جولة «بن سلمان».. تبييض الصورة علنا وتدبير المؤامرات سرا
جولة خارجية هي الأولى للأمير، محمد بن سلمان، كولي للعهد السعودي، يحمل خلالها الموفد السعودي حزمة من الملفات الساخنه على المستوى الإقليمي والدولي، فيما يهدف خلالها أيضًا إلى إظهار بلاده بصورة جديدة بعد أن أصبحت خلال السنوات الأخيرة الماضية دولة سيئة الصيت.
القاهرة.. المحطة الأولى
وصل الأمير السعودي الذي بات يعتبر المتحكم الرئيسي في زمام البيت الحاكم للمملكة حاليًا، اليوم الأحد، إلى القاهرة، في زيارة هي الأولى له كولي للعهد، حيث سبق أن زار “بن سلمان” مصر ثلاث مرات سابقة خلال عام 2015،.
تحضرت القاهرة لاستقبال الأمير الذي بات على بُعد خطوات عن العرش السعودي، وذلك من خلال إعلان سلطات مطار القاهرة الدولي، الثلاثاء الماضي، حالة الطوارئ لاستقبال الأمير، حيث أغلق أمن المطار ساحات انتظار السيارات وتم فتح استراحة كبار الزوار، فيما وصل الخميس الماضي، وفد ولي العهد السعودي، ووصلت أكثر من 20 سيارة خاصة، بالإضافة إلى 6 سيارات أثاث، تحمل الأغراض التي سوف يستخدمها “بن سلمان” وحاشيته خلال إقامتهم في مصر لمدة ثلاثة أيام.
ومن المقرر أن يلتقي “بن سلمان” بالرئيس “عبد الفتاح السيسي”، لبحث “العلاقات الثنائية، والمجالات الاقتصادية والاستثمار، وملفات إقليمية بينها الحرب على الإرهاب والأزمات في سوريا واليمن وليبيا”، وفق البيانات الرسمية، لكن العديد من المراقبين رجحوا أن تتركز هذه الزيارة على ثلاثة ملفات رئيسية، الأول يتمثل في الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب وقطر من جانب آخر، وذلك في الوقت الذي أجرى في الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتصال هاتفي قبل أيام بقادة الدول القائدة للأزمة الخليجية أي السعودية والإمارات وقطر، وتوجيه دعوة لهم لزيارة واشنطن في غضون شهري مارس وإبريل.
فيما سيكون الملف الثاني الأبرز على طاولة المفاوضات هو صفقة القرن، التي يحاول الرئيس الأمريكي إتمامها في أقرب وقت، خاصة بعد أن قطع أشواطًا فيها من خلال قراراته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 14 مايو، وإعلان القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
الملف الثالث سيكون حول العدوان السعودي على اليمن، الذي تورطت فيه المملكة قبل ثلاث سنوات ولم تحقق أيًا من أهدافها خلاله بل واجهت العديد من الانتقادات الدولية والأممية والحقوقية، وفي الوقت نفسه تعجز عن رفع يدها منه سواء من خلال مفاوضات سياسية أو حسم عسكري، حيث حاولت المملكة مرارًا توريط القاهرة معها في هذا الملف لكن الأخيرة رفضت طلب الرياض إرسال قوات برية للقتال في اليمن إلى جانب القوات السعودية والإماراتية، الأمر الذي أثار خلافات بين الطرفين قبل أشهر.
الحديث في الملفات الثلاثة لن يمنع أيضًا التطرق إلى الاختلاف الكبير في وجهات النظر بين البلدين بشأن سوريا، وتباين الرؤى حول لبنان والموقف من حزب الله، حيث ترفض القاهرة التورط في الحرب التي تحشد لها أمريكا بمساندة السعودية في الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ الإيراني هناك، فيما تنتظر المملكة من القاهرة الكثير من الدعم والمساندة في هذه المسألة، الأمر الذي أثار خلافات جعلت الرياض توقف مساعدات واستثمارات وعدت بها خلال زيارة الملك السعودي إلى القاهرة في إبريل الماضي.
المحكمة الدستورية تحسم الجدل
استبقت القاهرة زيارة ولي العهد السعودي بتقديم هدية ثمينه للمملكة وعربون صداقة، حيث أقرت المحكمة الدستورية التي تعتبر أعلى سلطة قضائية في مصر، في حكم نهائي، صحة إقرار اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض، التي تقضي بأحقية السعودية في جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر، لتسدل بذلك الدستورية الستار على القضية التي شهدت تلاسنًا كبيرًا في أروقة المحاكم وبين السياسيين والمسؤولين.
