لماذا تحول اكتتاب أرامكو إلى جعجعة بلا طحين؟.. اقتصاديون يجيبون
التغيير
تم الترويج كثيرًا للاكتتاب العام الأولي في "أرامكو" كصفقة ضخمة، لكن لم يكن ينبغي أن يحدث ذلك؛ فمن حيث الجوهر سينتهي الأمر بالطرح العام الأولي في"أرامكو" المنتظر منذ 3 أعوام، إلى عملية بيع لجزء صغير جدًا ربما يبلغ 1% فقط من أسهم الشركة إلى مجموعة صغيرة من المستثمرين المحليين، وربما ذراع استثمار حكومي من الصين.
الأمر، وفقًا لخبراء، بات "جعجة بلا طحين" بعدما تحول الاكتتاب من دولي إلى محلي وإقليمي، وهو ما أصاب القيادة العليا الحالية في نظام آل سعود بخيبة الأمل، حيث كان ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان يريد جذب المستثمرين الدوليين في هذا الطرح بشكل متنوع، وخصوصًا من أوروبا والولايات المتحدة، وليس مجرد تجار محليين أو مستثمرين محليين.
اجتماع عاصف
والثلاثاء 19 نوفمبر الجاري، كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تفاصيل اجتماع لم يستغرق سوى 10 دقائق وكان سببًا في إنهاء طموحات ولي عهد آل سعود الدولية بشأن اكتتاب "أرامكو".
وذكرت الصحيفة أن عددًا من كبار المستثمرين المصرفيين اجتمعوا في قصر بالرياض، السبت الماضي، مع رئيس مجلس إدارة شركة "أرامكو"، "ياسر الرميان"، ومسؤولون آخرون في الشركة، لتقديم توصياتهم الأخيرة المتعلقة بخطط اكتتاب عملاق النفط السعودي.
وأضافت أن تقدير قيمة أرامكو، الذي قدمه المصرفيون، لـ"الرميان"، أثار غضبه إلى حد أنه لم يستمع لشيء بعده، تاركا الاجتماع الذي حضره 9 منسقين دوليين، بينهم "سفيان الزبيري" من بنك أمريكا، و"تيلر ديكسون" من سيتي جروب، و"هنريك جوبل" من مورجان ستانلي، فيما ترك مايك دافي من جولدمان ساكس ينتظر في غرفة الانتظار.
وجاء تقدير المصرفيين الدوليين لقيمة "أرامكو" في حدود 1.1 تريليون دولار، وهو الرقم الذي يقارب نصف ما توقعه "بن سلمان" في تصريحات سابقة له؛ ما قدم رسالة مخيبة للحاضرين وهي أن المستثمرين الدوليين ليسوا متحمسين لشراء أسهم في الشركة لو ظل تقييم الشركة، وفقا لما أعلنه ولي عهد آل سعود.
وإزاء ذلك، دفعت سلطات آل سعود إلى أن تكون عملية الطرح في أقرب موعد من ديسمبر المقبل بالسوق المالي (تداول).
وفي الأخير، قررت "أرامكو" بيع 1.5% من أسهمها عند سعر للسعر قدره 1.6-1.7 تريليون دولار؛ لجمع 25.6 مليار دولار من البيع، والتخلي عن خطط ترويج الطرح في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
رؤية 2030
التطورات دفعت مجلة "فورين بوليسي" إلى الحديث عن أن التقييم المتدني لـ "أرامكو" سيدفع "بن سلمان" إلى التخلي عن رؤيته (السعودية 2030).
ومن المعروف أنه عندما طرح ولي عهد آل سعود فكرة اكتتاب "أرامكو" تحدث عن إمكانية تقييم للشركة يصل إلى تريليوني دولار، فيما تحدث بن سلمان على مدى السنوات الماضية عن طرح بنسبة 5% من الشركة لجمع 100 مليار دولار كافية لتمويل خططه الاقتصادية، بينما انتهى الطرح العام إلى أصغر وأرخص مما يريده "بن سلمان".
وخلصت الصحيفتان إلى أن القضايا التي دفعت مدراء البنوك الاستثمارية الدولية للتردد بشأن اكتتاب "أرامكو" أو تقديرها بالقيمة التي كان يريدها "بن سلمان" تتعلق بالأرباح المتوقعة التي ستكون أقل من شركات الطاقة الأخرى، إضافة لمسائل تتعلق بالحكم وأمن بنية الطاقة بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت شركة أرامكو في سبتمبر الماضي، بجانب التدخل العام للدولة في استراتيجية الشركة.
وبحسب البروفسير "كارين يونج"، المحاضرة بجامعة جورج واشنطن والباحثة المتخصصة في الاقتصاد السياسي الخليجي، فإن الفجوة بين التوقعات والنتائج في "أكبر اكتتاب عام في العالم" فشل المنطقة في احتضان ورعاية الأعمال التجارية العملاقة.
الشركات الضخمة
وتقول "يونج" في جميع أنحاء المنطقة، فإن حجم الاكتتابات العامة في الشركات منخفض. ويرجع جزء من السبب في ذلك إلى حقيقة أنه من الصعب على الشركات أن تنمو في مثل هذه المنطقة.
لكن لماذا؟.. تجيب "يونج" ، قائلة إنه لا يوجد مكان للمؤسسات الاقتصادية الضخمة في منطقة الشرق الأوسط والخليج، حيث تهيمن الشركات الصغيرة، التي يقل عدد موظفيها عن خمس موظفين على الحصة الأكبر من العمالة في القطاع الخاص في مصر والضفة الغربية وقطاع غزة، بنسبة تصل إلى نحو 60%، فيما تبلغ النسبة في الأردن حوالي 40%، وفي تونس 37%، وفي الأخير تأتي تركيا بنسبة 34%.
وعلى النقيض، تقل نسبة الوظائف في المؤسسات التي يعمل بها 1000 موظف على الأقل عن 10% في جميع البلدان الخمسة.
وتقارن دراسة سابقة نشرها البنك الدولي حول "الوظائف والامتيازات" نمو الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنموها في الولايات المتحدة، حيث يعمل 48% من جميع الموظفين في شركات يعمل فيها أكثر من 10 آلاف موظف.
وتشير "كارين" إلى أنه، ونظرا لأن العديد من الشركات المتوسطة والكبيرة في الشرق الأوسط أصبحت جزءا من دورة "سيطرة الدولة"، فإنها تميل إلى عدم الاستمرار في النمو، أو رفع الإنتاجية.
وتعليقا على ما آل إليه اكتتاب "أرامكو"، تقول "يونج" إن الإدراج يبين في الواقع حقيقة أن المستثمرين المحليين "يتضورون جوعا" للفرص، وغالبا ما يتم خداعهم بواسطة حكوماتهم.
ووجدت دراسة استقصائية للاكتتابات العامة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نشرها موقع "المونيتور"، فإنه كان هناك 69 طرحا عاما أوليا في الفترة من الربع الأول من عام 2017 إلى الربع الثالث من عام 2019، منها 9 فقط في عام 2019. لكن حجم رأس المال الذي تم جمعه كان أكثر من مخيب للآمال.
وبينما حقق الربع الثاني من عام 2019 أعلى مستوى من العائدات الفصلية التي تم جمعها خلال أكثر من عامين، بما يزيد قليلا عن 2.6 مليار دولار، فإن الربع الثالث من عام 2019 شهد جمع 190 مليون دولار فقط من عمليات البيع التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ما الحل؟
تقول "يونج" إن الشرق الأوسط يحتاج إلى مزيد من الاكتتابات الأولية، لكنه يحتاج أولا إلى تنمية شركات لا تتنافس مع الدولة على الأعمال، ولا تعتمد على الدولة كمستثمر رئيسي أو عميل.
وتضيف: "لا يمكن اعتبار المواطنين أجهزة صراف آلي لدعم محاولات الحكومة لجمع التمويل، في حين لا يستفيدون بالتساوي من التحول وخصخصة الخدمات الاجتماعية".
ارسال التعليق