رابطة العالم الإسلامي.. تقرب لـ"إسرائيل" ودفاع عن حقوق اليهود
التغيير
انخرطت المنظمات الإسلامية، التي تعنى بقضايا العالم الإسلامي، وتتخذ في السعودية مقارَّ لها، في سياسة المملكة "المثيرة" خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت تمثل الواجهة الدينية والمُنَظِّر لسياسة "الانفتاح" التي ينادي بها ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان.
ففي الوقت الذي تدعو فيه شخصيات محسوبة على حكومة آل سعود إلى العيش بسلام مع "إسرائيل" وحكومات ناصبت المسلمين العداء لعقود؛ تتواصل النشاطات والدعوات إلى التطبيع بين دول عربية والاحتلال الإسرائيلي.
آخر الفصول كانت زيارة غير مسبوقة إلى معسكر الإبادة النازي السابق "أوشفيتز بيركينو" في بولندا، قام بها وفد يضم عدداً من مشايخ مسلمين، يترأسه وزير العدل السعودي السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الجديد محمد بن عبد الكريم العيسى، وذلك يوم الخميس (23 يناير 2020).
وأشادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمشاركة مشايخ دين مسلمين والوفد السعودي في إحياء ذكرى المحرقة في أوشفيتز، ووصفت المشاركة بـ"المهمة" و"التاريخية".
وسبق هذه الخطوة إعلان مصادر عبرية، يوم (3 مايو 2019)، اعتزام وفد يهودي إسرائيلي زيارة السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي، إذ قال حساب "إسرائيل بالعربية" (رسمي تابع لدولة الاحتلال): إن "الزيارة ستتم في يناير 2020، حسبما أعلن أمين عام الرابطة الشيخ السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى".
ويغيب صوت الرابطة عن قضايا العالم الإسلامي منذ سنوات، ولم تسجل موقفاً صريحاً يجسد أهداف الدول التي اتفقت على تأسسيها؛ وأهمها الوقوف إلى جانب المظلومين في العالم الإسلامي، لا سيما في فلسطين، وخصوصاً حصار غزة، والانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين، وقتل المدنيين في اليمن والعراق، لتنادي بحقوق اليهود وتندد بـ "الهولوكوست".
واعتبر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى، أن الحديث حول المحرقة (الهولوكوست) حديث في الحقائق التاريخية الموثقة التي تعلو فوق الاعتبارات السياسية، مطالباً بـ"منطق الحق والعدالة" في النظر إلى الجريمة النازية، التي وقع ضحيتها 6 ملايين يهودي، رافضاً إنكار هذه المحرقة، بينما غابت مجازر دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين منذ أكثر من 6 عقود، عن المسؤول السعودي.
وفي مؤتمر بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عُقد العام 2018، قال العيسى، المستشار في الديوان الملكي لآل سعود، إن "الإسلام المعتدل" يدعو الجميع للتعاون حول "المشتركات الإنسانية" الكفيلة بتحقيق السلام في العالم.
تأسيس قبل التسييس
حين أصدر المؤتمر الإسلامي العالمي قراراً عام 1962، أسس بموجبه رابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من مكة المكرمة مقراً لها، كانت دواعي التأسيس- حسبما أُعلن في حينه- أن تكون منظمة شعبية تُعنى بالدعوة الإسلامية، ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني في أرجاء العالم الإسلامي، وتُنسق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
إلا أن الرابطة تحولت بمرور الزمن إلى منظمة تعمل في إطار سياسة آل سعود، وتعكس وجهات نظرها في العديد من القضايا، خصوصاً المسائل السياسية التي هي خارج اختصاصاتها بحسب دواعي التأسيس.
انعكس ذلك جلياً في عهد سلمان بن عبد العزيز، ونجله محمد الذي نجح في الوصول إلى ولاية العهد، مُزيحاً كل معارضيه، ليتجه بحامية الحرمين الشريفين نحو التطبيع الديني؛ فقد أكدت العديد من التقارير المحلية والدولية أنه يأخذها نحو علاقات تطبيعية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تجريم "الهولوكوست"
الرابطة دارت في فلك سياسة بن سلمان، بعد تغيير قيادتها ورؤيتها وأولوياتها، حيث أصبحت قبل أكثر من عامين تحت إدارة محمد بن عبد الكريم العيسى، وهو وزير عدل سعودي سابق. وفي عهده القصير، جرت جملة خطوات تطبيعية مع اللوبي الصهيوني العالمي، في إطار حرف اتجاه البوصلة نحو دولة الاحتلال بفلسطين.
ومن آخر فصول التطبيع، كشف "معهد واشنطن" العام الماضي، عن رسالة وجهها الأمين العام للرابطة، إلى مديرة المتحف التذكاري للهولوكوست في الولايات المتحدة الأمريكية، سارا بلومفيلد، بمناسبة مشاركة الرابطة في مؤتمر "التصدي للعنف المرتكَب باسم الدين"، والذي تنظمه الخارجية البريطانية في العاصمة الإيطالية روما.
وعن مناسبة الذكرى السنوية لـ"الهولوكوست" أدان في رسالته ما يُعرف بالمحرقة، معتبراً أنها "جريمة نازية هزت البشرية في العمق، وأسفرت عن فظائع يعجز أي إنسان مُنصف ومحبٍّ للعدل والسلام أن يتجاهلها أو يستهين بها".
واعتبر العيسى في رسالته، أن هذا الموقف لا يمثل الرابطة فقط؛ بل يمثل الموقف الشرعي للإسلام، وقال في هذا السياق: "الرابطة لا تُعرِب عن وجهات نظرها استناداً إلى أية أبعادٍ، سوى البعد الإنساني البحت المتعلق بالأرواح البريئة؛ فالإسلام يحمي الأبرياء ويحاسب كل مَن يعتدي أو يقتل نفساً بريئة، ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً".
هذا الموقف أثار غضباً شعبياً آنذاك، عبَّر عنه نشطاء التواصل الاجتماعي، وخصوصاً على موقع "تويتر"، حيث استهجن المغردون هذا الموقف، وتساءلوا عن موقف الرابطة من إدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي في ربوع فلسطين المحتلة.
واستذكر بعضهم جرائم "صبرا وشاتيلا" التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين في لبنان، وببشاعةٍ تجاوزت "الهولوكوست" المزعوم، داعين الرابطة إلى توظيف المناسبة للحديث عن هذه الجرائم.
تطبيع مُعلن
المثير في الأمر أن الرابطة تعلن على منصاتها الرسمية خطواتِ التطبيع التي تتخذها تجاه اللوبي الصهيوني في العالم، حيث نشرت على حسابها بـ"تويتر"، في 17 نوفمبر 2017، صورة لأمينها العام وهو يرعى ندوة بعنوان "حسن الجوار والعيش المشترك" في مدينة ميلوز الفرنسية، بمشاركة الحاخام الصهيوني إلي حيون.
وعند التدقيق في هوية إلي حيون، يتبيّن أنه حاخام مدينة ميلوز الفرنسية، وعضو في جمعية "الحوار اليهودي-الإسلامي"، وهي مؤسسة لتكريس التطبيع مع "إسرائيل"، تختار الشخصيات بعناية، في أنشطتها، لتحقيق هدفها الأكبر المتمثل في "السلام مع إسرائيل".
وخلال زيارته لباريس، أجرى العيسى زيارة لأكبر كنيس يهودي في العاصمة الفرنسية، بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسي، وحاخام كنيس باريس موشي صباغ.
وأكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن زيارة المسؤول السعودي "تعتبر تاريخية ومؤشراً جديداً على دفء العلاقات بين إسرائيل وآل سعود"، مشيرة إلى أن السفير السعودي في باريس "رافق وزير العدل السابق خلال زيارته للكنيس".
ولا بد من الإشارة إلى أن مواقف الرابطة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني تكاد تكون معدومة في عهد أمينها العام، محمد بن عبد الكريم العيسى.
ورغم إجماع علماء الإسلام منذ احتلال فلسطين عام 1948، على أن مواجهة المحتل جهاد لا بد للأمة من مباركته ودعمه، فإن العيسى خرج عن هذا الإجماع حين وصف أعمال المقاومة بأنها "عنف"، في 21 نوفمبر 2017، حيث قال إن أعمال العنف غير مشروعة بأي مكان، حتى في "إسرائيل".
واعتبرت صحيفة "معاريف" العبرية أن تصريحات رئيس رابطة العالم الإسلامي تنطوي على محاولة منه لأن "يزيل عن آل سعود صورة السلطة الداعمة للإرهاب والمنظمات الإسلامية المتطرفة، مثل داعش".
ارسال التعليق