جولة أردوغان الخليجية.. وساطة أم تصحيح مسار؟
جولة خليجية بدأها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، هدفها المُعلن هو تهدئة الأزمة الخليجية المشتعلة منذ ما يقرب من شهرين، لكن يرى مراقبون أن هذه الجولة تحمل في طياتها أهدافًا أخرى، ربما يأتي في مقدمتها تهدئة اللهجة التركية في مقابل الدول الخليجية، وخاصة السعودية، التي انزعجت مؤخرًا من الدعم الكامل الذي تقدمه حليفتها التركية لقطر المغضوب عليها من قبل الدول الخليجية.
أردوغان في مهمة خليجية
استهل الرئيس التركي جولته الخليجية بزيارة المملكة العربية السعودية، حيث أجرى مباحثات مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، شملت العلاقات بين البلدين والجهود المبذولة في سبيل مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله، وبحسب وكالة “الأناضول” فقد عقد الرئيس التركي اجتماعًا مغلقًا مع ولي العهد، محمد بن سلمان، حضره الوفد المُصاحب لأردوغان، والمتمثل في ووزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، ووزير الاقتصاد، نهاد زيبكجي، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية، براءت البيرق، ووزير الدفاع، نور الدين جانكلي، ورئيس الأركان العامة للجيش، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات العامة، هاكان فيدان.
استبق أردوغان زيارته للسعودية بتصريحات؛ في محاولة لتلطيف الأجواء التي اشتعلت مؤخرًا بين الدول المقاطعه لقطر وتركيا، التي مالت بكل ثقلها تجاه الحليفة القطرية على حساب حلفائها الخليجيين وخاصة السعودية، حيث قال الرئيس التركي: إن قطر التزمت سياسة عاقلة، تسعى إلى حل الأزمة الخليجية، وأضاف: منذ بدء الأزمة نحن مع السلام، أكرر السلام، والاستقرار والتضامن والحوار، لقد قدمنا المقترحات الضرورية للأطراف المعنيين، ونواصل القيام بذلك، مشددًا على أن العالم الإسلامي بحاجة إلى تعاون وتضامن وليس بحاجة إلى مزيد من الانقسام، وأن إطالة أمد الأزمة الخليجية ليست في صالح أحد.
الكويت كانت المحطة الثانية في جولة أردوغان، حيث التقى أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس الأحد، وأجرى الطرفان مباحثات في قصر دار سلوى بمحافظة حولي شرق الكويت، وقالت مصادر مواكبة للزيارة إن المباحثات تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتنميتها على الأصعدة كافة، كما أخذت الأزمة الخليجية حيزًا من المباحثات التركية الكويتية وآخر المستجدات في المنطقة، ليصل أردوغان في نهاية جولته إلى حليفته القطرية، حيث من المنتظر أن يكون الاستقبال القطري للرئيس التركي حارًّا من قبل الأمير “تميم بن حمد”، نظرًا للدعم الذي تقدمه أنقرة للدوحة في أزمتها.
وساطة أم تصحيح مسار؟
بالتزامن مع الجولة التركية في المنطقة الخليجية، وباختيار أردوغان للسعودية كمحطة أولى لجولته، انطلقت التساؤلات حول الهدف الرئيسي لهذه الجولة، فهل تحاول تركيا إنجاح ما فشلت فيه الكويت وألمانيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، أم أن هدفها هو تخفيض اللهجة التركية الحادة التي استخدمتها منذ بداية الأزمة في الحديث مع الدول الخليجية المُقاطعه لقطر، أم إمساك العصا من المنتصف، بعد أن أظهرت المؤشرات الأخيرة احتمال إطالة أمد الأزمة؛ مما يعصف بالمصالح التركية في المنطقة الخليجية، وخاصة مع السعودية التي يثير غضبها الدعم التركي لقطر، من خلال إرسال القوات التركية إلى الدوحة، وتوجيه النقد لكل من أبو ظبي والرياض بشكل شبه يومي، وهو ما يعني أن تشهد الأيام المقبلة تصريحات متوازنة، لا تميل إلى السعودية، وربما وقف تدفق القوات التركية إلى الدوحة، وقد يصل الأمر إلى إغلاق الجسر الجوي الذي أقامته أنقرة لفك الحصار عن حليفتها القطرية.
هل تنجح تركيا فيما فشلت فيه الكويت؟
بافتراض أن جولة الرئيس التركي الخليجية تصب في صالح محاولة تهدئة الأوضاع المشتعلة بين الدول الخليجية منذ ما يقرب من شهرين، فقد يأتي التساؤل هنا حول فرص وحظوظ نجاح هذه الوساطة في ظل الاحتقان السعودي التركي في الأساس، وتوتر العلاقات التركية المصرية منذ سنوات، والخلافات المتصاعدة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى العلاقات المرتبكة بين تركيا والمُحرك الرئيسي للأزمة “أمريكا”، الأمر الذي يجعل الوسيط التركي لا يملك أي ورقة رابحه يمكن استغلالها لإنجاح الوساطة.
بالنظر إلى كل هذه العوامل والمعطيات نجد أن الوساطة التركية ستفشل حتمًا في حلحلة الأزمة الخليجية، ليس فقط بسبب تعنت الدوحة وتحديها للشروط الخليجية المصرية للمصالحة، بل لأن تركيا تعتبر أيضًا جزءًا من الأزمة الخليجية، فهي متهمة من قبل دول المقاطعة الأربعة بالميل بكل قوتها إلى الكفة القطرية ودعم حليفتها عسكريًّا وسياسيًّا وماديًّا ولوجيستيًّا في أزمتها، كما أنها شريكة في ملف الإخوان المسلمين الذي أصبح يثير الغضب الخليجي، أضف إلى ذلك القاعدة التركية في قطر، والتي وضعتها دول المقاطعة بندًا أساسيًّا في حل النزاع، واشترطت على الدوحة تفكيكها مقابل إعادة العلاقات، وهو الأمر الذي رفضته أنقرة والدوحة مرارًا على لسان مسؤوليها، فكل هذه الأسباب تؤثر بالسلب حتمًا على أي دور تنوي أنقرة القيام به في الأزمة، ويجعلها وسيطًا غير محايد بالنسبة للأطراف الأربعة، وبالتالي غير مقبول بدرجة كبيرة.
الرئيس التركي معروف بأنه سياسي براغماتي متلون حسبما تقتضيه المصالح السياسية، الأمر الذي يدفع إلى توقع حدوث مفاجآت عدة خلال الأيام القادمة، قد تتمثل في تقارب سعودي تركي على حساب قطر، أو عودة القوات التركية التي وصلت لتوها إلى الأراضي القطرية.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق