قناة العربية والشوق للفتنة: من مجدل شمس إلى مجزرة المواصي
لكيان الاحتلال الإسرائيلي إعلام حربيّ أيضا؛ ينشط في السلم وفي الحرب، ولكن متعدد الـ"لوغوز"، فباسمه تتحدث إما "العربية" وإما "الشرق الأوسط" وإما "إم تي في" وإما "سكاي نيوز عربي" وسواها الكثير الممتد على وسع الجسم الإعلامي المتواطئ في الوطن العربي.
وسائل الإعلام الخليجية، الإماراتية منها والسعودية على وجه الخصوص، تشكّل خيطاً من خيوط شبكة الإعلام الغربي. وهو ما لم يحتج لـ"طوفان اقصى" حتى يثبته فهو الثابت الوحيد بين ثوابت المحطات والأقلام المأجورة سواء الخليجية منها أم العربية ذات التمويل الخليجي؛ الناشطة بشكل أساسي في لبنان حاضنة المشاريع الإعلامية.
وأما ما يميّز خيطان شبكة العنكبوت الإعلامية هذه هو أن تبنّيها في كل مرة للرواية الإسرائيلية تكون عاقبته انعدام هوياتي عميق لها، فلا هي تجرؤ لبث رسائلها المسمومة بشكل فجّ لمتلقّي عربي يفقه في الحد الأدنى ألف باء العمالة، وفي الوقت عينه لا ينظر هذا المتلقي العربي لها كحاملة للواء المقاومة بطبيعة الحال، وهو ما يجعل المتلقي أمامها كالناظر في الفراغ.
لا داعي للمجادلة بتأثير رسائل الإعلام "المتأسرِل" على الشعوب المؤيدة لخيار المقاومة، فرسالتها تجلّت منذ أحداث ما سُمّي بالربيع العربي ومنذ الحروب الإسرائلية مع لبنان، ومنذ ومنذ.. لكن تأثيرها محصور على الجمهور من فاقدي الانتماء.
فإذا ألقينا نظرة على محتوى قناة العربية على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، ودون الحاجة للتدلّيل بنماذج تشهد، نجد قسما كبيرا منه وأكثر من الممكن ينقل من مصادر إسرائيلية بتكرار وتوقيت وسياقات وصياغات لا تترك مجالاً للشك أن النقل من المصادر الصهيونية مقصود لتغذية انطباعات معينة في ذهن المتلقّي.
إثر حادثة مجدل شمس سارع كيان الاحتلال لاتهام حزب الله في لبنان أنه المسؤول عن الضربة التي راح ضحيتها عدد من أبناء الجولان السوري المحتل. ووفقا لما قررته "إسرائيل" تحركت وسائل الإعلام السعودية المكتوبة منها والمرئية في ترويج الرواية عينها رغم كل لامنطقية التهمة.
فكان للعربية أن نسّقت تغطيتها الإعلامية وتقاريرها الإخبارية وبشكل فجّ على أساس أن هذه الرواية هي الحقيقة المطلقة؛ فتحدثت أن الضربة التي وقعت على ملعب كرة القدم في مجدل شمس المحتلة خي عبارة عن صاروخ إيراني الصنع قام الحزب بإطلاق من الجنوب اللبناني؛ وترويجها لاسم قائد في حزب الله روجت "إسرائيل" لاسمه أنه المسؤول عن الضربة المزعومة على مجدل شمس، وقامت بترديد اسمه متى ما استطاعت تهيئة لفرضية اغتيال تلك الشخصية.
والاقلام السعودية بدورها سارعت لتبنّي رواية العدو ونسجت المقالات المحرّضة الفتنوية ولعل عنوان "حزب الله.. من تحرير الجولان إلى قصف الجولان" في صحيفة عكاظ لا ينبئ بمجرد تبني الإعلام السعودي لروايات العدو ولكن الذهاب للعب الدور الأحب على قلب المشروع السعودي في المنطقة وهو إشعال فتيل الفتنة بين أبناء المنطقة الواحدة. فالدور الأساسي المُعطى لهؤلاء هو تأجيج الخلافات السنية- الشيعية؛ وفشل مشروعهم مرارا وتكرارا، اليوم عملوا على العصب الطائفي مرة أخرى.
الحادثة الثانية والتي فضحت "العربية" بها تفسها بشكل أهاج الشارع العربي ضدها؛ كانت مجزرة المواصي حيث لم تجعل مجالات للشك في أن المجزرة التي أودت بحياة عشرات الشهداء الغزيين، أدت مهمتها باغتيال محمد الضيف؛ القائد العام لكتاب الشهيد عز الدين القسام.
على عكس سياسة بعض المحطات التي تحاول أن تكون أقل وضوحا عبر نسب الرواية للكيان ولكن مع تكرارها؛ يبدو الإعلام السعودي الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر اندفاعا لتبني هوية العمالة وتأكيدها على نفسها. لعل هذا مردّه للضجر السعودي من انعدام الهوية فكان أن شرعت بالكشف عن ما تحت القناع. وهذه الهفوات سواء المتعمدة أم لا؛ تضع الأمور على نصابها.
ومثلما كُشف القناع عن أكبر المحطات الإعلامية الخليجية إثر تغطيتها للحرب السورية؛ يبدو أن "طوفان الأقصى" سيجرف معه ما تبقّى من محطات عربية اللغة عبرية الانتماء.
تغطية "العربية" وأخواتها منذ السابع من أكتوبر، لا تسير في سياق مختلف عن ما يسيرون به منذ ما قبل طوفان الأقصى، بل هي في المسار المتوقع منها والمرسوم لها منذ زرعها بيننا. فهي لم تختر لنفسها هذا المسار بل خُلقت لأجله، ومهما كانت أبعاد الأحداث الأمنية ذات خطورة وأهمية؛ يبقى للكلمة بُعدٌ خاص بها لا يمكن التهاون أمامها.
ارسال التعليق