في ذات الإطار، أوضحت المحكمة الدستورية العليا، أن توقيع ممثل الدولة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتي مصر والسعودية، يُعد لا ريب من الأعمال السياسية التي تخضع لرقابة البرلمان، كما قضت المحكمة، بعدم الاعتداد بأي أحكام مؤيدة أو مبطلة صدرت في هذا الصدد، في إشارة لأحكام القضاءين الإداري والمستعجل، وأوضحت المحكمة الدستورية، أن عدم الاعتداد بأحكام القضاء الإداري والمستعجل المبطلة والمؤيدة للاتفاقية، تأتي استنادًا إلى أنها “عمل من أعمال السياسة”، ويعد إبرام المعاهدات والتوقيع عليها من أبرز أمثلة هذه الأعمال، وبينت أن عدم الاعتداد، يرجع إلي وجهين أولهما تعلق الاتفاقية بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولي العام، من دول ومنظمات دولية، وذلك في مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ، والوجه الثاني هو “وقوع الاتفاقية في مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
لندن.. زيارة ثقيلة
من المرتقب أن تهبط الطائرة السعودية الملكية في الأراضي البريطانية في 7 مارس الجاري، لتنهي الجدل الدائر منذ أشهر حول زيارة “بن سلمان” غير المرغوب فيها إلى لندن، حيث سبق أن تم تأجيل هذه الزيارة مرتين متتاليتين، فقد كان من المقرر أن يُجريها ولي العهد السعودي في منتصف يناير الماضي، لكنها تأجلت إلى فبراير دون تحديد موعد محدد لها، ونظرًا للانتقادات والاحتجاجات التي اشتعلت حينها اعتراضًا على أن تطأ قدم “بن سلمان” الأراضي البريطانية على اعتبار أنه “مجرم حرب”، تقرر تأجيل الزيارة إلى أجل غير مسمى، قبل أن يخرج المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية ليعلن موعد الزيارة رسميًا في 7 مارس الجاري.
من المقرر أن يُجري ولي العهد السعودي محادثات مع رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، وغيرها من كبار المسؤولين، في أول زيارة يقوم بها لبريطانيا منذ أن أصبح وليًا للعهد، وهي الزيارة التي تحضرت لها بريطانيا جيدًا وتثير قلق المسؤولين الأمنيين هناك نظرًا لحملة المقاطعة والمعارضة التي انطلقت في شوارع بريطانيا رفضًا لزيارة “بن سلمان” والتي بدأها حقوقيون ومنظمات غير حكومية مناهضة للحروب، تطالب بعدم استقباله، مشيرة إلى أن الدعم الغربي الذي تقدمه بريطانيا وحلفاؤها للسعودية أسهم في قتل المزيد من الشعب اليمني وتدمير البنى التحتية لبلاده، طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، شارك في محاولة تلميع صورة “بن سلمان”، خاصة أن الأجواء السياسية في بلاده تضج بالغضب من سياسات المملكة السعودية، حيث ظهرت محاولات “جونسون” تلميع صورة حليفة السعودي في المقالة التي كتبها بصحيفة “التايمز” قبل أيام، وتناول فيها الزيارة المرتقبة، حيث تحدث وزير الخارجية البريطاني عن ضرورة دعم الأمير الشاب لتنفيذ ما أسماه “برامج الإصلاح” في بلاده، والتي قال جونسون إن “مستقبل السعودية والعالم الإسلامي يعتمد على نجاحها”، وقد بدأ وزير الخارجية البريطاني مقالته بالتذكير بلقاء حدث قبل 73 عامًا بين رئيس الوزراء البريطاني حينها، ونستون تشرتشل، ومؤسس المملكة السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، في مصر، وهو اللقاء الذي تناول خلاله تشرتشل كوبًا من مياه زمزم وصفها بأنها “أعذب ما تذوّق من ماء في حياته”، ليتابع “جونسون” بالقول “ها نحن إذا نفتح صفحة جديدة في 7 مارس حين يصل حفيده، وليّ العهد محمد بن سلمان، في زيارة إلى لندن”.
