سجل تسامح مركز “اعتدال”.. اغتيالات وديكتاتورية وقمع
“Merry Christmas”.. عبارة أرفقها المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف “اعتدال”، مع صورة تعبيرية للشجرة الصنوبرية المخروطية الخضراء المزينة بالأضواء التي تستخدم كتقليد مسيحي للاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، في استمرار لنهج التضليل والإيحاء بالتسامح.
اعتدال، هو مركز عالمي مقره السعودية، أعلن تأسيسه خلال القمة العربية الإسلامية الأميركية التي احتضنتها الرياض في مايو/أيار 2017، ودشنه الملك سلمان بن عبد العزيز بحضور الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
صحف سعودية، قالت إنه أنشئ بإشراف مباشر من ولي ولي العهد حينها، محمد بن سلمان، والذي يشغل الآن منصب ولي العهد، ويعامل كحاكم فعلي للمملكة، في ظل غياب واضح للملك سلمان عن الساحة منذ فترة طويلة.
والثابت في سجلات مدشنين المركز المعني بمكافحة التطرف، وحاضري تدشينه البارزين والمشرفين عليه، أنهم موصومين بالتطرف، ونعتوا به في الإعلام، وألصقت بهم تهم الاغتيال والقتل العمد والتحريض على التطرف وارتكاب المجازر وغيرها من الجرائم الأخرى.
منشار بن سلمان:
البداية من عند ولي العهد السعودي، الذي رفعت الإدارة الأميركية الحالية السرية عن تقرير لمخابراتها يؤكد أنه أجاز خطف أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والذي أسفر عن اغتياله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي أعقاب ارتكاب بن سلمان، لجريمته، صرح في أكثر من مناسبة عن رفض التطرف والضرب بيد من حديد ضد المتطرفين في المملكة، وأمثالها من العبارات الأخرى، التي تبدو في ظاهرها محاربة فعلية للتطرف، إلا أنها في حقيقتها محاربة للعلماء والدعاة ورجال الدين.
فقد عد بن سلمان، في لقاء سابق مع الإعلامي عبد الله المديفر، حملات اعتقالات سبتمبر/أيلول 2017، التي شنها ضد الدعاة والمفكرين والكتاب عقب 4 شهور من وصوله لولاية العهد، تطويرا للبلاد، قائلا: “اليوم ما نقدر نتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة”.
لكن مجلة “فورين بوليسي” رأت أن حملات بن سلمان ضد من يقول إنهم “متطرفين” متناقضة في أهدافها؛ لأنها لم تطل إلا دعاة الإسلام المعتدل دون غيرهم، مشيرة إلى أن اعتقالاته تؤكد أن رجال الدين المستهدفين يمكن وصفهم بأي شيء إلا أن يكونوا متطرفين.
وأوضحت أن من بين الذين رماهم في السجن عدد كبير من دعاة الاعتدال، الذي يزعم بن سلمان، أنه يدافع عنه، في وقت واصل فيه المتشددون الدينيون والناقدون المعروفون لخطواته الإصلاحية نشاطهم في المملكة دون أي عقبات.
وبحسب واشنطن بوست الأميركية، فإن السعودية يقودها ولي عهد يترأس فرق موت، ويستمر بالتنصّل من مسؤوليته عن جريمة القتل، فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز، إن بن سلمان يلقب في واشنطن بـ”السيد منشار العظم”، منذ أنباء تقطيع خاشجقي بالمنشار.
وأصبح المنشار رمزا لـ”بن سلمان”، استخدمه حزب التجمع الوطني في سلسلة حملات إعلانية مناهضة للنظام السعودي، في شوارع واشنطن، مستخدما شاحنات متنقلة ملصق عليها صور بن سلمان وعبارة “نحن نستحق الديمقراطية وليس ولي العهد ناشر العظام”.
الحملة بدأها الحزب منتصف الشهر الحالي، وواصلها أمس الأول، بإيقاف الشاحنات أمام الكونجرس الأميركي، في رسالة إلى بن سلمان بأن جريمة خاشقجي لن تمر، متعهدا بأن يبقى يذكر العالم بكل الجرائم المرتكبة بحق الشعب السعودي.
