عنصرية سعودية تميّز بين مكة مقدسة ومكة آثمة
بقلم: راشد عيسى/ كاتب وإعلامي أردني.. أقل ما يمكن أن يقال في ردود الفعل السعودية على راب "بنت مكة" إنها تمثل فصاماً حقيقياً بين واقع حال المدينة وسكانها وبين تلك الادعاءات، التي تريد أن ترمي بعباءة القداسة، النقاء العرقي، والاستقامة، على كل سكان المدينة، حتى لو بلغ تعدادهم أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
هو فصام على الأقل بعد حفلات شهدتها المملكة غنى فيها سعد المجرد وسواه من نجوم ونجمات العالم الأشهر، فهل تنتظر المملكة أن يسير الترفيه في سكة مستقلة تماما عن الشارع، من دون أن يترك أي أثر فيه؟!
هذا بالطبع إذا افترضنا أن الغناء والرقص والطرب بمختلف أشكاله مستجد على المدينة، وهذا غير ممكن، فلا شك أن للمدينة، مكة أو سواها، حياة أخرى حتى في ظل أعتى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما يستحيل أن يكون راب "بنت مكة" ظاهرة مستجدة، ولعله رشح عن عالم أوسع قد يحمل في طياته ما هو أخطر بكثير من هذا الراب، الذي يبدو الأكثر تهذيباً، كلاماً ورقصاً وتحجّباً.
لكن حقا، ما الذي استفز السعوديين في هذا الراب خصوصاً، بعد كل المفاسد والغسيل الذي نشر من قبل على سطوح الأدب والفن والأغاني، بعد كل الجرائم التي نسمع عنها هنا وهناك في أنحاء المملكة، تماماً كما يحدث لدى كل شعوب الأرض، بعد كل انتهاكات حقوق الإنسان ومختلف الحريات؟
التعليقات والتغريدات بدت أولاً مستنفرة تجاه انتهاك قدسية المدينة، فمع أن المغنية الرئيسة محجبة ولم تظهر على نحو خلاعي، ومع أن الفيديو لا يحمل إيحاءات جنسية، على نحو ما تمتلئ عادة كليبات وأغاني راب مماثلة، إلا أنه، على ما يبدو، سيظل ممنوعاً على ابن مكة وابنتها أن يظهرا إلا بلباس الإحرام، بنت مكة لا تعرف الأكل والشرب والرياضة والتمايل طرباً كسائر الناس!
لكن العامل الذي بدا مستفزاً أكثر للسعوديين، كما تعكس التعليقات، هو ما اعتبر هوية بنت مكة، أو هوية لبنت الحجاز، وهذا ما يعكسه خصوصاً الهاشتاغ الأكثر تداولاً: "لستن بنات مكة"، إلى هاشتاغات أخرى من قبيل "هوية السعودية خط أحمر".
تقول البنت، المغنية: "أنا بنت مكة. أصيلة وعشانها تشقى (تتعب). وقت الشدة ما نتكى (لا تكثر متطلباتنا). يشدّ بي الظهر، تلاقيني على الدكة (مقعد مرتفع). فل وكادي الشعر مسقى".
لم تشأ البنت احتكار تمثيل بنات مكة، كما لم تقل بحقهن كلاماً مشيناً، لكن على ما يبدو كان كافياً أن تظهر فتاة سمراء، بملامح أفريقية، تقول إنها ابنة مكة حتى تستفز أمير المدينة شخصياً فيأمر بمحاكمة كل من له علاقة بإنتاج الفيديو.
انظروا إذاً إلى "الهوية" الحقيقية لمن يدّعون أنهم أبناء مكة والحجاز. إنهم أولئك الذين إن غنت بنت سمراء وقالت إنها ابنة المدينة أنكروها، قالوا، من دون فحص أو تدقيق، إنها من الجاليات الأفريقية الدخيلة على مكة، ولا بد من ترحيلها. أو أنها من "بقايا الحجاج" (انظروا الاحتقار حتى لمؤدّي فريضة دينية)!
أبناء مكة والحجاز، المزعومون بالطبع، عنصريون، وقحون، غير متسامحين حتى مع أغنية، لكن من قال إن بإمكان هؤلاء احتكار هوية أبناء مكة، ولماذا لم نسمع سوى أصوات رجالية تدافع وتندد وتسخر وتطالب بالمحاكمة والترحيل؟ أين هن بنات مكة، ولماذا لا يسمح لهن بأن يدلين بآرائهن، وإظهار هوياتهن!
وعند صعود الملك سلمان بن عبدالعزيز الى كرسي الحكم واستلام ابنه محمد زمام ولاية العهد اتجهت البلاد نحو الانحطاط والرذيلة بذريعة الانفتاح والتحرر، وقد زج بالكثير من العلماء والفضلاء، والدعاة، وزعماء القبائل في السجون، وتم التخلص من أغلبهم، اثناء التعذيب وسوء المعاملة، ناهيك عن الاهمال الطبي.
ارسال التعليق