خطورة بقاء الاقتصاد اللبناني رهينة السعودية
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا تحليليا للكاتب هانز بومان، المحاضر في قسم السياسة الدولية بجامعة ليفربول ومؤلف كتاب “المواطن الحريري: إعادة الأعمار النيوليبرالية في لبنان”، يوضح فيه كيف يقع الاقتصاد اللبناني رهينة التدفقات الرأسمالية الخليجية، لاسيما السعودية.
وأوضح المقال أن اعتماد لبنان الاقتصادي على السعودية لطالما زاد من حالة عدم اليقين في البلاد على المستويين الاقتصادي والسياسي، قائلا إن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أعلن استقالته من منصبه الشهر الماضي من المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى بيروت في وقت لاحق وتراجع عن الاستقالة، ما أثار المخاوف من احتمالية حرب تدعمها السعودية ضد حزب الله، الحليف اللبناني لإيران.
الرياض ليس لديها أصول عسكرية محلية تستطيع بها مواجهة حزب الله، لكن يمكن أن تخنق الاقتصاد اللبناني الصغير المفتوح، حيث تعتمد لبنان بشدة على التدفقات الرأسمالية الداخلة من الخليج، صحيح أن الأزمة المباشرة لرئيس الوزراء سعد الحريري انتهت، لكن اعتمادية الاقتصاد اللبناني على السعودية مستمرة، ومن الخطورة أن تبقى البلاد في قبضة الرياض السياسية لتفادي الأزمة الاقتصادية.
شكلت ثلاث دول خليجية 76% من مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في لبنان خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2015، وبلغ متوسط التحويلات نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد سنويا على مدى العشر سنوات الماضية، مع حوالي 60% من هذه التحويلات قادمة من بلدان الخليج، ومدى اعتماد لبنان على التدفقات مفتاح فهم اعتماده على الخليج والسعودية على وجه الخصوص.
أقطاب الخليج وإعادة الإعمار
أدت الطفرة النفطية في السبعينيات إلى إثراء المقاولين في الخليج، من بينهم رفيق الحريري، والد رئيس الوزراء الحالي، ونجيب ميقاتي وعصام فارس، وعندما انتهت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990، عاد الثلاثة إلى الحياة السياسية، كان رفيق الحريري الأكثر نجاحا سياسيا، ليس لأنه الأغنى، بل لأنه كان حليفا محليا للسعودية، أولا في دبلوماسية الحرب الأهلية، ثم منذ عام 1992 كرئيس لوزراء لبنان.
لم تمل الرياض أوامرها على عملية إعادة الإعمار في لبنان بعد الحرب، لكنها مكنت الحريري من فتح الباب أمام المستثمرين الخليجيين الآخرين، قام المستثمرون الأثرياء ببناء وسط بيروت كمشروع عقاري ضخم من أموال صناديق الخليج، وربط الاقتصاديون المعينون من قبل رفيق الحريري في البنك المركزي ووزارة المالية العملة اللبنانية بالدولار الأمريكي في عام 1999.
الديون والمستثمرون
بحلول عام 2016، ارتفعت الديون الحكومية اللبنانية إلى 144% من إجمالي الناتج المحلي، ويعتمد لبنان على تدفقات رأس المال الخليجي لخدمة هذه الديون وللحفاظ على ربط العملة اللبنانية بالدولار.
النظام المالي في لبنان يترنح لأن الدين الحكومي ليس في قبضة مستثمرين عالميين متغيرين، بل البنوك التجارية في لبنان، وسوف تنهار البنوك إذا ما تعثرت الحكومة، لذلك البنوك والسيادة في وضع رهائن متبادلة.
وتقوم البنوك بإعادة تمويل الإقراض الحكومي عن طريق سحب الودائع، لاسيما من المودعين المقيمين في الخليج، وأي انقطاع لهذه التدفقات من شأنه أن يدفع النظام المالي اللبناني إلى حافة الهاوية.
السعودية وعرقلة الانهيار المالي
كما أن المستثمر الأكثر ولاء، سوف يتخلى عن لبنان إذا أصبح النظام غير مستدام، والسعودية هي التي تحافظ على استمرار لعبة الثقة، ووجدت ورقة عمل أعدها صندوق النقد الدولي في عام 2008 أن المستثمرين يتصورون “ضمانة ضمنية” لأموالهم من المانحين الدوليين، بدأ هذا التصور حوالي عام 2002 عندما تعرض الاقتصاد اللبناني لسلسلة من التوترات واسعة النطاق.
في نوفمبر 2002، عقد رفيق الحريري مؤتمرا للمانحين في باريس، حيث قادت السعودية دول الخليج العربية الأخرى لتقديم الجزء الأكبر من تعهدات المساعدات، وأنقذت السعودية النظام المالي اللبناني، وأصبح المستثمرون يتطلعون منذ ذلك الحين إلى الرياض لإعادة طمأنتهم.
وكان اغتيال رفيق الحريري في عام 2005 أول حلقة في سلسلة من الأزمات السياسية التي هددت بحدوث اضطرابات مالية، وقامت السعودية بإعادة طمأنة المستثمرين المتضررين، وخلال حرب عام 2006 بين إسرائيل ولبنان، أودعت السعودية والكويت 1.5 مليار دولار في بنك بيروت المركزي لدعم العملة اللبنانية، وفي عام 2008، أعلنت السعودية أنها ستودع مبلغا إضافيا قدره مليار دولار.
وتأتي المساعدات السعودية دائما بدوافع سياسية، حيث أيدت المملكة تحالفا من القوات اللبنانية التي عارضت النفوذ السوري والإيراني يطلق عليه “تحالف 14 آذار” بقيادة سعد الحريري، وكانت أعلى نقطة للدعم السياسي السعودي هي الانتخابات البرلمانية عام 2009، التي فيها أفادت التقارير بأن المملكة مولت المرشحين المناهضين لحزب الله بمبالغ وصلت قيمتها إلى مئات الآلاف من الدولارات.
السعودية تزيد عدم اليقين
في عام 2011، سحب حزب الله دعمه لحكومة موحدة برئاسة سعد الحريري، ما أجبره على الاستقالة والمغادرة إلى الرياض خوفا من الاغتيال، ومع تراجع نجم الحريري، زاد الدعم المالي السعودي حالة عدم اليقين.
وفي عام 2013، ناقشت دول الخليج القيود المفروضة على تأشيرات دخول العمال اللبنانيين بهدف منع تسلل أشخاص ينتمون لحزب الله إلى الخليج، لكنهم هددوا أيضا بتقييد تحويلات الخليج، شريان الحياة الاقتصادي في لبنان.
وفي الوقت نفسه، أدى انخفاض أسعار النفط إلى تقليص عقود الحكومة السعودية، وكان من بين الضحايا شركة الإنشاءات العملاقة “سعودي أوجيه” المملوكة لعائلة الحريري والتي توقفت عن دفع أجور العمال في عام 2015.
نهاية العلاقة التجارية السعودية مع آل الحريري لا تبشر بالخير بالنسبة لعلاقاتهم السياسية، في فبراير 2016، سحبت الحكومة السعودية حزمة المساعدات التي وعدت بها إلى الجيش اللبناني والتي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار بسبب فشل الحكومة اللبنانية في إبعاد نفسها والبلاد عن إيران.
في أكتوبر 2016، أيد سعد الحريري محاولة مرشح حزب الله المفضل للرئاسة، وكان نظام تقاسم السلطة في لبنان يعني أنه على الحريري أن يتوصل إلى حل وسط مع حزب الله ليصبح رئيسا للوزراء، لكن هذا الحل اشتبك مع الإصرار السعودي على مواجهة النفوذ الإيراني.
وأفادت التقارير أن الحريري اعتقد أن لديه دعما سعوديا لمؤتمر دولي آخر للمانحين في باريس، معربا عن أمله في أن عودته إلى الحكومة ستمكنه من استعادة الدعم الاقتصادي السعودي إلي لبنان.
استقالة الحريري المهينة في نوفمبر وما تلاها ذهابا وإيابا، أثارت شبح هجوم اقتصادي سعودي على لبنان أقرب إلى الحصار المفروض على قطر، وأدت القيود المفروضة على العمال اللبنانيين في الخليج إلى خفض التحويلات وتدهور العملة.
ورغم أن سلاح الاقتصاد سيظل أقوى سلاح لدى الرياض في مواجهاتها المستقبلية، إلا أن الهجوم على البنوك والمودعين لن يكون له أي ضرر يذكر على حزب الله، ويعود الحريري إلى منصبه كرئيس للوزراء، إلا أن التوتر بين السعودية وحزب الله وإيران حول لبنان، مستمر.
بقلم : شيماء محمد
ارسال التعليق