في ظل التوتر بين القاهرة والخرطوم… مساعٍ لضم السودان للتعاون الخليجي
أكثر من ملمح لتوتر متصاعد بين جيران وادي النيل مصر والسودان، فهناك اتهامات متبادلة لدعم المعارضين لنظامي الحكم في البلدين، ووقف سوداني لاستيراد محاصيل زراعية مصرية وبعض المنتجات المصنعة منها، وقرار سوداني آخر بفرض تأشيرة على دخول المصريين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين “18-50” سنة تطبيقًا للمعاملة بالمثل وفق المصادر السودانية، إضافة إلى تصاعد حدة الخلاف حول مثلث حلايب وشلاتين، وأخيرًا اتهام وزير الدفاع السوداني القوات المصرية بممارسة استفزازات للقوات السودانية في المنطقة.
التوتر الجديد
في جلسة مغلقة للبرلمان السوداني، أطلع وزير الدفاع الفريق أول، عوض بن عوف، الحاضرين على ما سماه “الاستفزازات والمضايقات” المصرية للجيش السوداني في مثلث حلايب المتنازع عليه بين البلدين.
وأكد بن عوف بالجلسة المغلقة أن جيش السودان يمارس ضبط النفس إزاء ذلك، وفي انتظار حل المشكلة سياسيًّا بين الرئيسين عمر البشير وعبد الفتاح السيسي.
وقدم وزير الدفاع السوداني إلى نواب البرلمان تفاصيل التحركات المصرية في حلايب.
وعلى الرغم من أن القوة العسكرية السودانية المتواجدة في المثلث هي قوة رمزية، إلا أن السلطات السودانية تقول إنها تهدف لتأكيد السيادة السودانية على منطقتي حلايب وشلاتين، رمزية القوة السودانية بدت واضحة من مجموعة الصعوبات والعراقيل التي تعاني منها هذه القوات من جهة الإمداد وتبديل الجنود، وهي عراقيل تقول السودان إنها مستفزة.
توترات قديمة
تأجلت في الأسبوع الماضي زيارة وزير خارجية مصر، سامح شكري، للخرطوم؛ بسبب سوء المناخ الجوي حسب التصريحات الرسمية في القاهرة، لكن المناخ السياسي بين العاصمتين اشتدّ غموضًا في الأيام الأخيرة، فموعد زيارة شكري الذي تم تأجيله تزامن مع قرار سوداني بفرض تأشيرات على فئات مصرية، بعد هذا أعلن شكري أنه يهدف من زيارته المقبلة للخرطوم إجراء حوار لإزالة سوء الفهم، دون إشارة إلى أن عقدة هذا التوتر تتمثل في مشكلة مثلث حلايب، الذي لا يرى السودانيون سبيلًا لتقدم أي حوار لا تكون حلايب على جدول أعماله، وهو الأمر الذي يجعل من المثلث المتنازع عليه معضلة، سواء تعارضت المصالح المصرية السودانية أو اتسقت، فمصر ترفض التفاوض المباشر بشأنها أو اللجوء إلى تحكيم دولي، بينما تقول الخرطوم إن موقفها مؤسس على وثائق وخرائط لمنظمات دولية، منها الأمم المتحدة، ناهيك عن مشكلة القاهرة والخرطوم حول مياه نهر النيل، والتي كانت على جدول أعمال الرئيس السوداني الأخيرة في إثيوبيا، وقال فيها “إن أمن أثيوبيا من أمن السودان”.
دول الخليج والتوتر المصري السوداني
من الملاحظ أن النبرة السودانية المصرية المتوترة زادت حدها، بعدما انتقلت السودان من المحور الإيراني إلى السعودي، خاصة بعد مشاركة السودان مع العدوان السعودي على اليمن، ومنذ ذلك الحين واللهجة التصعيدية بين الخرطوم والقاهرة تتزايد، ويمكن ربط هذا التصعيد أيضًا بملف تيران وصنافير، فكلما أبطأت مصر في عملية تسليم الجزيرتين المصريتين إلى السعودية، اشتعل ملف حلايب وشلاتين، وهنا فإن الحكومة المصرية أوقعت نفسها في مأزق عندما فتحت ملف تيران وصنافير مع الرياض، فالمشهد العام يوضح لأي متابع بسيط أن مصر تتنازل عن أراضيها للسعودية والسودان في نفس الوقت، وهذا سيوقع الحكومة المصرية في حرج شديد أمام الداخل المصري الذي لا يقبل التفريط بالجزر المصرية في البحر الأحمر، حتى يقبل التفريط في أراضيه البرية.
ومن هنا قد لا تغيب الأصابع الخليجية في إشعال هذا الخلاف، فدول الخليج تريد أن تكافئ السودان لأنها شاركت بألف من قواتها البرية في اليمن، وأعلن السودان أيضًا استعداده لنشر كتيبة قوامها 6000 جندي إذا اقتضت الحاجة، وهو الأمر الذي رفضت القاهرة التورط فيه حفاظًا على جيشها من الغرق في الوحل اليمني، خاصة أن السودان أعلن في وقت سابق عن مقتل 5 من جنوده في اليمن وإصابة آخرين، وهنا نلاحظ دولًا خليجية تزور السودان كقطر، وتعدها بمشاريع اقتصادية وعروض توظيف لمواطنيها، وباتت رسائل الود بين الرياض والخرطوم تتعمق من خلال البوابة العسكرية، فالمناورات السعودية التركية الجارية حاليًّا في أنقرة تحت اسم “ذئب الصحراء” تزامنت مع اختتام مناورات غير مسبوقة بين السعودية والسودان هي مناورات “الدرع الأزرق 1″، ولم تكن هذه المناورات الأولى من نوعها بين البلدين، فقد سبقتها مناورات بحرية اكتسبت أهميتها من كون البلدين تطلان على البحر الأحمر.
وحاليًّا يدور الحديث عن دور سعودي تلعبه الرياض في إقناع واشنطن بإسقاط عقوباتها الاقتصادية عن السودان، ويبدو أن واشنطن متساهلة حيال هذا الموضوع بعد إطلاق السودان تصريحات محابية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وحول هذه النقطة تناقلت صحف سودانية أن نائب المندوب المصري في مجلس الأمن طالب بإبقاء العقوبات على السودان، وهو الأمر الذي نفته مصر لاحقًا جملةً وتفصيلًا.
الحديث عن الدعم الخليجي للسودان بما في ذلك دعم ملفها في حلايب وشلاتين لا يتوقف عند هذا الحد، فصحف سودانية تحدثت عن محاولات خليجية لضم السودان إلى منظمة التعاون الخليجي، وكشف وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، عن اتفاق بين بلاده ودول الخليج العربي على شراكة استراتيجية شبيهة بحالة الأردن والمغرب.
الحديث عن ضم السودان للمجلس الخليجي دائمًا ما يأتي في إطار المكافآت الرمزية التي تقدمها دول الخليج للدول التي ستخدم مصالحها، فحتى مصر كانت مرشحة للولوج إلى هذا المجلس إبان تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي “أن أمن الخليج من أمن مصر” و”مسافة السكة”، ولكن بعد أن تباينت مواقف القاهرة والرياض حول جزئيات في الملف اليمني وكليات في السوري، بدأت الرياض تلاعب مصر بالإمدادات النفطية وتيران وصنافير.
التطورات الأخيرة
يبدو أن السودان سيصبح قريبًا ساحة مفتوحة لمجموعة من القوى العالمية والإقليمية، فحتى وسائل الإعلام الروسية بدأت تهتم مؤخرًا بخلافات مثلث حلايب وشلاتين، ولكن قد يأخذ الاهتمام الروسي بالملف السوداني بعدًا آخر، خاصة بعد التوغل الأمريكي الخطير في السودان، فبوساطة سعودية تم اتفاق بين الخرطوم وواشنطن بإنشاء «قاعدة أمريكية» في السودان.
حيث كشفت تقارير عن اتفاق بين السودان والولايات المتحدة على استضافة الخرطوم محطة لوكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” ضمن شراكة لمكافحة الإرهاب، وينتظر أن تزور نائبة مدير الوكالة جينا هاسبل الخرطوم في مايو المقبل؛ لإتمام الشراكة.
وبحسب تقرير لـ “أفريكا أنتلجنس” بعنوان “تصعيد التعاون الاستخباراتي بين السودان والولايات المتحدة”، فإن هذه الاتفاقات تمت أثناء زيارة مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق محمد عطا الشهر الماضي لأمريكا، بدعوة من مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو.
التواجد الاستخباري الأمريكي في السودان يتزامن مع توتر استخباري بين مصر والسودان، حيث تتهم الأخيرة مصر بدعم جماعات معارضة للبشير وبتحركات مصرية في جنوب السودان تدعم حكومتها.
ولا يبدو أن أمريكا هو الطرف الوحيد المتوغل في السودان، فحتى أوروبا أيضًا باتت لها قدم فيه، ففي يناير الماضي اتفق السودان والاتحاد الأوروبي على مواصلة التعاون الاستراتيجي، والتنسيق التام على كافة المستويات خلال الفترة المقبلة.
ويرى مراقبون أن على البلدين الشقيقين الوصول إلى مجموعة من التفاهمات، فكل بلد يشكل للآخر ظهيرًا أمنيًّا، وبالتالي على القاهرة والخرطوم تنحية الخلافات جانبًا، وألا تكون العلاقات بينهما مرتعًا لتصفية خلافات دول إقليمية وعالمية أخرى على حساب البلدين.
ارسال التعليق