عنجهية بن سلمان تدفع الأموال للهروب من السعودية
ترجمة وتحرير: هند القديمياعتبرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية أن الأزمة التي أثارتها السعودية مؤخرا مع كندا حملت مزيدا من التداعيات على الاقتصاد السعودي والتي قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة خطيرة بالفعل بالنسبة للمملكة: وهي هروب رؤوس الأموال.
وتعتبر التجارة بين البلدين محدودة حيث تقدر قيمتها بحوالي 4 مليارات دولار ، لكن الغبار الدبلوماسي قد زاد من الإحساس بالمخاطرة في مناخ الاستثمار السعودي، ومن المؤكد أنه سيخيف رأس المال.
ووفقا لدراسة أجراها بنك "جيه بي مورغان" (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) يتوقع أن تصل تدفقات رؤوس أموال المقيمين في المملكة العربية السعودية إلى 65 مليار دولار عام 2018، أو 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا أقل من الـ80 مليار دولار التي فُقدت عام 2017، ولكنها علامة على استمرار النزف الاقتصادي.
وهناك مخاوف من أن تلجأ الحكومة السعودية إلى الضغط على البنوك ومديري الأصول من أجل منع تدفق المزيد من رؤوس الأموال إلى الخارج، من خلال مراقبة رسمية لرأس المال.
ومن شأن هذا الأمر أن يشكك في التفاؤل المحيط برؤية ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" 2030 الاقتصادية.
وتضم الرؤية الكثير من الإصلاحات المؤسسية بهدف تنويع الاقتصاد السعودي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص العمل لتحرير الاقتصاد الذي تعتمد عليه الدولة والذي يعتمد على الموارد.
وكان المستثمرون يأملون أن تتابع الرياض الإصلاحات الاقتصادية، لكنهم شعروا بالإحباط بسبب اعتقال رجال الأعمال البارزين العام الماضي، والحملة الأخيرة لإسكات المنتقدين، وخاصة الناشطات.
هذه التدابير التي يضاف إليها الآن الخلاف مع كندا (بسبب انتقاد الأخيرة لاعتقال ناشطين سعوديين) تشير إلى أن الدولة تفضل استقرار النظام وتوطيد حكم القانون.
وقالت "بلومبرغ" إن جوهر الاقتصاد السعودي يبقى أسيرا بيد الدولة، في حين أن نمو القطاع الخاص يحتاج أولا للشعور بالأمان، ولكن هذا لم يحدث، وبدلا من ذلك، لا تزال دورة الأعمال تتغذى من الإنفاق الحكومي المرتبط بإيرادات النفط، فالودائع الحكومية تظهر في البنوك المحلية ثم تذهب كقروض لمقاولين مفضلين من قِبل القطاع الخاص؛ ومن ثم ينحسر النشاط التجاري كلما أصاب القطاع النفطي كساد".
وأضافت الوكالة أن هروب رأس المال يحدث على الرغم من الانتعاش الأخير في أسعار النفط العالمية، وسيتم دعم الحساب الجاري السعودي بمبلغ 224 مليار دولار من صادرات النفط عام 2018، وهي قفزة هائلة من 170 مليار دولار العام الماضي.
لكن يبدو أن هذا غير كافٍ لطمأنة المستثمرين ، الذين لاحظوا عدم وجود قفزة مقابلة في أصول الاحتياطيات الأجنبية، كما أن تدفق الإيرادات الجديد لا يخفف من السياسة المالية التوسعية، التي لا تزال تعاني من عجز.
كل هذا يضيف إلى صورة مقيتة ومألوفة: الإنفاق الحكومي يتسارع، والنمو بطيء، ومستثمرو القطاع الخاص خائفون، والإنتاجية سيئة للغاية، لا سيما مع استمرار انكماش سوق العمل من العمال الأجانب المغادرين، بينما تكافح الشركات لاستيعاب توظيف المواطنين السعوديين بأجور أعلى.
وكان رد الحكومة حتى الآن هو الإبقاء على الاقتراض، ودفع ثمن التحفيز بتمويل الديون، وتقوم بعض الحسابات المثيرة للاهتمام بين الكيانات المملوكة للدولة، مثل "أرامكو" و"سابك"، لجمع الأموال للصندوق السيادي، المعروف باسم صندوق الاستثمار العام، مما يتيح استمرار الإنفاق.
في حين أن جهود الخصخصة وتشجيع استثمارات القطاع الخاص قد تأخرت، يستمر الإنفاق الحكومي في التركيز على مشاريع التنمية والبنية التحتية الضخمة التي تمولها الدولة، حيث تغرق الأموال في الرمال.
ويبدو أن هذا هو مصير أحدث المشروعات "نيوم" وهو مشروع بقيمة 500 مليار دولار لتطوير 10000 ميل مربع في الركن الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، على شواطئ البحر الأحمر.
إنه بعيد عن المراكز السكانية الرئيسية، حيث يبحث الناس عن العمل، وهناك عدم توافق بين المشاريع الصناعية ذات التكنولوجيا العالية المخطط لها ومجموعة المهارات المتاحة للقوى العاملة السعودية.
الوظائف الوحيدة التي يخلقها "نيوم" حاليا هي عمال البناء ذوي الأجور المنخفضة للأجانب، الذين أصبح عددهم الآن أق، حيث يغادر العديد منهم بسبب زيادة رسوم التأشيرات وتكاليف المعيشة.
ورأت "بلومبرغ" أن الإدارة الاقتصادية السعودية تعود للمدارس القديمة، وهي بعيدة كل البعد عن روح خطة الإصلاح التي أعلنها "بن سلمان"، خاصة أنه أدخل المملكة في مشاكل أضرت بالاقتصاد السعودي.
ومن هذه المشاكل: حرب اليمن، وفرض الحصار على قطر، وإلقاء القبض على الناشطين، وحملته الدبلوماسية ضد كندا، ومن ثم فإنه من الصعب على المستثمرين أن يصدقوا وعود الحكومة بالإصلاح الاقتصادي، ولذا فإنهم يقومون بتحويل أموالهم إلى مكان آخر.
ورأت الوكالة أن هناك إصلاحات تنظيمية جيدة لوقف تهريب الأموال إلى الخارج، بما في ذلك قانون الإفلاس الجديد ومشروع قانون الخصخصة، كما أن هناك منافذ جديدة للأجانب لشراء الأسهم في البورصة المحلية لتصبح مئة في المئة من أصحاب الأعمال في القطاعات الرئيسية مثل الهندسة، كما أن فتح سوق الترفيه يكثر فيه فرص الاستثمار.
لكن الدولة بحاجة إلى الخروج من الطريق. لا تستطيع أن تمضي في طريقها نحو الازدهار باستخدام التقنيات القديمة للاستثمار القائم على المشاريع في خطط العقارات والبنية التحتية الكبيرة.
علاوة على ذلك، لا ينبغي استخدام الأصول الثمينة للدولة، مثل أرامكو وسابك، كأبقار نقدية للإنفاق على تجارب استراتيجيات الاستثمار الخارجية للصندوق. الأهم من ذلك، يجب على الحكومة أن تثبت أنها تعطي الأولوية للإصلاحات الاقتصادية ، بدلا من أن تشتت انتباهها ما بين خطايا السياسة الداخلية والخارجية.
ارسال التعليق