزل بكونه قضاءً مسيّساً، إلا أن مشاكل من نوع آخر يعاني منها القضاء حتى العظم، أرّقت المواطنين وأضاعت أياماً وشهوراً من أعمارهم.
تحاول السلطات السعودية، ومنذ عقود، تارةً إنكار تلك المشاكل، وطوراً تبريرها بأسبابٍ واهية وضعيفة. لكنّ أياً من تلك المبررات لم تقنع المواطن، الذي حُرم من حقه بوجود قضاءٍ منظّمٍ يحتكم إليه في شؤونه ومشاكله، لأن القضاء نفسه يعاني من أزماته ومشاكله!
إن المشاكل التي يعاني منها الجهاز القضائي السعودي، لا يمكن التغاضي عنها، كما لا يمكن اعتبارها مشاكل ثانوية تحتمل التأجيل، فكل مشكلة من هذه المشاكل تعود على المواطن بضررٍ لا يُفترض أن يتعرّض له. من أبرز هذه المشاكل:
التأخير والتسويف والمماطلة، فيُحتمل أن يستمر النظر في قضية ما أشهراً بل سنوات، وهذا نتيجة المواعيد شديدة التباعد التي تُعطيها المحاكم للأطراف اصحاب الدعوى، بالإضافة إلى المدة الطويلة التي تستغرقها مراحل النظر في الدعوى البت فيها، والحكم والتمييز.
الروتين والبيروقراطية، إن الكثير من الإجراءات التي يقوم بها القضاء في المحاكم لا تعدو كونها إجراءات روتينية يمكن تخطيها.
قلة القضاة. وهي مشكلة تجعل القاضي الواحد مسؤولاً عن كمٍ هائلٍ من القضايا، ما يؤدي إلى تأخر البت في كل قضية لأشهر، نتيجة عدم وجود الوقت الكافي للبت في كل القضايا في وقتها.
تغيير القاضي، ما يؤدي إلى إعادة النظر في القضية من جديد. تُعتبر مشكلة ترقّي القاضي أو تقاعده واحدة من المشاكل التي يواجهها المواطن، فكل قاضي يتولّى مسؤولية الحكم في قضية ما، يتعامل معها وكأنها قضية لم يُنظر فيها ابداً، وهو يُعيد المواطن إلى نقطة الصفر، ويكبّده خسائر مادية ومعنوية.
إجازات القضاة المفاجئة التي تؤدي إلى تغيير المواعيد وتأجيلها لوقت بعيد، حيث يتفاجأ الكثير من المواطنين بتأجيل موعد المحاكمة الخاصة بهم عند حضورهم، نتيجة غياب القاضي، وما يزيد المشكلة حدّة هو إعطاء هؤلاء المواطنين مواعيد جديدة بعد مدة تتخطى الستة أشهر.
عدم التزام القضاة بالوجود في المحاكم بشكل دائم وبحسب ما يستدعيه العمل، وهو مخالف للمادة الرابعة والخمسين من النظام القضائي، والتي تنصّ على أنه لا يجوز للقاضي أن يغيب عن مقر عمله، ولا أن ينقطع عن عمله لسبب غير مفاجئ، قبل أن يرخص له في ذلك كتابة.
تخلّف إدارة التفتيش القضائي عن القيام بمهامها، المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين من النظام القضائي، ومن ضمنها التفتيش على أعمال قضاة محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى، وذلك لجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة كفايتهم ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم. هذا ويجب إجراء التفتيش على أعضاء السلك القضائي مرة على الأقل ومرتين على الأكثر كل سنة.
هذه المشاكل وغيرها، كالتضارب بين المحاكم الشرعية والمحاكم التجارية أو عدم الاختصاص أو إمكانية الحكم بحكمين مختلفين في قضيتين ذات وقائع متماثلة، تنهش القضاء السعودي، وتجعله غير صالح للنظر في قضايا المواطنين. هذا الوضع يستدعي إصلاحات عاجلة وواقعية، لأن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى المزيد من التجارب المريرة مع القضاء، وسيقطع آخر حبال الثقة بين المواطنين والقضاء.
ارسال التعليق