سباق بين السعودية والإمارات على اللوجستيات... والبحر الأحمر يربك حساباتهم
بقلم: كريم رمضان...
تختبر اضطرابات البحر الأحمر خطط السعودية لتوسيع أنشطتها اللوجستية، الرامية لإنشاء مراكز ضخمة لتطوير آليات الربط بين شبكات التجارة محلياً وإقليمياً ودولياً، ودعم سلاسل الإمداد العالمية، ما يزيد من التحديات أمامها لا سيما في ظل المنافسة الكبيرة مع الإمارات في هذا المجال.
ويكتسب المخطط، الذي أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في أغسطس/آب الماضي، زخماً كبيراً هذه الأيام، خاصة أن القطاع اللوجستي من أهم القطاعات الحديثة في منظومة النقل السعودية، في ظل امتلاك المملكة لموقع جغرافي استراتيجي يربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وإطلالها على ممرين ملاحيين هما الخليج العربي والبحر الأحمر، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي تتمتع بهذه الميزة، وفقا لما نصت عليه رؤية المملكة التنموية 2030، التي أطلقها ولي العهد عام 2016.
وبحسب مستهدفات الرؤية الاستراتيجية السعودية، فإن تطوير القطاع اللوجستي يمثل أولوية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص لاستكمال البنى التحتية للقطاع وزيادتها وتحسينها وربطها بمحيط المملكة الإقليمي، بهدف تعزيز مكانة المملكة كمنصة لوجستية مميزة بين القارات الثلاث، حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أخيراً عن وزير النقل والخدمات اللوجستية، صالح الجاسر.
غير أن مستجدات المنافسة الاقتصادية المحتدمة مع الإمارات وتصاعد أهمية المراكز اللوجستية بعد العدوان الإسرائيلي على غزة أعطت أهمية خاصة لتسريع المخطط السعودي للمراكز اللوجستية، سواء من زاوية كونها رافداً من أهم روافد التنويع الاقتصادي أو إمكانية توفيرها لبدائل اقتصادية لطرق الملاحة البحرية التقليدية.
ويضم المخطط السعودي اللوجستي 59 مركزاً بإجمالي مساحة تتجاوز 100 مليون متر مربع، تتضمن 12 مركزاً لوجستيا لمنطقة الرياض، و12 مركزاً لمنطقة مكة المكرمة، و17 مركزاً للمنطقة الشرقية، و18 مركزاً في بقية مناطق المملكة، حيث يجري العمل حالياً في 21 مركزاً على أن تكتمل جميع المراكز بحلول عام 2030.
يشير الخبير في الاقتصاد الدولي، آلان صفا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المخطط السعودي للمراكز اللوجستية جزء من التغيرات الاقتصادية التي اعتمدتها حكومة المملكة، والتي تستهدف التنوع الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد الأحادي على عائدات النفط، عبر تنشيط قطاعات منها السياحة والتكنولوجيا، إضافة إلى المراكز اللوجستية.
ويضيف صفا أن السعودية تحاول جذب العديد من الشركات لتسريع مخططها لإنشاء عشرات المراكز اللوجستية في المملكة، بما يدفع عجلة الاقتصاد في إطار رؤية 2030، لكن هذه المراكز تحتاج إلى استثمارات ضخمة إذا قررت الحكومة السعودية والشركات الدولية أن تجعل من المملكة "مركزا لوجستيا إقليميا" في المنطقة العربية.
ويلفت الخبير في الاقتصاد الدولي، إلى مزايا تنافسية للمخطط السعودي، على رأسها الموقع الجغرافي للمملكة، الذي يكفل الربط من البحر الأحمر إلى الخليج وبين مصر وبلدان أفريقيا أيضا، فضلا عن وجود حدود مشتركة لها مع العراق والأردن، وهو موقع جغرافي يؤهل السعودية لتكون المركز الأساسي لاستثمارات الشركات العالمية من أجل توزيع بضائعها في مختلف السوق العربية.
ويدعم من مزايا المخطط السعودي التنافسية، بحسب صفا، اتجاه المملكة السياسي الأخير نحو تحسين العلاقات مع مختلف دول المنطقة، ما يمهد الطريق لتعزيز التعاون الاقتصادي مع هذه البلدان، الأمر الذي يعزز من فرص اختيار الشركات الدولية للسعودية كمركز لوجستي إقليمي.
أما التحدي الأبرز أمام المخطط السعودي فيتمثل في المنافسة القوية من جانب دولة الإمارات، التي تتمتع بسمعة لوجستية قوية جذبت إلى اقتصادها مختلف الشركات العالمية التي اختارتها كمركز لوجستي للمنطقة على مدى السنوات الماضية، بحسب صفا، الذي عزا ذلك إلى انفتاح الإمارات العالمي أكثر من باقي دول المنطقة، وتطويرها لبنية وخدمات المرافئ لديها.
وإزاء ذلك، فإن السعودية بحاجة ماسة إلى استثمارات "الدولة" إلى جانب استثمارات الشركات العالمية إذا ما أرادت منافسة ناجحة مع الإمارات في قطاع الخدمات اللوجستية، حسبما يرى صفا، مؤكداً أن ذلك سيكون بمثابة "مشروع قومي" ذي أهمية اقتصادية استثنائية للمملكة.
ولا يعني ذلك أن المنافسة ستسفر عن خاسر ورابح بالضرورة، بحسب صفا، بل ربما تفضي إلى منافسة قوية قد تعود بالنفع لمختلف الشركاء الاقتصاديين في هذه المنطقة، عبر انخفاض في أسعار الخدمات اللوجستية خلال السنوات القادمة، ما يمثل إفادة نوعية للاقتصاد العالمي ككل.
وفي السياق، يشير الخبير في الاقتصاد الدولي، حسين إسماعيل نابري، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن السعودية باتت تنظر إلى النفط، وهو موردها المالي الرئيسي، باعتباره ثروة ناضبة بما يقتضي إعداد الخطط والمشاريع لمستقبل قائم على تنويع موارد مالية تكتسب صفة التجدد والاستمرارية، مؤكدا أن تطوير مراكز لوجستية ضخمة يؤدي إلى ترشيد وتحسين الإنتاجية عن طريق تقليل ملحوظ للتكاليف بكافة أنواعها، ما يسهم في رفع درجات القدرات التنافسية.
ومن شأن ذلك أن يسهم في تطوير الاقتصاد ودفع الإسهام في نهاية المطاف بصورة ملحوظة في الاقتصاد العالمي، بحسب نابري، الذي لفت إلى أن المخطط الضخم للمراكز للوجستية في السعودية تتجاوز مساحته 100 مليون متر مربع، تكتمل في العام 2030، "ما سيؤدي إلى تغيير نوعي في قدرة وكفاءة الاقتصاد السعودي" حسب تقديره.
ارسال التعليق