خبير اقتصادي غربي :فلس الميزانية نتيجة السياسات المجنونة
يرى مراقبون أن التفسير الأرجح وراء موافقة السعودية على مقترح وزير النفط القطري أمس الثلاثاء، بالتوافق مع وزراء نفط روسيا وفنزويلا، على تجميد إنتاج بلادهم من النفط عند مستويات إنتاج شهر يناير/كانون الثاني، وتحديد كمية التصدير لتقليل العرض ورفع الأسعار المتهاوية، هو أنه مؤشر على فشل الاستراتيجية السعودية النفطية التي استمرت على مدار قرابة عامين.
الآثار السلبية للحرب النفطية التي أشعلت السعودية فتيلها بهدف القضاء على شركات النفط الصخري الأمريكية، بدأت تنعكس وتظهر على اقتصاد المملكة، ويبدو أن السعودية «غرقت في مستنقع صنعته بنفسها وعلى وشك خسارة الحرب لنفطية التي أشعلت فتيلها».
ما هي الاستراتيجية السعودية؟
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 بدأت استراتيجية سعودية تقوم على إغراق الأسواق بالنفط وعدم التحكم في أسعاره بغرض خفضه تحت مستوى 100 دولار حينئذ، وكان الهدف هو أولا: ضرب النفط الصخري الأمريكي والكندي مرتفع التكلفة، والذي سيجبر على تقليص أنشطته مع انخفاض الأسعار وفقا للتقديرات السعودية.
أما الهدف الثاني فكان يكمن في استغلال الأسعار المنحفضة من أجل الضغط على الاقتصاد الروسي والإيراني، والإضرار بخطط طهران وموسكو وتمدد نفوذهم المنافس للنفوذ السعودي بالمنطقة.
ولم يغير الملك الجديد «سلمان بن عبد العزيز» الخطة التي بدأت في عهد الراحل «عبد الله»، بل استمر في دعمها، وكان القرار السعودي يقوم على أن المملكة لديها فوائد واحتياطات مالية نفطية كبيرة تمكنها من الاستمرار في هذه المعركة للنفس الأخير مهما انخفض سعر النفط، بعكس المنافسين في الولايات المتحدة الذين سيضطرون لإيقاف استخراج النفط الصخري الزيتي مرتفع التكلفة، وفي روسيا وإيران الذين توقعت الرياض محاصرتهما اقتصاديا، ومن ثم توقف تدخلاتهم السياسية والعسكرية في المنطقة.
فالمملكة تمتلك احتياطي أجنبي يكفيها للاستمرار في لعبة الحرب النفطية، فاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي بلغ 737 مليار دولار في أغسطس/آب 2014، ولكنه انخفض إلي 672 مليار دولار عام 2015، ويتردد أنه انخفض مرة أخري بفعل استمرار انهيار أسعار النفط.
انهيار استراتيجية النفط
ويبدو أن معركة التحدي السعودية مع النفط الصخري من جهة، والنفط الروسي والإيراني من جهة ثانية، أرهقت المملكة وأغضبت حلفاءها في منظمة أوبك التي انهارت فعليا في ظل فوضي زيادة الإنتاج، وبالمقابل فإنها لم تنتج الآثار السياسية المرجوة على صعيد الجبهة الروسية الإيرانية.
وقد أشارت تقارير عديدة لمواقع اقتصادية إلى أن الآثار السلبية للحرب النفطية التي أشعلت السعودية فتيلها بهدف القضاء على شركات النفط الصخري الأمريكية، والمنافس الروسي والإيراني، قد بدأت تنعكس وتظهر على اقتصاد المملكة، منذ أغسطس/آب الماضي.
وعندما انخفض سعر مزيج خام برنت القياسي العالمي عند 48.52 دولارا للبرميل في أغسطس/آب 2015، مقارنة بـ 107 دولار في يونيو/حزيران 2014، بسبب استمرار ضخ الرياض نحو 10.6 مليون برميل نفط يوميا، بخلاف ما يضخه خصومها، قالت «إنترناشونال بزنس تايمز»، إن السعودية «غرقت في مستنقع صنعته بنفسها وعلى وشك خسارة الحرب النفطية التي أشعلتها فتيلها».
وقالت أيضا إن «محاولة المملكة العربية السعودية الرامية إلى تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية جاءت بنتائج عكسية على اقتصاد المملكة».
فقد اعتمدت الاستراتيجية السعودية في مواجهة صناعة النفط الصخري الأمريكية على أن تكاليفها العالية سوف تجعلها تنهار، ولكن هذه الصناعة استفادت عبر استغلال القدرات التقنية وخفض التكاليف، وباتت تضخ أيضا قرابة 9.6 ملايين برميل نفط يوميا، مسجلة أعلى مستوياتها في 43 عاما.
أما روسيا فقد نجحت في تحمل آثار الانخفاض مستفيدة من مواردها المالية الأخرى ومنها بيع السلاح باعتبارها ثاني أكبر مورد سلاح في العالم، وأما إيران، فلم يكن لهذه الاستراتيجية أضرار كبيرة عليها لأن العقوبات كانت لا تزال مفروضة ولم ترفع سوي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقد دفعت هذه التطورات الكاتب «جوناثان باور» كاتب عمود الشؤون الخارجية في صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» للتساؤل: «متي ينهار النظام في المملكة العربية السعودية؟»، على اعتبار أن «السعودية قد أصبحت بلد مريض اقتصاديا في ظل تورطها في حروب خارجية وفشلها في إدارة موسم الحج»، بحسب قوله.
جدير الذكر أن ميزانية السعودية لعام 2015 بنيت على افتراض أن النفط سيباع بحوالي 90 دولارا للبرميل، وهو ما لم يحدث، حيث وصل السعر إلي 40 دولارا مع نهاية العام، ما أدي لعجز في الميزانية بنسبة 20%، وفاق العجز 130 مليار دولار، ما أدي لاستنزاف احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي بنسبة قياسية بلغت 12 مليار دولار في الشهر.
وقد مثلت عودة إيران إلى أسواق النفط العالمية تهديدا أكبر للنفوذ السعودي، لأن طهران ستضخ مليون برميل إضافية يوميا إلى سوق النفط بحلول نهاية عام 2016، في وقت يواجه فيه العالم بالفعل تخمة في إمدادات النفط ما قد يخفض سعر النفط.
ومما لا شك فيه أن الحرب المكلفة التي قادتها السعودية على معاقل الحوثيين في اليمن قد أرهقت الموازنة الحكومية، فبحسب مجلة «فوربس» الأمريكية، بلغت فاتورة الحرب النفطية السعودية 50 مليار دولار، وقد عنونت المجلة أحد تقاريرها بالقول: «ما الذي جنته السعودية مقابل الـ 50 مليار دولار التي دفعتها في الحرب النفطية».
ورغم أن أصداء الاتفاق الأخير لم تكتمل بعد، إلا أن مراقبين يرجحون أنه ربما يكون مقدمة لاتفاق يشمل خفض الإنتاج من أجل استعادة انتعاش نسبي للأسعار ربما في أعقاب اجتماع «أوبك» المقرر في يونيو/حزيران المقبل.
ارسال التعليق