في ذات الإطار، رفض “جونسون” الكثير من الانتقادات الموجهه للتقارب بين لندن والرياض، قائلًا: هناك من يعترض على التواصل بين لندن والرياض، التي وصفها بأنها “واحدةً من أكبر القوى في الشرق الأوسط وواحدة من أقدم أصدقاء بريطانيا في المنطقة”، مضيفًا: “إنه شخصيًا يؤمن بأن ولي العهد السعودي قد أظهر قولًا وفعلًا عزمه على قيادة السعودية في اتجاه أكثر انفتاحًا، وأن على بريطانيا تشجيعه للسير على هذا الدرب”، وأكد المسؤول البريطاني على أن “التغيير لا يأتي سهلًا في السعودية، لكن في غضون بضعة أشهر حدث إصلاح حقيقي بعد عقود من الجمود”، مشددًا على أن “التواصل مع السعودية هو السبيل للحفاظ على المصالح القومية البريطانية بسبب اعتماد عشرات آلاف الوظائف في بريطانيا على التصدير إلى السعودية، علاوة على التعاون الاستخباراتي بين البلدين بمواجهة الإرهاب وكذلك تصرفات إيران في المنطقة”.
دائمًا ما تخضع العلاقات الغربية الخليجية عمومًا، والسعودية البريطانية على وجه التحديد إلى سياسة الابتزاز والسكوت والتغاضي مقابل دفع الثمن، وهو ما تعتمده الإدارة البريطانية الحالية بحرفية عالية، حيث تتنافس بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية للاستيلاء على ما تبقى من ثروات في خزائن المملكة السعودية، مقابل السكوت عن الجرائم التي ترتكبها المملكة داخليًا من خلال قمع معارضيها، أو خارجيًا من خلال تقديم الدعم للجماعات المسلحة والمساهمة في تمزيق الدول وشرذمتها، أمثال اليمن وسوريا والعراق، ويتجلى ذلك في الدعم العسكري الذي تٌقدمه لندن إلى الرياض والذي أثار العديد من الانتقادات الدولية، حيث تغرق المملكة البريطانية حليفتها السعودية بالأسلحة منذ نحو ثلاث سنوات، والتي تستخدمها الأخيرة في ارتكاب المزيد من جرائم الحرب ضد الشعب اليمني، الأمر الذي خلق أزمة إنسانية اعتبرتها المنظمات الحقوقية والإنسانية الأسوأ في العصر الحديث، لكن لندن اختارت السكوت والتغاضي عن هذه الجرائم والقبول بهذه الانتقادات مقابل المال السعودي.
بن سلمان.. جولة تلميع الصورة
يرى العديد من المراقبين أن الهدف الرئيسي من جولة “محمد بن سلمان” في مصر وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تلميع صورة الملك الجديد الذي بات على بُعد خطوات قليلة من العرش السعودي، فخلال مسيرة ولي العهد لإزاحة كافة العراقيل من طريقه للوصول إلى العرش، لحق به وصمات عار وشبهات متعددة، بعضها تعلق بالشؤون الداخلية وأخرى مرتبطة بحقوق الإنسان، حيث لايزال المجتمع الدولي يُحمل “بن سلمان” مسؤولية العدوان السعودي على اليمن، والجرائم التي يرتكبها التحالف هناك، خاصة في ظل التقارير التي تؤكد أن “بن سلمان” هو المُحرك الرئيسي والعقل المدبر لسياسات المملكة الخارجية، وأن والده “سلمان بن عبد العزيز” ما هو إلا ستار وضيف شرف في هذه السياسات، الأمر الذي جعله في أعين العديد من الدول العربية والأوربية “رأس الأفعى”.
في ذات الإطار، فقد بات “بن سلمان” صاحب صيت سيئ على خلفية حملة الاعتقالات غير المبررة التي طالت العديد من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين في المملكة خلال نوفمبر الماضي، والتي عمل خلالها ولي العهد على ابتزاز هؤلاء المعتقلين لمدة شهرين في فندق “ريتز كارلتون” للسطو على أموالهم مقابل إطلاق صراحهم.
إلى جانب حملة الاعتقالات الداخلية التي شنها “بن سلمان” وأثارت ضجه سياسية، واستمرار العدوان السعودي على اليمن، تأتي التغييرات والتبديلات التي طالت العديد من الأمراء والوزراء في البيت الحاكم في محاولة من الأمير الشاب لإبعاد خصومه السياسيين ليصبح وليًا للعهد، والتي كان أكبرها في يونيو الماضي، وأخرها قبل أيام بالتوقيع على ما يسمى “وثيقة تطوير وزارة الدفاع” التي مهدت للإطاحة بالعديد من القيادات العسكرية والسياسية في محاولة لاسترضاء الأجنحة الساخطة على “بن سلمان” خاصة أبناء عمومته، كما أن كل ذلك يأتي إلى جانب سياساته التطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي وانفتاحه على العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع تل أبيب، ومحاولاته تصفية القضية الفلسطينية.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق