تقرير خاص: الحكم على الشيخ الراضي.. تسييس للقضاء وإلغاء للأصوات الحرة
في ظل الوتيرة التصاعدية التي تتبعها السلطة السعودية تجاه الحراك الشعبي والأصوات المنتقدة للمخالفات الإنسانية والحناجر المطالبات بإيصال الحقوق لأصحابها، لم يكن مفاجئا أصدار الحكم بالسجن 13 سنة على الشيخ حسين الراضي، نظرا لمواقفه الجريئة والصريحة والمنصفة في شتى المجالات، لا سيما أنها جاءت في مرحلة قاسية نسبيا على صعيد ردات الفعل واستخدام العنف المفرط وغير المبرر واستهداف الرموز الوطنية من قبل السلطة في المملكة، بل في مرحلة يبدو أن هناك قرارا متخذا باستهداف مكون بكامله وفئة بعينها سواء في المملكة السعودية أو بعض دول الخليج الأخرى.
ومسألة إلغاء هذا المكون متشعبة حيث لها تبعات وتداعيات خطيرة على مجمل الوضع في البلاد والمنطقة، وهذا ما لا تحسب له الحسابات الصحيحة من قبل السلطات التي تعمل عليه، والقضية الأصعب في المملكة اليوم تتمثل باتجاه لإلغاء كل من يحاول رفع الصوت أو إبداء أي نوع من أنواع المعارضة سواء كان عالم دين أو مفكر أو مواطن عادي، وحتى لو كان أحد القيادات السياسية والمسؤولين من العائلة الحاكمة، حيث يبدو أن المرحلة لدى الحاكم اليوم هي مرحلة لا مجال فيها لمعارضته أيا كان المعارض أو المخالف وبالتالي سيتم إسكاته بأي ثمن من الأثمان وهذا ما باتت تثبته التجربة.
واجب عالم الدين.. وانحراف الحاكم
ويبقى السؤال الأساس هل الحكم الصادر بحق الشيخ الراضي هو حكم قانوني يراعي الحقوق القضائية والقانونية أم أنه حكم جائر له أبعاده السياسية وأيضا استخداماته السياسية لا سيما في الداخل السعودي؟ هل المواقف التي اتخذها الشيخ الراضي تحتم مثل هذا الحكم البالغ القساوة؟ أليس من حق عالم الدين أن يلعب دور الموجه والمرشد والمنبه للناس والسلطة في آن؟ أليس من حق الشيخ الراضي توجيه الناس وإرشادها إلى ما يجب القيام به والمواقف التي يجب أن تتخذها حول قضايا الوطن والأمة؟ أليس من حق الشيخ أن يلفت نظر الحاكم عندما تأخذه الأهواء وينحرف عن الغاية المنوط به والأهداف التي يجب عليه تحقيقها من صيانة الوطن ومصالحه العليا كما تحقيق مصالح الناس والحفاظ على أمنه وأمانه؟ ولكن هل التعبير عن الرأي سواء من عالم دين أم من غيره يستوجب الحكم عليه بـ13 سنة سجن؟
هل الحكم القاسي وغير المتوازن على الشيخ الراضي يحمل في طياته هجوما واضحا على المذهب الشيعي ومعتنقيه في المملكة؟ هل يمكن القول إن الحكم على الشيخ الأسير هدفه إسكات كل صوت علمائي يحاول إرشاد الناس بحسب ما توجبه التعاليم الإسلامية السماوية والقيم الأخلاقية والإنسانية؟ أم أن الحكم ينطلق من مفاهيم تعتبرها السلطات السعودية أساسية لحكم البلاد والعباد وتتعلق بمنع الخروج على الحاكم أو "ولي الأمر" أو انتقاده أيا كانت أفعاله ومخالفاته؟
أحكام قاسية.. وتهاون مع الإرهابيين
حول كل ذلك قال محمد النمر نجل الشهيد الشيخ نمر باقر النمر إن "الحكم على الشيخ الراضي بالسجن لـ13 سنة لممارسته حقه في التعبير عن الرأي بشكل سلمي يعد جريمة بحق الإنسانية وبحق هذا الشيخ الجليل الذي يشهد له القاصي والداني بعلمه وصلاحه وتقواه"، وأضاف أن "هذه الأحكام القاسية التي توجه ضد المذهب الشيعي هي أصدق مثال على طائفية السلطة السياسية في المملكة ونظامها القضائي".
ولفت النمر في حديث خاص لصحيفة "خبير" إلى أن "تسييس وطائفية السلطة والقضاء في المملكة تظهر جلية بإصدار الأحكام على العناصر الإرهابية التكفيرية بمدد قصيرة لا تتجاوز بضع سنوات، رغم أن هذه العناصر ارتكبت الجرائم بحق الأبرياء في الداخل والخارج"، وتابع "بينما هذا القضاء يتشدد بمعاقبة المتظاهرين السلميين وغيرهم ممن يعبر عن رأيه بشكل حضاري"، وصولا لإصدار الأحكام بالإعدام والسجن لمدة طويلة.
ورأى النمر أن "هذه الحالة من التمييز الطائفي بحق الناس في المنطقة الشرقية خاصة وعموم البلاد ستوسع الفجوة بين الشعب والسلطة الحاكمة وهي تدق ناقوس الخطر الذي قد ينفجر في أي لحظة ليشكل بؤرة من بؤر التوتر في المنطقة كلها وقد يكون لها تداعيات على غيرها من الدول المحيطة".
من يحمي العلماء من تعسف السلطة؟
والحكم على الشيخ الراضي يثير من جديد مسألة المحاكمات في المملكة والمنظومة القضائية المتبعة ومدى الالتزام بحقوق الإنسان منذ لحظة الاعتقال حتى لحظة صدور الحكم ومن ثم مرحلة تنفيذ هذا الحكم، فهل تراعى كل الحقوق للمتهم والمعقل والسجين أم أن الأمور تترك على غاربها دون رقيب أو حسيب؟ علما أن الوقائع تظهر ليس فقط غياب الرقابة بل تؤكد وجود استخدامات سياسية وطائفية لعملية الاعتقال والمحاكمة وأن الانتهاكات التي تقع لا تحصل اعتباطا أو تقصيرا أو إهمالا إنما هي تُنفذ عن سابق إصرار وتخطيط بغية تحقيق غايات محددة وبدقة.
وعلى الرغم من سكوت الكثير من الدول والمنظمات الحقوقية والإنسانية عما يجري في المملكة، بالإضافة إلى سكوت المؤسسات الدينية والإسلامية اليوم في قضية الشيخ الراضي، خوفا من الضغط المالي والسياسي للسلطة السعودية في مختلف أقطار الأرض، إلا أن الرأي العام الحر في الداخل والخارج يرصد ما يجري من انتهاكات ويرفع الصوت ويوثق كل المخالفات انتظارا لاستخدامها بالشكل والوقت المناسب إعلاميا وقانونيا وقضائيا، وهنا لا بد من مطالبة المؤسسات الدينية في مختلف البلدان ومن مختلف الأديان والمذاهب الإسلامية بشكل خاص أن تتدخل لترعى شؤون العلماء الذي تنتهك حرمات عماماتهم وعلمهم في السجون ويقدمون لمحاكمات غير عادلة ويحكمون بأحكام غير قانونية بحجج سياسية واضحة.
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق