كما في اليمن كذلك في السودان: ابن سلمان وابن زايد وإسرائيل معاً
بقلم: منير الصادق...
ما إن هدأت في اليمن حتى اشتعلت في السودان، ما يرسم الكثير من علامات الاستفهام حول مدى ترابط الأحداث في كلا البلدين، وحول الجهات المتورطة في إشغال النيران في السودان بعد اليمن، والأهداف من وراء ذلك.
لم تكن دول الخليج، وعلى رأسها النظام السعودي، مهتمة بالعملية السياسية والديمقراطية في السودان بقدر اهتمامها بالبلاد البلد الكبير والغني بالموارد والذي يمتنع لموقع مميز، إذ يمتد على طول الحدود البحرية على ساحل البحر الأحمر. وتدرك الدول الخليجية أهمية السودان، وما يتمتّع به من موقع استراتيجي مهم، يجعله محلَّ تنافس إقليمي.
فهو يقع في قلب وادي النيل والقرن الأفريقي، وفي منظومة البحر الأحمر، ويمتلك ثروة هائلة من الغاز الطبيعي والذهب والفضة والمعادن. ويبدو أن اللاّعبين الإقليميين والدوليين بدأوا العودة إلى البلاد السمراء.
وازداد اهتمام الرياض وشريكاتها في الخليج بالسودان خصوصاً وإظأن البلد العربي – الأفريقي مستهدف اميركياً وإسرائيلياً بمشروع التطبيع.
لذا، تفضل واشنطن ومن معها من خليجيين، وجود جنرالات يتماشون مع مشروع التطبيع الإقليمي، وخصوصاً إذا ما تحوَّل السودان إلى بؤرة تجاذُب وتنافُس إقليميَّين ودوليَّين، والحال هذه.
امتداد لأزمة اليمن في هذا الجانب، أكد مصدر يمني، أنّ أزمة السودان هي امتدادٌ لأزمة اليمن.
وأضاف، أنّه “لو لم يتورّط قادة الجيش السوداني في حرب اليمن، لما حصل ما يحصل في السودان، وتطور الأمر إلى صراع، خصوصاً أنّ من يقاتلون اليوم في السودان قاتلوا في اليمن سابقاً”.
وأسف المصدر لعدم قدرة حكومة صنعاء على تقديم إعانة لليمنيين في السودان، مُرجعاً ذلك إلى العدوان والحصار والوضع الذي تعيشه حكومة صنعاء، لافتاً إلى خصوصية الحكومة السودانية القائمة علاقتها مع قوى العدوان وليست مع حكومة صنعاء.
وفي الأثناء، خلص تحليل لمركز “كارنيجي”” إلى أن أمن النظام السعودي على استقرار اليمن وتحسّن اقتصاده، لذا ينبغي على الرياض المساعدة في إنعاش الاقتصاد اليمني المتدهور، على مستويَي المناطق الحدودية والقطاع الزراعي في الداخل اليمني.
ودعا السعودية إلى اعتماد استراتيجية غير أمنيّة في اليمن، تهدف إلى إنعاش اقتصاد المناطق الحدودية بدلًا من مواصلة أو تكثيف نهجها الأمني الذي لم يحقق الجدوى الأمنية، بل قاد إلى عدم استقرار دائم في هذه المناطق.
وبحسب المركز، فإن النظام السعودي يجب أن يدرك أن أمنه مرهون بدرجة كبيرة باستقرار اليمن وازدهاره الاقتصادي. فالتطورات الميدانية التي حصلت لغاية الآن، أظهرت أن النهج المحدود القائم على الأمن لا يضمن قط الأمن المطلوب.
إبن سلمان في السودان!
في السودان تسارعت التطورات من الانقلاب، إلى تشكيل مجلس سيادة جديد بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وصولاً على تفجّر الصراع بين البرهان ةقائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
لم يخفِ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دعمه مجلس السيادة السوداني في إبّان اندلاع الثورة في أبريل 2019، كان الهدف حينها تحييدَ قطر وتركيا، اللتين كانتا تمتّعتان بعلاقة مميزة بالرئيس السودان السابق عمر البشير، الذي لم يشفع له إرساله 15 ألف جندي سوداني من أجل المشاركة في العدوان السعودي اليمن، طمعاً في إرضاء الرياض.
بالتوازي، نسجت الرياض ومعها جارتها أبو ظبي علاقة خاصة بجنرالات العسكر، وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، عبر استقبالهما في عدد من الزيارات. عموماً، العلاقة بالرجلين لم تكن وليدة اللحظة، فلقد أدّى الاثنان دوراً بارزاً في الحرب على اليمن، فبينما أشرف البرهان على القوات السودانية البرية، تولّى دقلو قيادة قوات الدعم السريع.
دور إبن زايد:
ومن بين أهم اللاعبين الأجانب في السودان دولة الإمارات، الدولة الخليجية الغنية بالنفط التي وسعت نفوذها بقوة في القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة.
