قضاء ال سعود بين التسييس والتبعية
الأحكام التي أصدرها قضاء ال سعود ضد قتلة الصحفي المعارض “جمال خاشقجي”، ومن قبلها الاتهامات بتسييس الأحكام القضائية لا سيما في قضايا تتعلق بالأمن القومي السعودي أو الجماعات المعارضة، بالإضافة إلى إقالة عدة مجموعات من القضاة من مناصبهم بسبب مخالفة أحكام أصدروها لهوى السلطة في قضايا متعددة؛ كل ذلك أثار الجدل حول مدى فعالية النظام القضائي السعودي، واستقلاليته وأدائه.
فلقد كان أداء النظام القضائي السعودي مثار اتهامات كثيرة من قبل، بل لن نكون مبالغين إذا قلنا أن معظم التوصيات الحقوقية المقدمة في المحافل الدولية ضد المملكة، تأتي نتيجة لخطوات اتخذها النظام القضائي في قضايا معينة، أوإهماله القيام بواجباته التي من المفترض أن يقوم بها.
ودعت تلك التوصيات الحقوقية لإصلاح النظام القضائي السعودي الذي يعاني من البداوة هو الآخر كحال باقي النظم السعودية، والمطالبة باستقلاله كان شعار كل التوصيات التي أردفنا عنها قبل.
وليس ذلك وفقط؛ فحتى المؤسسات الأهلية المهتمة بالشأن السعودي خارجيًا، أو حتى داخليًا ترى في النظام القضائي بالمملكة نقطة ضعف، يمكن من خلالها انتهاك الكثير من الحقوق الأساسية للمواطنين، لذلك طالبوا هم أيضًا بضرورة إصلاح القضاء بالسعودية، وإعطائه استقلاليته المفروضة.
نظرة عامة على النظام القضائي السعودي:
وفقًا للنظام الأساسي للحكم بالمملكة؛ فإن الشريعة الإسلامية هي النظام القانوني المتبع في المملكة العربية السعودية، فالشريعة الإسلامية هي مجموعة الأحكام المأخوذة من عده مصادر إسلامية أعلاها مرتبة القرآن والسنة النبوية.
1- المحاكم العامة:
ولتطبيق تلك الأحكام خصصت المملكة المحاكم الشرعية؛ ويطلق عليها ( المحاكم العامة )، ولها سلطات عامة تنظر القضايا الجزئية والمدنية والأحوال الشخصية، وقد تم تطويرها وفقًا لمرسوم ملكي في أكتوبر 2007، أطلق عليه اسم “مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء.”
حيث تم تخصيص ما يقرب من ملياري دولار أمريكي لتدريب القضاة وبناء محاكم جديدة، كما تم إنشاء محاكم متخصصة إلى جانب المحاكم العامة؛ كالمحاكم الجزائية، ومحاكم الأحوال الشخصية، ومحاكم للنزاعات العمالية، وأخرى للقضايا التجارية.
2- محاكم الاستئناف:
ولأول مرة، أدخل النظام الجديد إلى جانب محاكم الدرجة الأولى، محكمة استئناف.
3- المجلس الأعلى للقضاء :
ويجوز للأطراف الطعن على الأحكام من الوجه الشرعي وليس من ناحية الوقائع من محاكم التمييز والاستئناف إلى المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء ، وللمجلس الأعلى للقضاء لجنتان أحدهما تختص بالنظر في العقوبات الكبرى مثل القصاص والأمور التي تحال إليه من الملك أو وزارة العدل، والأخرى تختص بمراجعة أحكام محاكم التمييز والاستئناف التي تحيد عن الأحكام الراسخة.
4- ديوان المظالم:
ويختص بنظر القضايا التي يكون أحد أطرافها جهة حكومية والقضايا التجارية للقطاع الخاص.
5- لجان شبه قضائية:
و لها صلاحيات شبه قضائية للفصل في الخلافات؛ منها “لجنة الفصل في المنازعات المصرفية بمؤسسة النقد العربي السعودي”، و”لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بهيئة سوق المال السعودي” وغيرها.
نقاط فاصلة في مسيرة القضاء السعودي:
1- مرسوم 2013 وحل المجلس الأعلى للقضاء:
من الممارسات التي تؤكد تبعية السلطة القضائية السعودية للسلطة السياسية العليا وعدم استقلالها عنها ما صدر في يناير 2013، من مرسوم ملكي ينص على إقالة جميع قضاة المحكمة العليا وتعيين قضاة جدد، فضلاً عن حل المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تأسيسه.
وهنا مخالفة صريحة لأولى المبادئ الأساسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية “تضمن الدولة استقلال السلطة القضائية وتكرِّس ذلك في دستور البلد أو في قانونه. ومن واجب جميع الحكومات والمؤسسات الأخرى احترام استقلال السلطة القضائية والتقيد بذلك في ممارستها لمهامها وأعمالها”، ، بحسب ما أورته منظمة “أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان” في تقرير لها حول القضاء السعودي.
2- 2014 وإصدار قانون الإرهاب:
كذلك عدم وجود قانون جنائي مدون يطابق المعايير الدولية، ورغم كثرة التوصيات الحقوقية حول تلك النقطة، قامت السلطات السعودية في 2014 بإصدار “قانون مكافحة الإرهاب”، وهو قانون اشتمل على بنود مخالفة لأساسيات حقوق الإنسان الدولية.
وكذلك يشتمل على بنود غامضة أتاحت قمع حرية التعبير والتجمع السلمي بالمملكة، وسمح بموجبه بإلقاء القبض التعسفي، واعتقال دون تهمة محددة للعديد من النشطاء والمطالبين بالإصلاح ومحاكمتهم في محاكم جزائية متخصصة تخضع مباشرة لسلطة وزير الداخلية وبشكل سري، وبتهم فضفاضة وتحكم بالسجن لفترات طويلة وبعقوبات قاسية وتعسفية وبذلك تحرمهم من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.
دعوات لإصلاح النظام القضائي:
لاشك أن الكثير ممن تعج بهم سجون النظام السعودي الآن، هم ممن دعوا لإصلاح النظام القضائي بالمملكة، وذلك لأنه صمام أمان للمجتمع.
فعدم وجود نصوص إلزامية مدونة، تفتح المجال أمام اختلاف الأحكام رغم الوقائع الواحدة، مما يفتح الباب للطعن على الأحكام القضائية السعودية، كما أن الأمر يحتاج إلى فتح باب القضاء أمام المؤهلات العلمية لطلاب القانون من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، وليس كما هو الوضع الآن حيث يأتي معظم القضاة من كليات الشريعة والدراسات الإسلامية.
وكذلك دعا المنادون بإصلاح القضاء السعودي، بالشفافية سواء في المحاكمات، أو متابعة التحقيقات في أماكن الاحتجاز، فكثير من المتهمين خصوصًا السياسيين منهم، لم يتم تعيين محامين لهم، بل أن كثير منهم لم يعرف التهم الموجهة إليه، والتي على أساسها تم توقيفه واعتقاله!
ولكن لن يتم إصلاح داخل النظام القضائي السعودي، بمعزل عن إصلاح عام يشمل كافة الأنظمة والأجهزة الرسمية داخل المملكة، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الأوضاع الحالية التي تعيشها المملكة، من حكم الفرد الواحد.
وحتى الآن لازالت تعقد المحاكم الاستثنائية “المتخصصة”، وتصدر أحكام وصلت للإعدام في كثير من القضايا، دون أدلة أو تهم مثبته، وليست قضية “خاشقجي” منا ببعيد.
ارسال التعليق