جون كيري في السعودية في زمن يماني مُختلف
منذ عام ونصف، اي منذ انطلاقة حرب عدوان الحلفاء (العرب) بقيادة المملكة السعودية على اليمن ووزير خارجية الولايات الامريكية المستر / جون كيري يجتمع سراً وعلانيةً بوزراء خارجية السعودية وقطر والإمارات العربية وغيرهم، وآخر هذ الاجتماعات كان في يوم الأربعاء بتاريخ 2016/8/24م في مدينة جده بالسعودية، وهذه مسألة إعتادية جداً في العلاقات العامة بين الدول الحليفة٠
كل هذه الاجتماعات واللقاءات (او البرزات كما يسميها اهلنا بالريف اليمني) اساسها تبادل المنافع والمصالح والتقاط صور المجاملات مع الابتسامات الصفراء امام عدسات الكاميرا المحلية والعالمية، لكن مع كل لقاء يحدد الموضوع والفكرة الجديدة المراد بحثها وبحسب الحاجة والظرف، وهذا امر طبيعي الحدوث حتى بين الأفراد والمنظمات والدول بطبيعة الحال، ناهيكم عن دول متحالفة في كل شيء للعظم تقريباً، وفي كل كل مره يجتمع فيها جون كيري وعادل الجبير تجدهم يبحثون الشأن اليمني وكأنه شأن خاص ومخصص بهم، ولم يستدعوا ولو لمرة واحدة من باب المجاملة حتى أفراد من اتباعهم ممثلي الحكومة اليمنية (الشرعية) الرابضة في فنادق الرياض، وهذا مبعث إستغراب المواطنيين اليمنيين وحتى المراقبين، السؤال هنا، هل يندرج ذلك في خانة النسيان فجل من لا يسهو، او من باب ثقافة (الإتكيت) الذي لا يسمح للأسياد الجلوس على طاولة واحدة مع الاتباع والحشم والخدم، او من باب اليقين انهم لا يمثلون شيء على الارض والله اعلم.
كانت لقآتهم أي ( كيري والجبير ) تأتي قُبيل اية جولة من المباحثات التي يتم تكليف الاخ ممثل الامين العام للأمم المتحدة لترتيبها والتنسيق للمكان والزمان وصالات الاجتماعات ومنيو الوجبات بالفنادق وتزيين القاعات بالاعلام والشعارات وخلافه، وكأن مهمة الامم المتحدة محصور في هذه المهام فحسب، وهذا ما حدث قُبيل لقاء سويسراجنيف 1، وسويسرا بيرل 2 وكذلك الكويت 1، والكويت 2، لقاء الوفد اليمني الوطني والوفد اليمني (الشرعي ) القادم من مرابضه من غرف وأجنحة فنادق الرياض وابوظبي.
بطبيعة الحال هناك فرق شاسع بين منطقي الوفدين اليمنيين، فالوفد القادم من صنعاء يقول بثقة عالية نريد حل سياسي وعسكري وانساني يمني شامل بعيد عن الوصاية، وكذلك البحث عن شراكة وطنية في إدارة الدولة والسلطة من خلال رئيس جديد وحكومة جديدةٍ، والوفد المهاجر بالرياض يكرر ذات الموضوع من اول ساعة لقاء في سويسرا وحتى اليوم ال 99 الذي أمضوها بالكويت للتباحث دون نتيجة تٰذكر، والطلب هو ان يُسلم ممثلي الوفد الوطني السلاح الثقيل والمتوسطو، وإخلاء المدن اليمنية، والبنك المركزي، والخروج الى خارج المدن وحتى الضواحي منها، وبعدها يبدء بالتفاوض في الحل السياسي لمستقبل اليمن، ويكرر هذا المطلب الى درجة ان من يستمع اليهم يشفق عليهم تماماً، كيف يمكن فهم منطق هؤلاء والحرب مستعره وعلى أشدها في كل الجبهات ؟ ولم يحققوا اي إختراق حقيقي يُذكر في كل الجبهات، من قبل حلف عدوان مكون من اكثر من 14 دوله، بغطاء دول الهيمنة الاستعمارية القديمة والحديثة ٠
من خلال متابعة حديث جون كيري الأخير في السعوديه يظهر ان أميركا تعبت من حمل حلفائها على ظهرها كل هذا الوقت، وتريد ان تغير المعادلة في المنطقة تدريجياً، ولكنها لا تريد في ذات الوقت ان تُغضب جماعات الضغط في أميركا وبالذات ممثلي كارتيلات الصناعات العسكرية لانها المستفيد المباشر من بيع كل تلك الصفقات العسكرية لدول مشيخات الخليج قبل وأثناء العدوان، ولأن الادارة الامريكية اليوم اصبحت شبه شريكه في الحرب على اليمن، من خلال وجود خبرائها العسكريين في غرفة العمليات الحربية العسكرية بالرياض، ومن خلال تزويد الطائرات المقاتلة السعودية المُغيرة على المدن والقرى اليمنية، لتزويدها في الجو بكمية وقود تزيد على 40مليون طن بحسب الصحف الامريكية الصادرة قبل أسبوعين، ومن خلال إرتفاع عدد الضحايا من اليمنيين المدنيين في المستشفيات والمدارس والمنازل وصالات الاعراس وكلها جرائم تندرج ضمن جرائم الحروب، والتي تقود قادة دولها الى المحاكم الدولية والمحلية، وهي جرائم اصبحت موثقة بحسب تقارير دولية، من منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الأمنستي وهيومان رايتس، كل هذه الأفعال المشينة تثقل كاهل الحكومة الامريكية الديمقراطية للولايات المتحدة الامريكية من حيث السمعة الإعلامية في بلدانها ليس إلا، اما مراعاة عنصر الأخلاق الإنساني في الموضوع فليس لها مكان في قاموس الدول الكبرى كالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا، وهذا ماتثبته سجلاتهم السابقة السوداء المليئة بالجرائم الانسانية، وليس ادل من جريمة فلسطين، والعراق، وسوريا، وليبيا وقبلهما الجزائر ليس سوى عناوين صارخة لماضيهم غير المشرف تجاه حقوق الانسان في العالم ٠
الجديد في محتوى حديث السير / جون كيري انه يسعى لحل القضية اليمنية من خلال شراكة وطنية في شكل حكومة وطنية من كل الأطراف المتصارعة، وبعيداً عن المرجعيات الكاذبه التي تشبثت بها النظام السعودي طيلة زمن عدوانها على اليمن، لكن ما غاب عن ذهن السير / جون كيري ان هناك سلطة شرعية قانونية قد تشكلت في الجمهورية اليمنية بفعل الإلتقاء السياسي بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، وانصار الله وحلفائهم وتمت المصادقة عيها قانونياً من قبل مجلس النواب اليمني، وخرج الشعب اليمني بقضه وقضيضه في ما عرف بالطوفان اليمني في يوم السبت 2016/8/20م في مبايعة يمانية غير مسبوقة للمجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية، وهناك عامل إضافي و هام هو ان جنود الجيش اليمني وابطال اللجان الشعبية أصبحوا مرابطين ومحيطين بمدينة نجران السعودية منذ أسبوع تقريباً بانتظار إقتحامها من الجهات الأربع، والله أعلم منا جميعاً ٠
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
بقلم : أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور... محافظ مدينة عدن
ارسال التعليق