تحالفات تتغير.. هكذا ينظر الباكستانيون لعلاقة بلادهم بالرياض وأنقرة
أبعدت باكستان نفسها خلال السنوات الماضية عن التمحور في أي جانب من النزاعات الخليجية والتباينات في مواقف القوى الإقليمية من اليمن والعراق وليبيا، لكنها وجدت نفسها أخيراً محشورة في قضيتها الأزلية مع الهند حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
وبينما كانت تأمل إسلام أباد في أن تجد العون من حليفتها السعودية في نزاعها مع الهند حول كشمير، صدمت من تجاهل الرياض المتكرر لهذا الأمر ما صعد الموقف بين البلدين، وبدأت ملامح توتر كبير مؤخراً بينهما تتبدى.
وتزامناً مع الهجوم الرسمي الباكستاني تجاه الموقف السعودي، تصاعدت الحملات الإعلامية المتبادلة بين الرياض وإسلام آباد، حيث تزامن ذلك مع حديثٍ عن دخول تركيا على الخط داعمة لتوجهات الأخيرة، في محاولة من أنقرة سحب باكستان إلى محورها.
بدورها نقلت وكالة "رويترز" عن المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال بابار افتخار، قوله إن قائد الجيش قمر جاويد باجوا سيسافر إلى الرياض، لكنه قال إن الزيارة "مخطط لها سلفاً"، وهدفها "الشؤون العسكرية".
لكن الوكالة نقلت عن مسؤولين عسكريين بارزين -لم تسمهم- أن الرياض "مستاءة من انتقادات باكستان لرد فعل السعودية الذي وصفته بالفاتر، بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند".
كشمير.. شرارة التصعيد:
أصبح لدى الباكستانيين اعتقاد سائد أن السعودية تتجاهل دورها الكبير في عدة قضايا تتعلق بالدول الإسلامية، وخصوصاً فيما يتعلق بالنزاع المستمر منذ عشرات السنوات بين إسلام آباد ونيودلهي.
وشن وزير الخارجية الباكستاني، شاه محود قرشي، في تصريحات لقناة "أري نيوز" الباكستانية، في 5 أغسطس 2020، هجوماً حاداً على منظمة التعاون الإسلامي والسلطات السعودية، وقال إن بلاده قد تلجأ للبحث عن حل لقضية إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند بعيداً عن المنظمة الإسلامية.
وقال "قرشي" إن "على السعودية أن تظهر قيادتها فيما يتعلق بأزمة كشمير"، منتقداً عدم اكتراث "التعاون الإسلامي"، وتأجيلها الدائم عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل دعم الكشميريين، والوقوف على سبل حل قضية الإقليم، حسب ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية.
وأضاف: "إذا فشلت منظمة التعاون الإسلامي بقيادة السعودية في عقد ذلك الاجتماع، فسنعقد اجتماعاً خارج إطار المنظمة. باكستان لا يمكنها الانتظار أكثر"، مؤكداً أنه "نحن لا نستطيع أن نصمت بعد الآن بشأن معاناة الكشميريين".
السعودية ترد:
ورغم مرور أسبوع على تلك التصريحات، لم ترد الرياض على تصريح إسلام آباد، لكنها لجأت إلى خطوة أخرى في محاولة لضرب اقتصاد باكستان.
ويقول تقرير لموقع "ميدل إيست مونيتور"، في 11 أغسطس، إن السعودية أوقفت إمدادات النفط إلى باكستان وطالبتها برد قروض.
وذكر الموقع أن باكستان اضطرت عقب التصريحات إلى سداد قرض سعودي بقيمة مليار دولار، بعد أن طالبتها الرياض بذلك رداً على تهديد إسلام آباد بالخروج من عباءة منظمة التعاون الإسلامي.
وأضاف أن القرض كان جزءاً من حزمة مساعدات بأكثر من 6 مليارات دولار أعلنتها السعودية في نوفمبر 2018، وتضمنت قروضاً بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى تسهيلات ائتمانية للحصول على إمدادات نفطية بقيمة 3.2 مليارات دولار، خلال زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لباكستان في فبراير 2019.
تصعيد إعلامي سعودي:
ولم تكتفِ السعودية بإيقاف إمدادات النفط، بل لجأت إلى الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة باكستان والنَّيل منها.
وكتب رئيس تحرير "إندبندنت عربية" السعودي عضوان الأحمري على صفحته في "تويتر" قائلاً: إن الإعلام الباكستاني لديه "منطق غريب، يلومون الرياض أنها لم تنحَز لهم ضد الهند في كشمير"، مضيفاً: "من يذكرهم أنهم رفضوا تأييد عاصفة الحزم في بدايتها واستجابوا لإيران".
من جانبه برر الناشط السعودي عبد الله سعود ما حدث في كشمير، أنه بسبب إعلان باكستان "ضم كل المنطقة إدارياً لها من جانب واحد دون التفاهم مع الهند، ويريدون دعم منظمة التعاون الإسلامي لقرارهم".
أما الباحث العسكري السعودي المتقاعد إسماعيل الخواجة، فقد اتهم باكستان بأنها من بنت البرنامج النووي الإيراني، مضيفاً: "لها دور في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني".
ولم تغب أسطوانة "الإخوان" عن تغريدات وهجوم السعوديين، فقد رأى حساب "بن شيلان" أن "اللوبي الإخونجي في باكستان يعمل على دفع حكومة إسلام آباد نحو افتعال أزمة مع السعودية باستخدام قضية كشمير وتلفيق الأكاذيب بشأنها لأجل ضرب وانقسام دول المنظمة".
في المقابل اعتبر الناشط السعودي المعارض تركي الشلهوب أن السعودية "تدخل أزمة جديدة مع دولة إسلامية مهمة #باكستان!!! المراهقون لم يُبقوا للبلد صديقاً ولا حليفاً..كسبوا عداوة الجميع!!".
رد باكستاني وتضامن تركي:
وأمام الهجمات السعودية جاء الرد من الباكستانيين، بعدما أطلقوا وسماً على "تويتر" بعنوان "تركيا ليست وحدها"، حيث رأت سنا خان أن السعودية تشعر بالغيرة من علاقتها الاستراتيجية الوثيقة مع تركيا والصين، مضيفة: "حان الوقت للسعودية لتقرر باكستان أو الهند!".
واعتبر الصحفي الباكستاني " Anwar Lodhi" أن "أنانية السعودية تفلت قيادة الدول الإسلامية من أيديها"، مضيفاً: "لن يكون هناك فراغ أبداً.. الآن دولة أخرى ستقود المسلمين".
وتقول "Saba Chaudhary" إن باكستان والأمة الباكستانية "لن تترك تركيا أبداً في أوقاتهم الصعبة، وهناك الكثير من الأمثلة في التاريخ. نحن دولتان وأمة واحدة، نحن روح واحدة، نحن إخوة".
من جانبه كشف (Mir Mohammad Alikhan) عن حصوله على معلومات أن أذربيجان أبدت استعدادها لتقديم النفط إلى باكستان على أساس "الدفع المؤجل"، مضيفاً: "لا يوجد بلد يمكنه ابتزاز باكستان لتوريد النفط".
وتقول صفحة المحلل السياسي التركي الراحل محمد جنبكلي، إن تحالف تركيا مع باكستان النووية ذات الكتلة البشرية الهائلة (215 مليون نسمة) "سيكون من أهم التحالفات التي ستضيف لتركيا الكثير من القوة".
وكتب "عبد التواب" على صفحته في "تويتر"، قائلاً: "الفرح غامر لا يمكن وصفه، فقد استيقظ شباب البلدين، وتم التعرف على العدو، تعيش الصداقة الباكستانية التركية".
تحالفات تتغير:
في هذا الخصوص يرى المحلل السياسي التركي فراس أوغلو، أن التحالفات الإقليمية والدولية تتغير، مشيراً إلى تطور علاقات عسكرية إقليمياً وخفوت أخرى، مستشهداً بالتغيير الذي طال العلاقات الباكستانية السعودية، والباكستانية التركية.
وقال "فراس أوغلو"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إنه في الآونة الأخيرة كان هناك خلاف سعودي باكستاني في عدة قضايا، مذكراً بأن العلاقات السعودية الباكستانية "قديمة وقوية".
لكنه يعيد "التوتر" بين الرياض إسلام آباد إلى "رفض البرلمان الباكستاني طلب إرسال قوات إلى السعودية"، مفيداً: "أعتقد أنه من هنا بدأ الخلاف الأخير بالإضافة إلى التغييرات في إدارة الحكم في المملكة".
من جانب آخر يرى أوغلو أن التحالف التركي الباكستاني "موجود منذ مدة طويلة"، مشيراً إلى أن "هناك تعاون في مجالات عسكرية متعددة بين باكستان وتركيا".
ووفق اعتقاد المحلل السياسي التركي فإن تحالف أنقرة وإسلام آباد سيبقى قائماً، عاداً هذا التحالف بأنه "لا يمنع وجود التحالفات الباكستانية السعودية".
ووفق الرؤى التي ينتهجها البلدان فإن هناك علاقات ثنائية يمكن لكل دولة اعتمادها، بحسب أوغلو، "لكن هناك تراجع في العلاقات السعودية الباكستانية بشكل كبير"، وفق قوله.
ويعيد هذا التراجع إلى "ضغوط إقليمية ودولية"، لافتاً النظر إلى تغييرات تشهدها المنطقة، ووفق هذه التغييرات يرى أنه "يجب قراءة المشهد الإقليمي"، الذي "سيغير نوع التحالف" بحسب أوغلو.
خلافات سابقة:
الخلافات دبت بين السعودية وباكستان منذ ربيع 2015؛ أي منذ تدخلت السعودية في اليمن، بعدما رفضت إسلام آباد المشاركة في الحرب.
وخذلت باكستان حليفتها الرياض مرة أخرى بعدما أبقت علاقتها الطيبة مع الدوحة، على إثر الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017.
وخلال زيارة لماليزيا، في فبراير الماضي، أعرب رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، عن إحباطه إزاء صمت منظمة التعاون الإسلامي والسعودية بشأن ما يجري في كشمير.
ومع إلغاء حكومة الهند، بزعامة ناريندرا مودي، في 5 أغسطس 2019، المادة 370 التي منحت إقليم كشمير الحكم الذاتي تحت حكم الهند، في الشطر التابع لنيودلهي، رحبت المملكة بالإجراء الهندي، معتبرةً أنه ينشر الاستقرار في إقليم كشمير ومنطقة جنوب آسيا قاطبة.
وعقب تلك التصريحات قررت باكستان اشتراكها في القمة الإسلامية بماليزيا، التي شاركت فيها تركيا وإيران وقطر، التي تعتبرها السعودية خصوماً لها، قبل أن تتراجع إسلام آباد، عقب تهديدات سعودية بطرد أربعة ملايين باكستاني يعملون في بلاد الحرمين، وسحب وديعة المملكة بمصرف باكستان المركزي.
ارسال التعليق