يعود اهتمامها بالسودان إلى أكثر من عقد، بدءاً من الإمكانات الزراعية الهائلة للبلاد، والتي يأمل الإماراتيون أن تخفف مخاوفهم من الإمدادات الغذائية. لكن الإماراتيين اختلفوا مع (الرئيس المعزول) عمر البشير بعد أن رفض دعمهم في نزاعهم مع جارتهم قطر. بمجرد الإطاحة به، أعلنت الإمارات والنظام السعودي عن مساعدات واستثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمساعدة السودان على الوقوف على قدميه.
علناً، لم يتخذ الإماراتيون أي جانب في صراعات السلطة في السودان، وهم جزء من مجموعة دبلوماسية تُعرف باسم “الرباعية”.
وحاولت المجموعة، التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنظام السعودي، حتى وقت قريب إعادة السودان إلى الحكم المدني.
وبحسب نيويورك تايمز، فإن الإماراتيين ساعدوا أيضاً في دعم الجنرال حميدتي، الذي قام على مر السنين بتوسيع صندوق حربه من خلال التعاملات التجارية الموجهة عبر دبي.
وفي عام 2018، دفع الإماراتيون لحميدتي من أجل إرسال آلاف الجنود للقتال في اليمن – وهو صراع قال مسؤولون سودانيون إنه أثرى الجنرال. العامل الإسرائيلي دائماً ما كان السودان محط اهتمام “إسرائيل” حيث لم تترك فرصة إلا وتدخلت في أوضاعه الداخلية ومواقفه الخارجية، وهو ما ظهر بشكلٍ أساسي في السنوات الأخيرة.
وأحدث الصدام الأخير بين البرهان و”حميدتي”، والذي سيفضي إلى تأجيل أيّ حديث أو توقيع أي اتفاق تطبيع قريباً مع السودان، حالة من الإرباك في مخططات الاحتلال، فالمهم لدى “إسرائيل” هو أن يخرج السودان تماماً من الفلك المعادي لها، وأن يصبح بلداً ضعيفاً يمكن العمل فيه وفق المصالح بكل أريحية.
دخلت “إسرائيل” على خط الأزمة السودانية الأخيرة ومساراتها، بشكل متكرر في الأيام الماضية، وصولاً إلى دعوة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين، لكل من البرهان وحميدتي، الطرفان اللذان يتزعمان الفصائل التي تقاتل بعضها البعض في السودان على مدى الأيام الماضية، إلى اجتماع مشترك في “إسرائيل” سيحاولان خلاله التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار “بوساطة إسرائيلية”، وفقاً لما قاله مسؤولون في وزارة خارجية العدو لموقع “والا” الإسرائيلي.
وأكّد موقع “أكسيوس” الأميركي، عرض “إسرائيلي” لاستضافة طرفي الصراع في السودان بشأن عقد تسوية بينهما، وبتنسيق تام مع إدارة الرئيس بايدن ودولة الإمارات.
هنا. لا بد من الإشارة إلى أن الخارجية الإسرائيلية تميل إلى دعم عبد الفتاح البرهان بصفته ممثل للجيش السوداني ولكون توقيع التطبيع كان بشكلٍ مباشر معه، بينما الموساد يميل إلى محمد حمدان دقلو “حميدتي” كونه قدّم مجموعة من الخدمات المباشرة وعبر الإمارات لـ”إسرائيل”، لكن هذا التباين لا يعتبر اختلافاً جوهرياً حول أيّ الطرفين لأنّ “إسرائيل” أعلنت منذ البداية أنّ أي طرف من الطرفين يفوز هو في مصلحتنا.
التقدير الإسرائيلي بُني على أنّ السودان قريب جداً من الذهاب إلى توقيع الاتفاق النهائي معه، وهذا ما يُفسّره حديث وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين في زيارته الأخيرة للسودان خلالفبراير الماضي، وقوله إنّه خلال أشهر سيجري التوقيع على التطبيع مع السودان في واشنطن.
ولكن الصدام الذي وقع بين البرهان وحميدتي سيفضي إلى تأجيل أي حديث أو توقيع أي اتفاق تطبيع قريباً مع السودان ما يعني حدوث إرباك في مخططات الاحتلال باتجاه التطبيع مع السودان.
بل ربما يفضي الصراع وفق العمور، إلى “ظهور قادة سودانيين جدد في المشهد وبالتالي العودة للبدء من جديد في تمرير التطبيع”.
إذًا، تتشابه الأحداث والمشاريع وكذلك اللاعبون في كل من اليمن والسودان، وإن اختلفت الأدوار والاستفادات المباشرة. وعليه، يبقى النظام السعودي ومعه أبناء زايد، من الموكلين بإدارة الحروب في مناطق استراتيجية، حيث الموانئ وطرق التجارة العالمية، وهي من أهم أدوات المواجهة التي تعتمدها واشنطن في وجه مشروع الحزام والطريق الصيني، والذي يُعتبر البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب مسرحاً لهذه المواجهة.
ارسال التعليق