لا ترجيحات بتأثر التطبيع الاقتصادي بين الصهاينة وأعراب الخليج بالحرب
بقلم: كريم رمضان...
أثارت تقارير الصحافة الإسرائيلية بشأن اتجاه اقتصاد الاحتلال إلى حالة من الركود في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، تساؤلات بشأن جدوى تعميق دول خليجية ومنها الإمارات والبحرين والسعودية لاتفاقيات التطبيع الاقتصادي، وما إذا كانت المصالح الاقتصادية المشتركة ستتأثر سلبا خلال الفترة القادمة بعدوان الاحتلال على الاقطاع.
وحسبما أورد تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة بعد أكثر من شهر من الحرب، منها: انخفاض النشاط الاقتصادي بسبب القصف الصاروخي والإغلاقات الأمنية والتوترات الاجتماعية، وارتفاع التضخم والعجز المالي والدين العام بسبب الإنفاق العسكري والمساعدات الحكومية للمتضررين، وتراجع الثقة في الحكومة والمؤسسات السياسية والاقتصادية بسبب الفساد والانقسام والاحتجاجات.
كما أورد التقرير أن تزايد العزلة الدولية والانتقادات الدبلوماسية والقانونية بسبب الانتهاكات الحقوقية والإنسانية والقانون الدولي، وتهديد الأمن القومي والإقليمي بسبب تصاعد الصراع مع المقاومة الفلسطينية، كلها عوامل ترفع من تقدير نسبة المخاطر لدى الشركات الراغبة في الاستثمار داخل الدولة العبرية، خاصة تلك الخليجية.
وفي هذا الإطار، استدانت إسرائيل قرابة الـ8 مليارات دولار منذ بدء الحرب في قطاع غزة وفقد الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي 7.3 مليار دولار في أكتوبر، مع زيادة حدة النفقات المرتبطة بتمويل الجيش وصرف التعويضات، بحسب بيان أصدرته وزارة المالية الإسرائيلية، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
لكن هذه المعطيات لا تعطي إجابة قاطعة بشأن التساؤل حول مصير التطبيع الخليجي الإسرائيلي؛ لأن الإمارات والبحرين طبّعتا العلاقات مع إسرائيل لدوافع مختلفة، ليست كلها اقتصادية.
حتى على مستوى المشروعات الاقتصادية الكبرى التي كان من المقرر تدشينها في ظل التطبيع الخليجي الإسرائيلي تواجه مشاكل كبرى في التنفيذ. وبسبب الحرب على غزة بات مشروع الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي والذي يمر في المنطقة ويربط في جزء منه دولا خليجية منها السعودية والإمارات بإسرائيل مهددا. وقالت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامن، خلال فعالية أمس الأربعاء في نيودلهي، إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة "دليل مثير للقلق على التحديات الجيوسياسية التي يواجهها الممر الاقتصادي متعدد الأطراف الذي تدعمه الولايات المتحدة".
وأضافت سيتارامن خلال المؤتمر أن "الصراع الدائر في إسرائيل وغزة يبرز التحديات الجيوسياسية التي تعترض الممر" بحسب ما نقلت وكالة رويترز. ووقّعت دول عدة، في سبتمبر الماضي على هامش قمة العشرين، على مقترح الممر الاقتصادي الجديد، الذي يعرف اختصاراً بممر "الهند الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي- IMEU" منها الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل.ويربط المشروع الهند بأوروبا عبر خطوط السكك الحديدية والموانئ في الشرق الأوسط وجنوب آسيا مع سعي الولايات المتحدة لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تؤسس لبنية تحتية عالمية، بممر اقتصادي وتجاري جديد. وقد اتفق قادة هذه الدول على التوصل إلى "خطة عمل" خلال 60 يوماً منذ إعلان المشروع في سبتمبر/أيلول الماضي. والممر المقترح سيمر عبر الأراضي المحتلة.
وتعليقا على مستقبل التطبيع الاقتصادي بين دول الخليج وإسرائيل، يؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن الكلفة الاقتصادية لحالة الحرب في إسرائيل باهظة، فضلا عن تقلص الإنتاج الصناعي، ونقص العمالة التي التحقت بالجيش، وانخفاض العملة إلى أدنى مستوى لها منذ 12 عاما، وإنفاق بنك إسرائيل المركزي 45 مليار دولار من العملات الصعبة لدعم الشيكل، إضافة إلى انهيار مؤشرات البورصة، ما أدى إلى خسائر تبلغ 25 مليار دولار.
ويضيف إسماعيل أن توقف إسرائيل عن تصدير الغاز الطبيعي لمصر والأردن لعدة أسابيع يكلفها خسائر بنحو 200 مليون دولار أسبوعيا، وهي كلفة كبيرة من شأنها أن تؤدي إلى ركود اقتصادي إذا استمرت الحرب لأسابيع أخرى. لكنه يرى أن هذه الحالة استثنائية ولن تؤثر على عملية التطبيع بين الدول العربية التي اتخذت قرارا بهذا الشأن وبين إسرائيل، وأن الحرب قد تؤجل بعض مشروعات الطاقة بين الإمارات وإسرائيل، أو مشروعات خطوط الأنابيب مع مصر فقط."الدول التي تطبّع مع إسرائيل لها دوافع جيوسياسية وتقاطع مصالح مع الدولة العبرية، مثل مواجهة نفوذ إيران وبرنامجها النووي". بحسب إسماعيل، ولذا فالتطبيع يمثل من منظورها مصلحة استراتيجية، تشمل التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا الحديثة وإقامة مشروعات مشتركة بمباركة أميركية.
وإزاء ذلك، لا يرجح إسماعيل اتجاه أي من الدول التي اتجهت للتطبيع مع إسرائيل إلى إلغاء الاتفاقات الاقتصادية مع الدولة العبرية بسبب العدوان على غزة، فالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لها الأولوية من منظور تلك الدول. ويعزز من هذا المنظور البراغماتي أن المنطقة تشهد خسارة للاستثمارات الأجنبية، باعتبارها منطقة غير مستقرة وتصنيفها الاقتصادي سلبي، حسب وكالات التصنيف الدولية، إضافة إلى جفاف القطاع السياحي، الذي تعتمد عليه إسرائيل ودول الخليج بشكل كبير، بحسب إسماعيل.
ارسال التعليق