صندوق الثروة السعودي: أهلا بكم في مغارة علي بابا
كقلادة في رقبة محمد بن سلمان صناديق الاستثمار في "السعودية"، وحده الممسك بالداخل والخارج منها. وعلى هذا الأساس يستمر صندوق الثروة السيادي في تبديد أموال الشعب والاستثمار بالترفيه والألعاب الإلكترونية والرياضة وغيرها. يجري ذلك على الرغم من ارتفاع معدّل البطالة إلى 8.5 في المئة خلال الربع الأول من عام 2023 مقارنة بـ 8 في المئة في الربع الأخير من عام 2022، وفق تقرير لـ “الهيئة العامة للإحصاء”.
وفي موقف لمدرس في كلية باريس للشؤون الدولية ومعهد الدراسات السياسية في باريس، جياكومو لوتشياني اعتبر فيه أن "الصناديق السيادسة الخليجية لا تتوقف عن النمو من حيث العدد والحجم، شكوك كثيرة تحيط بإدارتها وتطورها على المدىة البعيد، حيث قُدمت على أنها علاج سحري لجميع مشكلات الدول الغنية بالموارد. إذا عدّت صناديق الثروة السيادية أداة لتحقيق الاستقرار في مواجهة تقلبات الأسعار، فإن إدارتها السليمة تتطلب معرفة الأسعار المستقبلية، لكن القدرة على التنبؤ بالأسعار معدومة تقريباً. وإذا استهدفت الصناديق السيادية الحفاظ على مصالح الأجيال المقبلة، فستتحول القضية المطروحة إلى السؤال عن المدة الزمنية اللازمة للتراكم، وأي جيل له الحق في التمتع بفوائد الأموال وبأي مقدار أو طريقة".
وتلاحق فضائح الفساد كبار المسؤولين في صندوق الاستثمارات السعودي الذي يترأسه محمد بن سلمان. حيث كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن تفاصيل صادمة ومروعة بشأن سجل محافظ صندوق الثروة السيادية السعودي ياسر الرميان المقرب من محمد بن سلمان.
وقالت الصحيفة إن وثائق داخلية سعودية سرية مرفوعة إلى محكمة كندية تظهر صلته بقضية حملة مكافحة الفساد الشائنة بـ2017.
وأظهرت الوثائق أن واحدة من 20 شركة استولى الرميان عليها كانت شركة طائرات مستأجرة استخدمت بمؤامرة السعودية لقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وتؤكد تقارير أن بن سلمان أهدر أكثر 3.5 مليار دولار من أموال الشعب السعودي، كاستثمار خارجي من دون فوائد مجدية.
تحقيق أميركي بشراكة بطولة الغولف:
هذا وقرّر القضاء الأميركي، العام الحالي، ضم “صندوق الاستثمارات العامة السعودي” كمتهم رئيسي في الدعوى القضائية التي أقامتها “رابطة الغولف الأميركية”، بعد تضررها من دوري “ال أي في” للغولف، الذي يرعاه الصندوق.
وقال قاضي المحكمة الجزئية الأميركية، بيث لابسون فريمان، في سان خوسيه بكاليفورنيا، إن الصندوق ومديره ياسر الرميان يمكن إضافتهما كمتهمين في قضية إقدام الدوري المدعوم من السعودية “ال أي في” LIV Golf بإغراء لاعبي الرابطة لخرق عقودهم بعروض بملايين الدولارات، ما أدى إلى الإضرار بالدوري الأميركي، حسبما أظهر تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي”.
ومثل القرار لحظة فاصلة في النزاعات القانونية بين الرابطة والدوري لأنه يجلب “صندوق الاستثمار السعودي” مباشرة إلى القضية، بحسب التقرير، الذي أكد أن القرار يتيح فتح الأعمال الداخلية للصندوق والتحقيق بها أمام المحاكم الأميركية. ويأتي القرار القضائي الجديد بعد رفض قاضي فيدرالي أميركي محاولة الصندوق والرميان الحصول على حصانة سيادية في الدعوى، مما أجبرهما على تسليم المعلومات المتعلقة بالقضية والمثول أمام المحكمة للإقرار.
