خط زمني: السعودية وإسرائيل والتحالف البغيض
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الـ15 من فبراير/شباط الجاري مقالًا تتحدث فيه عن سعي الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة تشكيل تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط، يريد الأمريكيون ضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة ولكن بأقل التكاليف الاقتصادية الممكنة، وفقًا لما تعهد به – سابقًا – دونالد ترامب، ومن هنا جاءت فكرة التحالف العربي المشترك.
تبدو الفكرة قديمة للغاية، فبالفعل ينضوي العرب تحت لواء الجامعة العربية وتجمعهم اتفاقية دفاع مشترك -صحيح أنه لم يتم تفعيلها بالشكل اللائق، لكنها موجودة- وإن كانت حبرًا على ورق؛ فما الجديد في هذا التحالف؟
الجديد هنا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تقترح مشروع تحالف مشترك يضم لا الدول العربية وحدها ولكن يضم الكيان الصهيوني، كركن أساسي في التحالف وفقًا لما قالته الصحيفة؛ أي وبمعنى آخر تريد أمريكا نقل العلاقات الإسرائيلية الخليجية من كونها علاقات غير موجودة رسميًا وفاعلة سريًا إلى علاقات علنية وصريحة تستهدف مواجهة الخطر الإيراني تحديدًا.
نحاول في هذه المقالة تأريخ العلاقات الإسرائيلية – السعودية بوصف السعودية الفاعل الخليجي الأثقل، في محاولة لاستقراء مستقبل هذه العلاقات في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
حين حمل آل سعود السلاح
مع انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين والاعتراف الأمريكي بالدولة الإسرائيلية اندلعت حرب فلسطين عام 1948م وشاركت فيها كلٌ من (المملكة المصرية، مملكة الأردن، مملكة العراق، سوريا، لبنان، والمملكة العربية السعودية) تحت لواء تحالف عربي ضد الميليشيات الصهيونية.
دخل الجيش السعودي الحرب، حيث أرسل الملك عبد العزيز آل سعود فرقة سعودية إلى فلسطين بالطائرات والسفن، وكانت المعركة الأولى للجيش السعودي في بيت حانون، وبلغ عدد الجنود السعوديين المشاركين في الحرب ثلاثة آلاف جندي، كما أرسل الملك عبد العزيز الإمدادات اللوجستية والمالية إلى المجاهدين في فلسطين.
استمر العداء بين المملكة والدولة الصهيونية قائمًا لما بعد حرب فلسطين ووصولًا إلى العدوان الثلاثي على مصر، إذ أعلنت السعودية حالة الاستنفار العام وشاركت في تقديم الدعم المالي لمصر لمواجهة آثار العدوان، كما عملت القواعد الجوية السعودية كمهابط في حالات الطوارئ للطيران المصري، وشارك الملك سلمان والملك فهد والأمير تركي والأمير محمد في صد العدوان الثلاثي عن مصر.
استمر إذن العداء السعودي – الإسرائيلي واضحًا، لم تعترف السعودية بإسرائيل ولم تقم معها أي علاقات دبلوماسية أو اقتصادية، كما شاركت عسكريًا إلى جانب الصف العربي، واستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن اضطربت العلاقات المصرية – السعودية بدخول جمال عبد الناصر في حرب اليمن، حيث ساند عبد الناصر الثوار الجمهوريين في وجه الملكيين المدعومين من السعودية، وتطور الصراع في اليمن إلى ما يشبه حربًا بالوكالة بين مصر والسعودية، حيث رأت السعودية في التدخل المصري في اليمن مقدمة للتدخل في المملكة السعودية وربما إنهاء حكم آل سعود.
حرب اليمن: حين تشابكت المصالح
وجّه عبد الناصر تهديدًا وجوديًا للمملكة السعودية بتدخله في اليمن تارةً وبتصريحاته العدائية تارةً أخرى، متوعدًا بإسقاط حكم الرجعية في بلاد الحجاز. رمت السعودية بثقلها في الحرب اليمنية كما سعت إلى التعاون مع إسرائيل، المستفيدة الأخرى من إنهاك القوات المصرية في اليمن، ولم يقف التعاون الإسرائيلي السعودي عند حدود المصالح الإستراتيجية المشتركة، بل تعداه إلى التعاون التكتيكي في إمداد القوات الملكية بالسلاح.
