سفر اليهود إلى مملكة ال سعود.. تطور تاريخي في مسار التطبيع
خلال أيام قليلة، كانت العلاقات السعودية الإسرائيلية، على موعد مع خطوتين نوعيتين تمهدان لقفزة لافتة في مسيرة التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
وللمرة الأولى في تاريخ البلدين، سيسمح بسفر الإسرائيليين إلى السعودية لـ”أغراض دينية أو تجارية”، بموجب مرسوم جرى التصديق عليه من قبل وزير الداخلية الإسرائيلي “أريي درعي”، الأسبوع الجاري.
ويتيح القرار لفلسطينيي 48، دخول السعودية بجوازات سفر إسرائيلية، لأداء مناسك الحج والعمرة، كما سيسمح القرار الجديد للعرب الإسرائيليين أيضا بالعمل في المملكة.
وبموجب المرسوم، سيحق لليهود حملة الجواز الإسرائيلي السفر إلى السعودية والمشاركة في مؤتمرات تجارية واقتصادية واجتماعات عمل مع رجال أعمال سعوديين وعرب، أو البحث عن فرص للاستثمار التجاري بين البلدين.
ويشترط المرسوم ألا تتخطى مدة إقامة اليهودي الإسرائيلي في السعودية 90 يوما كحد أقصى، وذلك شريطة أن يكون مقدم الطلب للجهات الإسرائيلية قد حصل على تأشيرة من السعودية ويحمل دعوة من مسؤول أو جهة رسمية أو شركة تجارية.
تطور تاريخي
الخطوة وصفتها أوساط إسرائيلية بأنها تطور تاريخي في علاقات (إسرائيل) والسعودية، ضمن خطط برعاية ولي لعهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، لتهيئة الشارع السعودي لأي اتفاق محتمل مع دولة الاحتلال.
واعتبرت القناة (13) العبرية، أن القرار “يضفي الطابع الرسمي على واقع العلاقات بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية”.
وتمهد الخطوة لخروج العلاقات بين البلدين من السر إلى العلن، ومن الملفات الأمنية والاستخباراتية إلى السياحة والاقتصاد، انتهاء ربما بعلاقات دبلوماسية كاملة، خلال السنوات القليلة المقبلة.
من جانبها نفت السعودية على لسان وزير خارجيتها السماح بسفر الإسرائيليين إلى المملكة، مؤكدة إنهم “غير مرحب بهم” في الوقت الراهن.
ويمكن لمثل هذا القرار، حال تطبيقه، أن ينتهك الوصاية الأردنية على الحجيج من فلسطينيي 48، الذين كانوا يدخلون السعودية بموجب جواز سفر أردني مؤقت.
ويمهد القرار لاحقا لتقويض الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية في القدس القديمة، تمهيدا لإنهاء إشراف السلطات الأردنية على الأوقاف في القدس، وهو الإشراف الذي تم إقراره بموجب اتفاقية “وادي عربة” الموقعة بين الأردن و(إسرائيل) في العام 1994، ونقل تلك الصلاحية للنظام السعودي.
السعودية والهولوكوست
ولا يمكن النظر إلى قرار السماح بسفر الإسرائيليين للأراضي السعودية، بمعزل عن خطوة لافتة قام بها الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وزير العدل السعودي الأسبق “محمد بن عبدالكريم العيسى”، الأسبوع الماضي، حين قام بزيارة معسكر “أوشفيتز” في بولندا، تكريماً لضحايا محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست).
وخلال إحياء الذكرى، قدم “العيسى” إشارات تودد لافتة لدولة الاحتلال واصفا الزيارة أنها “واجب مقدس وشرف عظيم”.
بخلاف ذلك، قام “العيسى” بإمامة جمع من المصلين لأداء صلاتي الظهر والعصر “جمعا وقصرا” قبيل مغادرتهم موقع “الهولوكوست” في “أوشفيتز”، في إشارة لتقارب وتسامح الأديان.
ولم يفوت المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ “أفيخاي أدرعي”، الفرصة، معلقا: “هذا هو الإسلام الحقيقي”.
وأضاف في تغريدة عبر “تويتر”:”رجل الدين السعودي محمد العيسى وبعثته يصلّون لذكرى ضحايا الهولوكوست اليهود، في معسكر أوشفيتز.. شاهدوا الفيديو واتّعظوا، فالتآخي بين الديانات كل خير”.
والعام الماضي، دعا “العيسى” جميع المسلمين إلى “تعلم تاريخ الهولوكوست، وزيارة النصب التذكارية والمتاحف المخصصة للحدث البشع وأن يعلموا دروسه لأبنائهم”.
وفي محاولة لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة للزيارة، قالت الرابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من السعودية مقرا لها، إن الجولة ستكون “تضامنية مع كل الضحايا”، وتتضمن زيارة موقع مذابح المسلمين في سربرنتسا بالبوسنة والهرسك.
من جانبه، احتفى رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته “بنيامين نتنياهو”، بزيارة “العيسى” قائلا، إنها “علامة أخرى على التغيير في موقف الهيئات الإسلامية والدول العربية تجاه (إسرائيل) والمحرقة واليهود”.
تزامن لافت
في السياق ذاته، لا يمكن فصل هذه التطورات عن إعلان إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” اعتزامها كشف تفاصيل صفقتها المنتظرة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة إعلاميا باسم صفقة القرن.
ومن المقرر أن تجبر “صفقة القرن” الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة (إسرائيل)، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.
وفيما يبدو، فإن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” الذي أعلن صراحة في تصريحات أدلى بها لمجلة “أتلانتك” الأمريكية، أبريل/نيسان 2018، عن قناعته بأن الإسرائيليين لهم “حق” في أن يكون لهم وطن، بصدد تسريع وتيرة التطبيع مع تل أبيب، وتحقيق قفزة نوعية في مسار العلاقات بين الجانبين.
ويأمل ولي العهد السعودي، في تمهيد الأرض لوراثته العرش، بمباركة أمريكية، وذلك من خلال بوابة التطبيع مع دولة الاحتلال.
ولا تقيم (إسرائيل) أي علاقات دبلوماسية رسمية مع الدول العربية باستثناء مصر والأردن.
ويمكن القول إن خروج العلاقات بين السعودية و(إسرائيل) إلى العلن بات “مسألة وقت”، ويمكن ساعتها توقع المزيد من مظاهر التطبيع السعودي الإسرائيلي بما يتجاوز سفر الإسرائيليين للأراضي المقدسة، وإحياء السعودية لذكرى الهولوكوست.
ارسال التعليق