عنصرية ترامب:
جرائم بن سلمان، حظيت بتغطية أميركية واسعة إبان عهد ترامب -أبرز حاضرين إعلان مركز اعتدال لمكافحة الفكر المتطرف- والذي أخفى نتيجة تحقيقات الاستخبارات الأميركية بشأن اغتيال خاشقجي، ورفض وقف تسليح النظام السعودي، ومارس سياسة حلب أمواله.
ترامب تباهى، بأنه “أنقذ مؤخرة” ولي العهد السعودي، كما كشف الإعلام الأميركي أنه تجاوز القانون عدة مرات في مواجهة المساءلة أمام الكونغرس، خدمة لابن سلمان، وماطلت إدارته في الاستجابة لمطالب الأغلبية بمحاسبة المتورطين باغتيال خاشقجي.
تطرف ترامب، ليس فقط في تستره على تورط بن سلمان في اغتيال خاشقجي، بل برز في رفضه القبول بنتيجة الانتخابات الرئاسية مطلع العام الجاري، التي فاز فيها الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وتشكيكه في النتيجة والقول إن المراقبين لم يُسمح لهم بدخول اللجان.
وأتبع ذلك بتحريض أنصاره بالتجمع أمام الكونغرس للتعبير عن رفضهم لنتائج المجمع الانتخابي، زاعما الدفاع عن حقه في ولاية ثانية، وهو ما استجاب له أنصاره واقتحموا مقر الكونغرس إبان جلسة المصادقة على فوز بايدن في 6 يناير/كانون الأول الماضي.
وصف الحدث الذي روج له ترامب وشجعه بشدة بـ”المتطرف”، ونشرت شبكة “سي أن أن” الأميركية تقريرا، تطرقت فيه إلى الجماعات التي اقتحمت الكونغرس، ومعتقداتهم ورموزهم وأعلامهم، بعد أن تحولوا من متظاهرين مسالمين، إلى متطرفين أظهروا كراهيتهم وتطرفهم.
وإذا كان التحريض فعلاً يحتمل التأويل، فالعنصرية التي تمثل فعلاً متطرفاً ثابتة على ترامب وموثقة عبر أراءه المعلنة على حسابه بتويتر، إبان فترة حكمه، حتى وصفه الكاتب الأميركي كولبرت كينغ في مقالة بصحيفة واشنطن بوست بأنه “الأشد عنصرية في تاريخ أميركا الحديث”.
المنظمات المدنية بأميركا، اتهمت ترامب بتأييد الجماعات المتعصبة للبيض كما لم يفعل أي رئيس آخر، كما أشارت أصابع الاتهام إلى ترامب بالضلوع بشكل أو بآخر في تزايد وتيرة العنصرية بالولايات المتحدة، وتوفير الحماية للجماعات اليمينية المتطرفة.
النائبة الديمقراطية المسلمة في الكونغرس الأميركي إلهان عمر، الصومالية الأصل، أبرز من عانوا من عنصرية ترامب، وتحريضه ضد السود، وسبق أن وصفته في مقابلة مع صحيفة الإندبندنت البريطانية بأنه “ديكتاتور عنصري”.
ديكتاتورية السيسي:
ويضاف إلى سجل ترامب المليء بالتصرفات المتطرفة، أمثال تستره على بن سلمان وتحريض أنصاره على العنف أو العنصرية، دعمه لرئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي، ووصفه له بـ”ديكتاتوري المفضل” -بحسب وول ستريت جورنال-.
السيسي الذي كان من أبرز الحاضرين لافتتاح مركز مكافحة التطرف، والتقط صورة مع ترامب وسلمان، مسؤول عن قتل 1150 متظاهر في اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013، لرفضهم انقلابه على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013.
منظمة هيومن رايتس ووتش، وصفت الفض بأنه “يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية”، مشيرة إلى أن “قوات الأمن المصرية نفذت واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث”.
