شبح تراجع أسعار النفط يهدد دول الخليج العربية
بقلم: كريم رمضان...
رغم تعاظم المخاطر الجيوسياسية عالميا، في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واحتجاز جماعة "أنصار الله" اليمنية سفينتي شحن يملكهما رجلا أعمال إسرائيليان في البحر الأحمر، إلا أن العديد من الرهانات الدولية تصب حاليا في اتجاه هبوط أسعار النفط، ما أثار علامات استفهام حول هذا التناقض وتأثيره على اقتصادات دول الخليج العربية تحديدا.
وعزز احتجاز السفينة المخاطر حول إمدادات النفط والغاز في المضائق المائية التي يصل إليها نفوذ إيران وحلفائها، وهو ما تضاعف بتنامي خطر الطائرات الإيرانية المسيّرة، عقب توجّه حكومة طهران لتزويد السفن البحرية التابعة للحرس الثوري بهذا النوع من الطائرات؛ ما يهدد إمدادات النفط الأوروبية عبر مضيق هرمز، في وقت تسعى القارة العجوز إلى التعافي من تداعيات الحرب الروسية المستمرة.
ويمر نحو 20% من النفط العالمي عبر مضيق هرمز سنويًا، ويعادل ذلك نحو 20.5 مليون برميل يوميًا من مجموعة متنوعة من المنتجات النفطية، بما في ذلك المكثفات والنفط الخام.
لكن مستجدات السوق دفعت في المقابل التوقعات نحو انخفاض الأسعار، خاصة مع ترسخ حالة اليقين بشأن عدم استخدام الدول العربية لورقة إمدادات النفط سياسيا في أي من الحروب القائمة، بما فيها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفق مقررات القمة العربية الإسلامية الأخيرة، التي عقدت بالرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وفي السياق، يشير خبير في الاقتصاد السياسي، الأستاذ بجامعة لونغ آيلاند في نيويورك، بكري الجاك، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن تراجع أسعار النفط، وبالتحديد خام برنت وبعض الخامات الأخرى، يُعزى إلى سببين مباشرين، وأسباب أخرى غير مباشرة، لافتا إلى أن هذا التراجع قد تكون له تداعيات كارثية حال استمراره.
وأوضح الجاك أن السببين المباشرين يتمثلان في الارتفاع غير المسبوق في إنتاج النفط الأميركي، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي في الصين "بشكل غريب ومخيف وغير متوقع"، مشيرا إلى أن تأثير هذين السببين تعززه حقيقة أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق للنفط، وأن الصين هي أكبر مستورد للنفط عالميا.
أما الأسباب غير المباشرة، فتتمثل، بحسب الجاك، في بطء النمو الاقتصادي وتراجع الطلب العالمي نتيجة لانكماشٍ في الأسواق بشكل عام، إضافة إلى المخاوف من الأوضاع العالمية، مع استمرار الحرب في الشرق الأوسط (غزة)، والتوتر بين الصين وتايوان واحتمالات توسع الحرب الروسية الأوكرانية.
ولا تحفز كل هذه العوامل المستثمرين على الدخول في أي عمليات جديدة، بل تدفعهم نحو اللجوء إلى الاستثمارات المضمونة وسريعة العائد، حسب الجاك، الذي أشار إلى أن تأثير هذه التحولات على اقتصاديات الخليج تحديدا قد يكون كارثيا إذا استمر هذا التراجع.
ويوضح الجاك أنه رغم محاولات دول الخليج لتنويع إيراداتها، إلا أن اقتصاداتها لا تزال تعتمد بشكل عام على النفط ثم العقارات والتجارة، وكلا المجالين الآخرين لا ضمان لهما إلا بتدفق عائدات النفط للصرف على الخدمات والبنية التحتية، خاصة أن دول الخليج العربية لا تعتمد كثيرا على الضرائب كأحد إيرادات الخزينة العامة.
ويلفت الخبير في الاقتصاد السياسي إلى أن عائدات استثمارات الصناديق السيادية الخليجية "ستتراجع إذا تواصلت مسيرة البطء الاقتصادي العالمي، ما سيكون له مردود سلبي على اقتصاداتها".
ويشير الجاك إلى أن دول الخليج "قد تلجأ إلى تقليل الإنتاج اليومي من النفط لرفع الأسعار، ولكن هذا مرهون بمواقف الولايات المتحدة التي طلبت من دول الخليج، قبل عام، زيادة الضخ ولم تستجب لذلك حينها".
وكانت وكالة الطاقة الدولية قد أصدرت تقريرا، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أورد توقعات بتراجع الطلب على النفط والغاز 45% عن مستواه الحالي بحلول عام 2050.
وأشار التقرير إلى أن استثمارات الطاقة النظيفة والمتجددة تصاعدت بقوة خلال العام الجاري لتصل نسبة النمو إلى 24% في الفترة من 2021 وحتى 2023 مقابل 15% للوقود الأحفوري.
ويشير الخبير الاقتصادي، هاشم الفحماوي، في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد"، إلى أن الضغط العربي لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بورقة النفط لم يعد قائما، وبالتالي فإن حالة اللايقين بشأن إمدادات هذه الدول من الطاقة أصبحت زائلة، وهي أهم دول الإنتاج النفطي.
وإزاء ذلك، توقع الفحماوي استمرار ضخ النفط والغاز دون عوائق رغم حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال، ولا يستبعد عودة أسعار النفط الى مستويات 50 دولارا خلال الأشهر المقبلة، خاصة في ظل مؤشرات على إمكان تراجع الطلب لعوامل عدة، منها الاتجاه العالمي نحو الطاقة النظيفة.
ارسال التعليق