تغطية عربية لسطو (إسرائيل) على الضفة
ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد المعلن في الأول من يوليو.
وفي مقابلة صحافية حديثة بدا رئيسها واثقاً مطمئناً بأن الخطوة ستتمّ من دون معوّقات، استناداً إلى أنها قرار أميركي - إسرائيلي، وإلى أن ما يمكن حسمه بالقوة العسكرية لا تستطيع أي قوة سياسية أن تمنعه أو تحبطه.
كل التحذيرات الداخلية، سواء من الأجهزة الأمنية، أو من أطراف سياسية غير مقتنعة بأن خطة «صفقة القرن» مؤهلة لأن تقيم سلاماً واستقراراً، لم تدفع بنيامين نتنياهو إلى تعديل توجهاته أو فرملتها، فهو مندفع إلى «الإنجاز الكبير» الذي يعتبر أنه سيغيّر التاريخ الذي كان حتى الآن باتجاه واحد يوجب على إسرائيل تقديم تنازلات للحصول على السلام.
هناك عنصر آخر يعزّز ثقة زعيم ليكود في خياراته، وهو التغيير في عمق المواقف العربية متمثّلاً بخطوات «تقارب» و»تعاون» مع العديد من الأنظمة والحكومات.
شكّل ذلك تطبيعاً من دون مظاهر رسمية، وسلاماً من دون اتفاق سلام، كما وصفه آرون ميللر، أحد المفاوضين («الوسطاء») الأميركيين السابقين. وهو أوضح أيضاً أن عدداً من الدول العربية تخلّت عن حلّ القضية الفلسطينية كـ «شرط للتطبيع» مع إسرائيل.
تعلم هذه الدول أن نتنياهو لا يؤمن بـ «حل الدولتين»، وأنه يعمل «لمنع ظهور دولة فلسطينية»، من خلال ضمّ كل القدس وتلك الأجزاء من الضفة الغربية.
وفي تصريحات أخيرة قال نتنياهو إن الدولة الفلسطينية ستكون «حبرا على ورق»، ومع ذلك فإن شيئاً لم ولن يغيّر هذا التهافت العربي الذي يعزوه محللون غربيون إلى «تعب عربي» من القضية الفلسطينية..
فيما استجدّت «متاعب» ومخاطر أخرى، بعضٌ منها خارجي كالخطرين الإيراني والتركي، بحسب الاصطفافات، وبعضٌ آخر داخلي كالانقسام حول الإسلام السياسي.
إذا كانت بيانات الجامعة العربية تعكس موقفاً عربياً «واحداً»، فهذا أصبح بدوره، ومنذ زمن، مجرّد «حبر على ورق». فالجامعة اعترفت بفلسطين دولة وأقرّت عضويتها، وأيدت تسوية سلمية تفاوضية تنهي الاحتلال، وتصون حقوق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة على أساس قرارات الشرعية الدولية.
وكانت الجامعة تأسست أصلاً للدفاع عن قضية هذا الشعب، لكن فشل العرب طوال أربعة عقود في حسم القضية عسكرياً مهّد عملياً لفشلهم طوال ثلاثة عقود في تسويتها سلمياً!
فقد تخلّوا عن خيار الحرب بحثاً عن السلام فيما تمسّكت إسرائيل بخيار الحرب وصولاً إلى «سلام» من دون تنازلات، وهو ما يساوي في نظر المجتمع الدولي تكريساً للسطو على الأرض وتشريعاً للاحتلال.
ما تستعد إسرائيل للإقدام عليه هو جريمة موصوفة أمام أنظار المجتمع الدولي، الذي يستطيع أن يتخذ أقوى المواقف ضدّها، لكن الموقف العربي يربكه، ليس فقط بازدواجيته وباطنيّته وقصر نظره المستقبلي، بل خصوصاً باستهتاره بالقيم والقوانين الدولية في تقديم «قضيته المركزية»، كما يسمّيها.
لم يحدث أن يكون المجتمع الدولي «ملكياً أكثر من الملك» في أي قضية، فصراع المصالح والانقسامات الدولية، وظروف الوباء الكوروني، وتفشي الضعف والعجز عربياً، واختلال تاريخي للقيم أميركيا، تبدو جميعاً كأنها اجتمعت في هذه اللحظة لتجدّد الظلم للشعب الفلسطيني، وتبني على مخرجات الجرائم الإسرائيلية.
ارسال التعليق