وفي 26 يوليو/تموز، وافق السيسي على قانون يمنح القادة العسكريين “الحصانة” من المقاضاة أو الاستجواب بشأن أي حدث وقع بين 3 يوليو/تموز 2013 ويناير/كانون الثاني 2016، إلا بإذن من “المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
أولويات المؤسسون:
وبعد ما قُدم من عرض مختصر لسجل القائمين على المركز العالمي المعني بنشر مبادئ الوسطية والاعتدال، يتبين أنهم غير مؤهلين لقيادة مركز معني بمكافحة التطرف، وأن تهنئتهم برأس السنة الميلادية ما هي إلا استمرار لتلميع صورة المملكة خارجياً.
فإذا كان الهدف من التهنئة رسالة للتعايش، فالأولى أن تتعايش السلطة السعودية مع ناقديها ومعارضيها وتتقبل وجودهم وتسمح لهم بطرح أفكارهم بدلاً من الزج بهم في غياهب السجون وممارسة عمليات القمع والتنكيل والقتل البطيء بحقهم.
أما إذا كان الهدف تقبل الآخر، فكان الأولى أن يتقبل ترامب جميع فئات الشعب الأميركي دون تميز وعنصرية، وأما إذا كان الهدف نشر التسامح، فكان الأولى على السيسي أن يتسامح مع معارضيه بدلاً من قتلهم في الميادين والشوارع واستمرار التنكيل بهم منذ 8 أعوام.
ازدواج شخصية:
لكنه اضطراب ازدواجية الشخصية الذي يعيشه بعض القادة، وتجعلهم يتعاملون مع شعوبهم بطرق قمعية ديكتاتورية عنصرية إرهابية متطرفة، مغايرة تماماً عن الصورة التي يصدروها للمجتمع العالمي، من مكافحة للتطرف ونشر للتسامح.
الأمين العام لحزب التجمع الوطني عبد الله العودة، رصد ذلك الازدواج قائلا: “الأصوات التي تتزعم رهاب الأجانب والتخويف من الفلسطينيين واليمنيين والخليجيين وتحتقر سائر العرب والمسلمين، وتقمع النسويات والإسلاميين والحقوقيين؛ تقدم محاضرات عن التسامح”.
وتعجب من تهنئة مركز اعتدال بعيد السنة الميلادية، قائلا: “الأصوات التي تعدمك لأجل إشارة رابعة تقول لك: ماري كريسماس!”، مذكرا ببعض الانتهاكات التي نفذتها السلطات السعودية خلال الأسابيع الماضية، بما يخالف حديثها عن التسامح.
وأوضح العودة، أن السلطات جرمت جماعة التبليغ، واعتقلت موظفًا كتب بحثًا، وتمارس القتل البطيء ضد الشيخ إبراهيم اليماني، ووالده سلمان العودة، ويطالبون بقتله تعزيرا في المحكمة، ساخرا: “ثم يقولون: ماري كريسماس بالإنجليزي.. لأنهم متسامحون!”.
وسخر العضو المؤسس لحزب التجمع عمر بن عبد العزيز، من تهنئة اعتدال، قائلا: “يا سلام على التسامح يا اعتدال بس مطلوب تشدون حيلكم بالردود عشان تصير عفوية أكثر”.
ووصفت الناشطة السعودية أريج السدحان، شقيقة المعتقل عبد الرحمن السدحان، تغريدة مركز اعتدال، بحالة انفصام وتخبط عجيب في هذه البلد، متعجبة من أن هؤلاء أنفسهم الذين يسبون ويكفرون خلق الله، ويسجنون الناس ويعذبوهم بسبب تغريدات واختلاف رأي.
المغرد عبد الرحمن تهكم على تغريدة المركز، قائلا: “الله على التسامح والحب يا اعتدال”، متسائلا: “فين التسامح مع الشعب؟ سجناء الرأي، دعاة الإصلاح السياسي، جمعية حسم، نشطاء حقوق المرأة، المعنفات والمتضررات من نظام الولاية، أخوتنا الشيعة”.
وخاطبهم قائلا: “أنتم شكل خارجي، مظاهر زائفة، والواقع ظلم وقتل وسجون، بطش وفساد”.
ارسال التعليق