وقالت القاضية سوزان فان كولين، “إن المعلومات الجديدة حول تورط “صندوق الاستثمارات العامة” في الدوري المدعوم من السعودية سمحت لهم بإضافة أطراف جديدة إلى القضية. واعتبرت القاضية، في بيان، أنه بات لديها من الواضح أن صندوق الاستثمارات العامة ليس مجرد مستثمر في “ال أي في غولف”، بل هو الراعي والمشغل والممول الأساسي له”.
وأضافت أن “تصرفات صندوق الاستثمارات العامة هي بلا منازع نوع الإجراءات التي يشارك بها طرف خاص في التجارة”. إلى ذلك، أبلغ محامون عن “السعودية” محكمة أمريكية أنَّ إجبار رئيس صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميّان، على الخضوع للسلطة القضائية الأميركية سيؤدي إلى تورُّطه في انتهاك القانون السعودي على حدّ تعبيرهم.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن محكمة نيويورك أصدرت مذكرة استدعاء للرميان في القضية مع الدوري، لكنه رفض المثول أمام المحكمة وزعم بأن “المحاكم الأميركية ليس لها اختصاص عليه أو على شركة “ال أي في”، وفق الصحيفة.
وانخرطت الرابطة في نزاع قانوني مع دوري الغولف الأميركي منذ الصيف الماضي، بعدما انشق عدد من نجوم الغولف الرئيسيين إلى الدوري المدعوم من السعودية وتم منعهم لاحقًا من المشاركة في الدوري الأميركي.
وفي آب/أغسطس من العام الماضي، رفع العديد من اللاعبين و”ال أي في” دعوى قضائية ضد الرابطة لأسباب تتعلق بمكافحة الاحتكار، ورد محامو الرابطة بدعوى قضائية ضد الدوري المدعوم سعودياً.
ويرأس محمد بن سلمان “صندوق الثروة السيادي السعودي” البالغ قيمته 600 مليار دولار الذي يمول “أل أي في” للغولف، واستحوذ الصندوق على نادي كرة القدم الإنجليزي بالدوري الممتاز “نيوكاسل يونايتد”، في العام 2021 ، وفكر أيضًا في شراء سباقات “فورمولا 1” للسيارات العام الماضي.
وكان النظام السعودي قد وقع مع أشهر الأسماء في لعبة الغولف للمشاركة في بطولتهم الجديدة بعدما “أغروهم بالمال”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، التي قالت إن الدوري الممول سعوديا يأتي لمنافسة بطولات “بي جي إيه”، وهي البطولة التي كانت لعقود من الزمان أهم حدث وأعلى مستوى في بطولات الغولف العالمية ومعيارها الأول. وجمع الدوري الجديد الممول من السعودية 48 لاعبا أغرتهم الجوائز المالية المفرطة، البالغة أكثر من 250 مليون دولار، الممتدة على ثماني جولات في مختلف أنحاء العالم، وبصيغة فريدة على مدى ثلاثة أيام دون انقطاع.
طرح أسهم الشركات العامة:
نهاية العام 2021، كشفت وكالة "بلومبرغ" عن مخطط صندوق الاستثمارات العامة لبيع أسهم في شركة الاتصالات السعودية STC، أي بمعدل طرح حصّة بقيمة 5 بالمئة من الشركة، للحصول على 3.1 مليار دولار. عملية البيع هذه تهدف وفق مراقبين تمويل مشاريع محمد بن سلمان الذي يسعى إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، إلا أن تمويل عمل الصندوق الذي حصل على قروض لعدة مرات تكشف عن تعثّر تحقيق الهدف المنشود. وبحسب وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية، سيتم طرح ما مجموعه 100 مليون سهم في شركة الاتصالات السعودية، بسعر يتراوح بين 100 ريال (26.70 دولارًا) و116 ريالاً.
جاء ذلك بعدما طُرحت أسهم شركة الاتصالات السعودية بخصم على سعر إغلاق الأحد الفائت 116.20 ريال بعدما قفز السهم أكثر من 6 بالمئة هذا العام، مقارنةً مع 28 بالمئة في مؤشّر تداول العام.
وفي السياق نفسه، وأعلن ابن سلمان، في 16 نيسان/أبريل الفائت، إتمام نقل 4% من إجمالي أسهم شركة أرامكو، إلى الشركة العربية السعودية للاستثمار (سنابل)، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة.
ويملك النظام السعودي قبل عملية النقل أكثر من 94% من أرامكو، فيما تراجعت النسبة بعد النقل إلى نحو 90.2%، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، فيما يستحوذ على النسبة المتبقية مستثمرون محليون وأجانب. ووفق رؤية 2030، يزعم الصندوق سعيه لمضاعفة أصوله إلى نحو 1.1 تريليون دولار بحلول 2025 و2.7 تريليون دولار في 2030. وتعوّل رؤية السعودية 2030 على الصندوق في تنويع مصادر دخلها عبر استثماراته محلياً وخارجياً، للتخلص من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات.
وتعرضت “أرامكو” لضغوط من المساهمين لدفع المزيد وتحسين جاذبيتها مقارنةً بمنافسين مثل “بي بي” (BP Plc) و”شل” (Shell Plc)، اللتين كانتا تدفعان المليارات من خلال توزيعات الأرباح وعمليات إعادة شراء الأسهم.
وتضر خطوة ابن سلمان بـ “أرامكو” التي خسرت 4 في المئة من أسهمِها من دونِ مقابل، في حين أنها تسعى إلى زيادة رأسمالها عبر طرحِ أسهم للبيع، ما يُبرز مجدداً أنَّ ابن سلمان يعمل باستراتيجية نهب مؤسسات الدولة والاستحواذ على خيرات البلاد. ما ورد لا يعد أمرا مستغربا في نهج محمد بن سلمان، وهو بذلك لا يحيد عن أسلافه من آل سعود، واعتبار أراضي شبه الجزيرة العربية بما فيها من موارد ملك لهم.
استثمارات تجلب الخسائر:
في العام 2022، خسرت البورصة السعودية “تداول” 12 مليون سهم من أسهمها بفعل عملية بيع نفذها صندوق الثروة السيادي.
وفي التفاصيل، فإنه بموجب صفقة طرحها الصندوق فقدت “تداول”، الشركة المُشغِّلة للبورصة و”المجموعة السعودية”، 10 بالمئة من أسهمها مقابل 612 مليون دولار عبر استخدام بناء سجل الأوامر المُسرِّع، الذي تتم عملية البيع بموجبه في أقل من 48 ساعة.
واستند الصندوق، الذي يملك أكثر من 600 مليار دولار من الأصول، على بنكي “إتش إس بي سي” و”مورغان ستانلي” لإتمام عملية البيع، على الرغم من الخسارة التي تكبَّدها الصندوق خلال الأشهر الماضية عقب تهاوي البورصة الأميركية واستثماره بعدد من شركاتها.
وكان صندوق الاستثمارات العامة الذي يعتبر المحرك الرئيسي لرؤية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان لفطم الاقتصاد عن اعتماده على النفط، تلقى ضربة كبرى بعد تراجع البورصة الأميركية لمجموعة من الشركات الكبرى التي اشترى صندوق الاستثمارات السعودي، حصصا فيها بما في ذلك ألفابت وجي بي مورغان وAmerican Tower Corporation وأمازون وزووم، مايكروسوفت” و”بلاك روك” و”هوم ديبوت” و”سيلزفورس وباي بال. وانخفضت قيمة الأسهم السعودية المشتراة بنحو 40 مليار دولار في دقائق معدودة، وهو ما استنفر الخبراء والاقتصاديين الذين تساءلوا عن ماهية المصالح الوطنية في الاستثمار بالسوق الأميركية، بدل الاستثمار المضمون داخل أراضي الدولة في مشاريع تضمن كذلك آلاف فرص العمل للمواطنين وسط ارتفاع نسبة البطالة وانتشار مخيف للفقر.
ارسال التعليق