خيبة أمل من قمم السعودية بالشارع العربي والإسلامي
بقلم: ممدوح الولي...
كالعادة، جاءت قرارات القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض كعبارات رنانة تفتقد إلى آليات تنفيذها، حيث تضمنت القرارات الإحدى والثلاثين: سبعة قرارات إدانة، وثلاثة قرارات رفض، وقرار استنكار، وأربعة قرارات مطالبة، وخمسة قرارات تأكيد، إلى جانب عدد من التكليفات لأمانتي الجامعة العربية ومنظمة التضامن بالقيام ببعض الإجراءات الثانوية.
فحتى القرار الأهم الخاص بوقف إطلاق النار في غزة الذي ينتظره الجميع، فقد تمت مطالبة مجلس الأمن باتخاذه، مع تكليف وزراء خارجية ثماني دول، بالإضافة إلى أميني الجامعة والمنظمة، ببدء تحرك دولي باسم جميع الأعضاء، لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب في غزة، الأمر الذي زاد من شكوك الكثير الذين عللوا تأخير موعد القمة لما بعد 35 يوما من نشوب الحرب، بإتاحة المجال للقوات الإسرائيلية للقضاء على حماس خلال تلك الفترة، ولما جاء موعد القمة وما زالت حماس صامدة، كان لا بد من إتاحة فترة إضافية للقوات الإسرائيلية كي تنهى هدفها المشترك، فيما بينها وبين العديد من قيادات الدول العربية والإسلامية.
أما من كانوا يحلمون بإجراءات عملية من القمة توازي، ولو بشكل محدود، ما قامت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، فقد صدمتهم قرارات القمة التي تؤكد أن دورها أن تدين وتشجب، تاركة الإجراءات العملية للدول الكبرى، وحتى لحماية الفلسطينيين فقد طالبت بآلية لحماية دولية لتحقيق ذلك.
أما من كانوا يحلمون بإجراءات عملية من القمة توازي، ولو بشكل محدود، ما قامت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، فقد صدمتهم قرارات القمة التي تؤكد أن دورها أن تدين وتشجب، تاركة الإجراءات العملية للدول الكبرى، وحتى لحماية الفلسطينيين فقد طالبت بآلية لحماية دولية لتحقيق ذلك.
والنتيجة، أن صدرت قرارات القمة واستمر القصف الضاري للمدنيين وللمستشفيات، مما يشير إلى أنها كانت قمة لغسيل السمعة السيئة للموقف المتخاذل لقيادات الدول العربية والإسلامية، وخداع الشعوب الغاضبة ببعض العبارات مثل الهمجية والوحشية.
وهذا مما أكد صحة ما قامت به بعض الفضائيات من الانتقال من متابعة وقائع القمة، التي دار حديث قياداتها حول الإدانة والمطالبة بحل الدولتين؛ إلى بث خطاب الأمين العام لحزب الله، أملا في أن يحتوي على شيء يهدئ مشاعر الجمهور الغاضب من استمرار القصف الوحشي، ولما لم تجد الفضائيات مبتغاها لدى حسن نصر الله، عادت إلى بث مشاهد القصف والعجز الطبي عن علاج المصابين، بعد تعطل غالبية المستشفيات وحصار الدبابات الإسرائيلية لبعضها.
تظاهرات العواصم الغربية أهم من القمة:
وحتى في النشرات الإخبارية لتلك الفضائيات، لم تكن قرارات القمة تمثل الخبر الأول لديها، الذي تمثل في استمرار المجازر تجاه المدنيين وفي غزة، تليه المظاهرة الحاشدة في لندن، إلى جانب مظاهرات أخرى أقل حجما في باريس وبروكسل وأوسلو وميلانو وجنيف وميونخ، مع خلو غالبية العواصم العربية من مثل تلك التظاهرات الممنوعة.
ولم تكن قرارات القمة الخالية من آليات تحقيق قراراتها مفاجأة للكثيرين، حيث يرى البعض أنها كانت مظاهرة كلامية مقصودة من الجانب السعودي للفت الأنظار إليه، باعتباره بلد الحرمين الشريفين، بعد أن حازت إيران على النصيب الأكبر من اهتمام الشارع العربي والإسلامي لدعمها العسكري للمقاومة في غزة ولبنان وغيرها، وكذلك تركيز الدول الغربية على مسألة إمكانية مشاركة إيران في الحرب، بينما لا يذكر أحد شيئا عن السعودية المشغولة بالمهرجانات الفنية والرياضية.
تأخر المساعدات السعودية لأسابيع:
لم تكن قرارات القمة الخالية من آليات تحقيق قراراتها مفاجأة للكثيرين، حيث يرى البعض أنها كانت مظاهرة كلامية مقصودة من الجانب السعودي للفت الأنظار إليه، باعتباره بلد الحرمين الشريفين، بعد أن حازت إيران على النصيب الأكبر من اهتمام الشارع العربي والإسلامي لدعمها العسكري للمقاومة في غزة ولبنان وغيرها، وكذلك تركيز الدول الغربية على مسألة إمكانية مشاركة إيران في الحرب، بينما لا يذكر أحد شيئا عن السعودية المشغولة بالمهرجانات الفنية والرياضية.
وعندما نسمع أن السعودية قد أرسلت أول طائرة تحمل مساعدات لأهل غزة إلى مطار العريش المصري بعد مرور 35 يوما من بدء الحرب، ندرك أن هذا الإرسال مرتبط بعقد القمة فيها، وحتى لا يكون موقفها حرجا عندما يتم الحديث بالقمة عن إرسال مساعدات لغزة.
ومن هنا، نعتبر أن موقف المالديف، تلك الجزيرة الصغيرة التي يصل عدد سكانها إلى 375 ألف نسمة، والتي تحتل المركز 159 بين اقتصادات العالم، كان أفضل من الموقف السعودي، حينما أعلن وزير خارجيتها عن تبرع بلاده بنحو مليوني علبة تونة لأهالي غزة، بينما لم تقدم السعودية صاحبة المركز السابع عشر في الاقتصاد العالمي شيئا لغزة طوال 35 يوما.
وهنا يجب أن نكون صرحاء، بأن تلك المكانة الاقتصادية للسعودية، كانت سببا رئيسا في حضور غالبية الوفود للقمة العربية الإسلامية من أجل فلسطين، فكثير من الدول الفقيرة من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، تأمل في الحصول على مساعدات أو استثمارات أو نفط مخفض الثمن من السعودية، ونفس الأمر للدول الإسلامية الكبرى، التي تسعى للمزيد من التجارة مع السعودية، في حين أوفدت بلدان مصدرة للنفط مثل كازاخستان وأذربيجان وزيري الخارجية؛ لحضور القمة لعدم حاجتها للنفط السعودي.
ولهذا، فإن الدول الإسلامية الكبرى لم ترغب في إغضاب النظام السعودي بالإصرار على اتخاذ قرارات عملية مثل التهديد باستخدام النفط، ومثل ذلك فعلت 11 دولة عربية في المشاورات التي سبقت عقد القمة وهي: سوريا والجزائر وتونس والعراق ولبنان والكويت وقطر وسلطنة عمان وفلسطين، التي كانت تطالب بتجميد العلاقات مع إسرائيل، والتهديد بخفض إنتاج النفط؛ استجابة لمعارضة السعودية لتلك الإجراءات، ومعها الإمارات ومصر والأردن.
ومن الغريب أن يأمل البعض في اتخاذ مصر إجراءات عملية تجاه إسرائيل، وهي التي تمنع أي فعاليات جماهيرية ضد إسرائيل، فيما عدا اليوم اليتيم الذي نُظمت فيه تظاهرات لتفويض الجنرال باتخاذ ما يراه من إجراءات، التي استمر بعدها في الإدخال المحدود لشاحنات المساعدات الإنسانية، التي كان متوسطها اليومي قبل الحرب 500 شاحنة، بينما لم يصل عددها منذ بدء إدخال المساعدات وحتى الآن إلى ضعف هذا الرقم.
وهذه الشاحنات تمر أولا على الجانب الإسرائيلى ليستبعد منها ما يشاء، والتي تخلو من الوقود حسب الرغبة الإسرائيلية رغم شدة الحاجة له، كما تدور الأقاويل حول مصر عند الحديث عن اعتراض صواريخ الحوثيين المتجهة إلى إيلات من قبل سفن حربية أمريكية وإسرائيل ودولة عربية.
من الغريب أن يأمل البعض في اتخاذ مصر إجراءات عملية تجاه إسرائيل، وهي التي تمنع أي فعاليات جماهيرية ضد إسرائيل، فيما عدا اليوم اليتيم الذي نُظمت فيه تظاهرات لتفويض الجنرال باتخاذ ما يراه من إجراءات، التي استمر بعدها في الإدخال المحدود لشاحنات المساعدات الإنسانية، التي كان متوسطها اليومي قبل الحرب 500 شاحنة، بينما لم يصل عددها منذ بدء إدخال المساعدات وحتى الآن إلى ضعف هذا الرقم.
القمة تستبعد مسار المقاومة:
والغريب؛ أن كلمات قادة الدول وقرارات القمة تشير إلى أهمية حل الدولتين، وهو المسار الذي ثبت عمليا فشله منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى الآن، أي خلال ثلاثين عاما لم تقم خلالها تلك الدولة، مع الاكتفاء بسلطة منزوعة الصلاحيات تشبه المجلس البلدي. وينسى هؤلاء أنه لولا انتفاضة عام 1987 التي استمرت لسنوات، ما كان مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993، وأن الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل عام 2020 لم تلتزم بالمبادرة العربية بقمة بيروت 2002، التي ربطت بين العلاقات مع إسرائيل، وإتمام الحل الشامل للقضية الفلسطينية. وكأن تلك القمة تكافئ رئيس السلطة الفلسطينية على تخاذله، وتوظيفه للقوات الأمنية التابعة له لحماية أمن إسرائيل واحتجاز المقاومين بالضفة الغربية بالسجون الفلسطينية، ويعتبر المسار الذي يتبعه هو الأفضل على حساب خيار المقاومة المسلحة، الذي اتخذته حماس والجهاد وغيرهما في غزة.
وحتى لا يُصاب البعض بالإحباط بسبب ضعف موقف قيادات الدول العربية والإسلامية، فإن صمود المقاومة في غزة طوال تلك الفترة واستمرار إلحاقها الضرر بقوات الاحتلال الإسرائيلي، رغم التفاوت الكبير في القوة العسكرية، وعدم امتلاكها لطائرات أو دبابات أو مصفحات أو وسائل دفاع جوي، هو الذي سيجبر إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار بعد ثبوت صعوبة القضاء على حماس، وكثرة خسائرها (إسرائيل) وتراجع مستهدفاتها من الحرب التي لا تستطيع تحمل طول أمدها لشهور كما تزعم.
ومع التذكير بأن جامعة الدول العربية جاء تأسيسها في الأربعينيات من القرن الماضي باقتراح من بريطانيا، لإبعاد تدخل الدول الإسلامية في حرب فلسطين حينما زادت هجمات اليهود على الفلسطينيين، والزعم بأن قضية فلسطين عربية، فإن منظمة التضامن الإسلامية تعتبر عمليا بمنزلة إحدى الإدارات التابعة لوزارة الخارجية السعودية، تستخدمها لمصالحها حين تريد وتفرض عليها الصمت حين ترغب في ذلك.
ارسال التعليق