شارك الطيار الإسرائيلي «أرييه عوز» بقيادة مهمة النقل والإمداد، وحينئذ كان زعيم سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120، حيث تم استخدام طائرة بوينغ ستراتوكروز المعدلة لتنفيذ المهمات، التي شملت 14 طلعة جوية إلى المرتفعات الشمالية لليمن بين عامي 1964 و1966، وحملت هذه الرحلات أسلحة وإمدادات حيوية ساعدت -في كثير من الأحيان- على قلب معادلة المعارك لصالح القوات الملكية، وحينها كان الطيارون الإسرائيليون يستخدمون الأراضي السعودية للعبور بشكل مباشر نحو اليمن، متجنبين بذلك استخدام مسار البحر الأحمر، الذي تحرسه الطائرات المقاتلة المصرية بشكل دوري.
وفي السياق نفسه، يذكر الكاتب المصري، محمد حسنين هيكل، في كتابه «سنوات الغليان» أن إسرائيل تولت الشق العملي من تسليح ونقل للمعدات إلى كل من المرتزقة الأجانب الممولين سعوديًا وقوات الملكيين في جبال شمال اليمن.
إذن ظل هذا التعاون سريًا ومحصورًا في نطاق ضيق من الأسرة المالكة وقادة إسرائيليين وبريطانيين، ولكنه شكّل في حد ذاته حجر أساس، لإمكانية التعاون بين آل سعود وإسرائيل لمواجهة التهديدات المشتركة، واليوم تدرك السعودية ودول الخليج حاجتها مرةً أخرى لشريك إستراتيجي في صراعها الدائر في المنطقة مع إيران؛ فإلى أي مدي يمكن أن يصل التعاون بين الخصمين المفترضين؟.
إيران والحلف البغيض
طرحت المملكة السعودية بقيادة الملك عبد العزيز عام 2002 مبادرةً عربية للسلام مع إسرائيل، تضمنت المبادرة إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لم يدم عمر المبادرة طويلًا، ورغم إصرار السعوديين على أن تنفيذ بنود هذه المبادرة هو المدخل الوحيد لتطبيع العلاقات بين البلدين، فقد استدعت التطورات الإستراتيجية في المنطقة تراجع السعوديين عن هذا الإصرار لصالح تعاون أكبر مع إسرائيل فيما يخص الخطر الإيراني.
رافق خروج إيران إلى محيطها العربي وتزايد الدور الإيراني في المنطقة اقتصاديًا وعسكريًا، تجدُّد المخاوف السعودية من تمدد إيران على حساب المملكة، ولكن ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ضامنًا لأمن الخليج إلى أن تغيرت هذه المعادلة بتوقيع الاتفاقية النووية مع إيران، وخروج إيران جزئيًا من حيز الدول المغضوب عليها، لتلعب دورًا أكبر في تشكيل المحيط الإستراتيجي للسعودية في العراق واليمن.
ومع قدوم دونالد ترامب والمخاوف التي تثار بشأن سياسته الخارجية، كان متوقعًا أن تلجأ السعودية لتكوين تحالف سري مرة أخرى مع إسرئيل بوصفها شريكًا يمكن الاعتماد عليه في حال صراعها مع إيران، ليصبح شبح إيران هو دافع السعودية الأكبر للارتماء في أحضان إسرائيل.
تبنّت كل من السعودية وإسرائيل مواقف متقاربة للغاية فيما يخص الشأن الإيراني، بدءًا من استعداد السعودية لفتح مجالها الجوي في حال توجيه ضربة لإيران، وليس انتهاءً برفض كلا الدولتين الاتفاقية النووية بين إيران وأمريكا.
ظلت العلاقات الإسرائيلية السعودية حتى وقت قريب في نطاق ضيق من المسئولين الأمنيين والاستخباراتيين، وحتى وقت قريب لم يجتمع الطرفان في أي لقاءات علنية أو رسمية. ولكن مع بوادر توقيع الاتفاق النووي ضرب عدة مسئولين سعوديين بذلك التقليد عرض الحائط، حيث التقى أنور عشقي، وهو لواء سابق في المخابرات السعودية، بـ «دور غولد» وهو المدير العام لوزارة الشئون الخارجية الإسرائيلية، وتضمّن اللقاء أيضًا الحديث عن الخطر الإيراني، تلا ذلك زيارة بعثة سعودية لإسرائيل في سابقة غير معهودة ، شملت أنور عشقي وأكاديميين ورجال أعمال سعوديين التقوا خلالها أعضاءً في الكونجرس الإسرائيلي.
كما نشرت صحيفة الأمريكان هيرالد تريبوين مذكرة تفاهم بين الجانب السعودي والإسرائيلي، كشفت عن وجود تعاون عسكري بين البلدين، كما كشفت الوثائق عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع إسرائيل، لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر، والذي من المفترض أن يكون مقرها الإداري في جزيرة تيران.
يمكننا إذن قراءة العقل الإستراتيجي للسعودية، فهي خائفة من التخلي الأمريكي عنها وخائفة من تمدد نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة والتي تشكل بالفعل حصارًا من الشمال والجنوب للملكة، وفي سعيها للبحث عن حلفاء فقد استثمرت السعودية في إزاحة الإخوان المسلمين من السلطة في مصر بغرض تحقيق وجود مصري موالٍ لها، ولكن الحقيقة أن مصر رغم قوتها العسكرية الكبيرة إلا أنها تعاني تعثرًا كبيرًا في المجال الاقتصادي، ومؤخرًا يبدو أنها تحاول التحليق بعيدًا عن السرب السعودي بحثًا عن مصالحها الخاصة، والتي لا تتضمن بالضرورة الحرب مع إيران. إذن لم يبق للسعودية من حليف تجمعه مصالح مشتركة في سياق التخلص من الخطر الإيراني سوى إسرائيل.
الحلف المشترك: هل هو عربي حقًا؟
لم تكن فكرة القوة العربية المشتركة بالجديدة، ففي القمة العربية الـ26 أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي نية الدول الأعضاء تشكيل قوة عربية مشتركة تهدف إلى مجابهة التهديدات الإرهابية، وحفظ الاستقرار في المنطقة، وصدر بالفعل البروتوكول المقترح لتنظيم هذه القوة، ولكن في القمة الـ27 تقدمت المملكة السعودية بطلب لإرجاء إنشاء القوة، كما تقدمت بنفس الطلب معظم الدول الخليجية ولم يرد ذكره مرة أخرى.
تجدد الحديث عن القوة العربية المشتركة مرةً أخرى ولكن برعاية أمريكية هذه المرة؛ يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقليل الضغط الاقتصادي الناتج عن الانتشار الأمريكي العسكري حول العالم ويسعى إلى بناء تحالفات إقليمية تتولى حفظ أمن مناطقها ورعاية المصالح الإستراتيجية فيها، ومن المتوقع أن تصبح إسرائيل عضوًا سريًا فاعلًا إذا قُدر لهذا التحالف أن يتم.
نشرت وول ستريت جورنال هذا التقرير وتحدثت عن أن المزيد من النقاشات حوله سوف تتم خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتياس للشرق الأوسط، وأوضح مسئول ديبلوماسي عربي لـ «وول ستريت جورنال» أن «مسئولين من البلدين استطلعوا آراء البعثات الدبلوماسية في واشنطن، عن ما إذا كنا نرغب في الانضمام لتحالف تكون إسرائيل أحد أركانه». ولفت إلى أن الدور الإسرائيلي سيقتصر على تبادل المعلومات، وتحديد الأهداف، ولن تكون هناك أي مشاركة عسكرية إسرائيلية على الأرض. ولكن هل يمكن أن يثير استمرار مسلسل التطبيع السري سخطًا في الشارع العربي؟.
نشر مركز أبحاث ودراسات إسرائيلي استبيانًا شمل عينة من 506 سعوديين وشملت نتائج الاستفتاء الآتي: (85% من السعوديين يؤيدون مبادرة السلام السعودية، 53% رأوا أن إيران تشكل الخطر الأكبر على السعودية، وجاءت داعش في المركز الثاني بنسبة 22%، وجاءت إسرائيل في المركز الثالث بنسبة 18% فقط، 23% يعتقدون أن السعودية يجب أن تقف إلى جوار إسرائيل في الحرب ضد إيران).
وحتى فإن افترضنا أن هذه النتائج مشكوك في مصداقيتها فإنها ولا ريب تعكس مزاجًا عامًا في الشارع العربي، أصبح يُعظّم من خطر الإرهاب إذا ما قورن بالعدو الصهيوني، وأصبحت قضية التطبيع مع إسرائيل أمرًا مقبولًا يمكن النقاش فيها. فإلى أي مدى يمكن أن تذهب السعودية في علاقتها مع إسرائيل؟
ارسال التعليق