سلطتي الإمارات والسعودية يتنافسان على بلاد الذهب والمرتزقة
بقلم: منير الصادق...
تأثير الإمارات في الاقتتال الدائر بالسودان بين قوات الجيش، بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، يحظى باهتمام الاعلام ومراكز الدراسات الغربية، التي أشارت إلى “شبكة غامضة” للدولة الخليجية في البلد الذي يعاني أهله من الفوضى الأمنية وانهيار الخدمات، كل ذلك يضاف إلى ما يتركه الخلاف السعودي – الإماراتي من انعكاس سلبي على الوضع في السودان.
وذكر أندرياس كريج، الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج، في مقال نشره بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن البرهان وحميدتي أصبحا بندقيتين في صراع أوسع لممارسة النفوذ بمنطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية، مؤكدا أنه “لا توجد دولة تلعب هذه اللعبة بشكل أكثر حزمًا من الإمارات”.
ورغم أن أبوظبي ليس لها مصلحة على الأرجح في زعزعة الاستقرار بالسودان، إلا أن دعمها لشبكة معقدة ومتنافسة خلق صراعا خرج عن السيطرة، بحسب كريج، لافتا إلى أن قصة الإمارات في السودان قائمة على أساس قبلي، حيث تحاول الدولة الخليجية ممارسة تأثير يتجاوز بكثير وزنها الجغرافي والاستراتيجي.
وتعود تلك القصة إلى “شبكات نفوذ” ترعاها أبوظبي لتحقيق أهداف استراتيجية، مع استكمال القدرات الداخلية المحدودة لمؤسسات السودان المثقلة بالأعباء.
ومع أن المشاركة الرسمية للإمارات في السودان تدار من خلال وزاراتها للشؤون الخارجية، إلا أن “الشبكات الغامضة، المتصلة جميعها على ما يبدو تزود أبوظبي بمقابض السلطة الحقيقية على الأرض”، بحسب كريج.
وتسمح هذه الشبكات لأبوظبي بربط الشركاء والمنافسين والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والقوى الصغيرة والكبيرة بالإمارات؛ ما يرفع الدولة الخليجية إلى مركز لا غنى عنه يربط بين لاعبين إقليميين وعالميين.
شبكة الاتصالات:
وهنا يشير كريج إلى أن العلاقة مع حميدتي، على وجه الخصوص، تمثل شبكة الروابط والأنشطة التي تبدو بالمصادفة مرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بأبوظبي، وتمثل مجموعة معقدة من رؤوس الأموال والأسلحة والذهب والمرتزقة، أسستها الإمارات في أعقاب الربيع العربي.
وبالنظر إلى الشبكات الشخصية المباشرة، التي تجعل من أمراء الحرب يتبعون قواعد اللعبة المضادة للثورات العربية، كما تريد أبوظبي، فإن البنوك التي تتخذ من الإمارات مقراً لها وشركات الواجهة تحتل مكان الصدارة عندما يتعلق الأمر بتأمين التدفق النقدي لقوات الدعم السريع.
ومنذ أن قدم حميدتي آلاف الجنود على الأرض للحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، أصبح أمير الحرب عقدة مهمة، لا سيما في الشبكات الإماراتية، بجميع أنحاء المنطقة.
ويشير اكتشاف القنابل الحرارية، التي اشترتها الإمارات، في أيدي قوات الدعم السريع، إلى أن أبوظبي عززت بشكل مباشر قوة حميدتي القتالية على الأرض، حسبما يرى كريج، مشيرا إلى أن هذه الأسلحة تم تسليمها إلى “الدعم السريع” مباشرة من الدولة الخليجية، أو على الأرجح من خلال شبكة وكلائها في ليبيا.
ويطلق كريج على شبكة الإمارات اسم “أبوظبي إكبريس”، واصفا إياها بأنها ذات الشبكة التي غذت الحرب الأهلية في ليبيا منذ عام 2019 عبر الرجل القوي، خليفة حفتر، ومجموعة المرتزقة الروسية “فاغنر”، وتوسع الآن انتشارها إلى السودان.
ولفت إلى أن الربط بين حفتر و”فاجنر” جرى عبر الإمارات، الحليف الاستراتيجي الأهم لروسيا في المنطقة. ووفقًا للمخابرات الأميركية، فقد ساعد التمويل الإماراتي في تسهيل تحرك “فاغنر” في شمال أفريقيا.
وبمجرد أن بدأت “فاغنر” في التوسع جنوبا، تشعبت مجموعة المرتزقة في الصناعات الاستخراجية، وأثرت نفسها بامتيازات الذهب المربحة في السودان.
المستفيد الرئيسي:
وهنا برز حميدتي كمستفيد رئيسي من تجارة الذهب الغامضة، التي تطلبت مركزًا لجلب الذهب إلى السوق والسماح لمجموعة “فاغنر” بالدفع مقابل عملياتها في القارة الأفريقية.
وقدمت دبي، باعتبارها واحدة من مراكز تداول الذهب الرائدة في العالم، السبل اللازمة لتبادل المعدن الثمين مقابل النقود. وبرز دور الإمارات، مرة أخرى، كمركز رئيسي يربط الجهات الفاعلة المحلية بالقوى العالمية، ويضمن حصول الحرب في أوكرانيا على الضخ النقدي اللازم.
وإضافة لذلك، تم السماح للشركات التابعة لشبكة “فاغنر” بإنشاء متجر في الإمارات، بينما تختبئ أبوظبي وراء عباءة من إنكار أي دعم للمجموعة الروسية.
ويرى كريج أن الشبكات التي قامت الإمارات برعايتها عبر مسارح المنطقة تعمل الآن بشكل عضوي إلى حد ما، حيث يتعين على أبوظبي فقط تسهيل تدفقات المال إليها، ودعم بنيتها التحتية. وبينما أرسل حميدتي 1000 مقاتل من قوات الدعم السريع إلى ليبيا في عام 2019، يرسل حفتر الآن مساعدة رمزية لرفيقه المعارض للثورة في السودان.
ويبدو أن التسلسل الهيكلي للشبكة، الذي ظهر فوضويا إلى حد ما، لا يتحكم فيه لاعب واحد، ويتمثل دور الإمارات فيه بـ “فتح وإغلاق بعض الصمامات الرئيسية؛ ما يجعلها جهة فاعلة لا غنى عنها، يمكنها من ممارسة النفوذ”، حسبما يرى كريج.
واختتم كريج مقاله بالإشارة إلى أن الدبلوماسيين الغربيين يوجهون أصابع الاتهام الآن إلى الإمارات بشأن دعم أمراء الحرب وروسيا، والترويج للارتزاق العسكري، بعد التسامح معها ضمنيًا لسنوات، ومع ذلك، فأي طرف يريد إنهاء القتال في السودان، بما في ذلك الولايات المتحدة، “يجب عليه الاتصال بالرقم 971 (مفتاح الإمارات)؛ لأن أي طريق إلى حميدتي يمر حتماً عبر أبوظبي”.
خلافات سعودية – إماراتية:
في هذه الأثناء، برز التنافس السعودي – الإمارات الذي احتدم على شكل خلافات جوهربة، على سطح المشهد السوداني الملتهب.
وفي هذا السياق، نقلت مصادر إعلامية عن قيادي عسكري سابق، خدم خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، بأن “التنسيق السعودي – الإماراتي تجاه ملف السودان، شهد بعض الخلافات في وجهات النظر بسبب اختلاف المصالح بينهما”، موضحاً أن “الرياض تنظر الى قوات الدعم السريع، كقوة عسكرية فقط، فيما تنظر إليها أبوظبي كقوة سياسية عسكرية لا بد أن تساهم في المشهد السياسي السوداني”.
ولفت المصدر إلى أن “غياب الموقف المصري كان واضحاً، ولم يتعدّ بعض المبادرات والتواصل مع القوى السياسية”، مشيراً إلى “ضغوط إماراتية وسعودية تمت ممارستها على مصر لتنأى بنفسها عن الملف السوداني، مقابل إنقاذ وضعها الاقتصادي”.
وأشار إلى أن قيادة ميليشيات “أجرت اتصالات ببعض الدول الأفريقية طلباً للدعم منها ليبيا (خليفة حفتر) ومالي وأفريقيا الوسطى، لاستنفار القبائل العربية”.
وفي ما يتعلق بموقف إثيوبيا، أكد المصدر أن “هناك معلومات تفيد بأن متخصصين ببعض أنواع الأسلحة، يقاتلون الى جانب ميليشيات الدعم السريع”، معرباً عن اعتقاده بأن “الموقف الإثيوبي مرهون بتطورات الموقف المصري في السودان”.
كما لا ينبغي إغفال العامل الإسرائيلي في تأجيج الصراع والدخول على الخط، حيث ذكرت نشرة “آكسيوس” الأميركية، أن تل أبيب عرضت استضافة فريقي الصراع للتوسط بينهما، وذلك بتنسيق تام مع كل من الإدارة الأميركية ودولة الإمارات.
ارسال التعليق