ماذا لو حاربت الأنظمة العربية الصهاينة مع المقاومة
بقلم: يوسف الدموكي...
في أوّل الحرب، مع زيادة غطرسة الاحتلال وعجرفته، كان الجميع ينادي الحكام العرب، الحكومات، الجيوش التي بالملايين، وقد صدئت أسلحتها قبل أن تضرب طلقة واحدة على العدو (لا مواطنيها أو الأبرياء): "من فضلكم، أعينوا غزة في معركتها، 360 كيلومترًا فقط تحاربه إسرائيل بكلّ ما أوتيت من قوة، بجيشها نصف المليونيّ، بعدده واحتياطه، وعتادها المتطوّر، وحلفائها الغربيين الفاشيين، كلّ هؤلاء حرّكوا مقاتلاتهم، وبوارجهم، وكتائب من جنودهم، وناقلات طائراتهم، ليمثلوا دعمًا استراتيجيًّا ومعنويًّا للاحتلال، أفلا تحركون دبابةً واحدةً على الحدود؟". والذي حدث، أنّه، حتى مع القصف الإسرائيلي "الخاطئ" لأراضٍ عربية، بقيت الأنظمة "أعقل" من الشعوب الغاضبة، وقبلت الاعتذار بطيب نفس ورضا!
لكن، مع الوقت، وتتابع مجريات الأحداث، والانبهار كلّ مرّة بقدرات المقاومة رغم قلّة الإمكانات، ومحدودية المكان، والاهتمام بكلّ التفاصيل، وفن اختيار التوقيت، واللقطة، والمكان، وتفرّد الخطاب الإعلامي، والتخطيط العسكريّ، والدهاء السياسيّ، بتُّ أنظر إلى الأمر بشكل مختلف، نقلني من السخط على الأنظمة الجبانة إلى الرضى عن الوضع بهذه الصورة، ولا أتمنى إلا أن يبقى كذلك؛ لأن دخول حكومات المنِّ والأذى على الخط، سيكون كمن حضر العراك في آخر دقيقة، ثم يتفاخر بأنه صاحب الضربة القاضية.
أقول الحمد لله أنّ المقاومة تحارب وحدها، بمفردها تمامًا، لأنّ مجرّد تخيّل ما هو غير ذلك يصيبني بالقلق، لأنّ أيّ تحرّك عسكري أو مشاركة استراتيجية بقيادة هذه الأنظمة المطبّعة كان سيبقى كارثيًّا، ومعدلات الخيانة المتوقعة أعلى بكثير، وستكون الخسارة في النهاية قدرًا محتومًا، لأنّك حينها ستعطي ظهرك (لا سمح الله) لمن قد يطعنك، وأنت في لحظة النصر المنتظر؛ ولأنهم لا يتخيلون أمنهم من دون أمن "إسرائيل"، ولأنّ المقاومة بالنسبة إليهم حركة تمرّد على الواقع، العدوى التي لو انتقلت إلى شعوبهم فلن تُبقي ولن تذر. ولذا هم يريدون إثبات النظرية التي يعيشون عليها، ويقتاتون حكمهم منها، أنّ الدول أقوى من الشعوب، وأنّ أي حركة "تحرّر" لا بد أن تخمد، لأنّ الاستقرار أغلى من ذلكم جميعًا.
لا تتخيّل الأنظمة العربية أمنها من دون أمن إسرائيل، والمقاومة بالنسبة لها حركة تمرّد على الواقع، العدوى التي لو انتقلت إلى شعوبهم فلن تبقي ولن تذر
لذا بتُّ أفضّل وحدة المقاومة، ولو فيها تفرّق الحكام، لأنّ المقاومة لا تريد إلا المقاومة وآثارها ومكاسبها، لا تُعنى بالمعادلات والتوازنات والتفاهمات الدولية التي قد يخبرك بها الحاكم بعد نومه ليلةً في فراش نتنياهو بتل أبيب، أمّا هؤلاء المناضلون الأشاوس، فإنّهم يحرمون أنفسهم أدنى حياة طبيعية، يتجرعون أمرّ الفقد في أهلهم ومالهم وأعمارهم، يعيشون تحت الأرض في ضيق الهواء والمكان والظروف، لا لشيء إلا ليحرّروا ما فوق الأرض وتنقية الهواء والمكان والظروف، من ذلك الاحتلال الذي يعكّر حتى النفَس الفلسطينيّ.
حتى تحوّل قلقي إلى اطمئنانٍ تام، حين وجدت المسألة محسومة منذ مئات السنين، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على عدوهم ظاهرين – لا يضرهم من خذلهم"، فالنصر والظهور على العدو، لا علاقة له أبدًا، ولا يتأثر قيد أنملة بخذلان الأخ؛ وهو ما وجدته في كتاب الله الكريم أيضًا، حين وصف ذلك بدقة بالغة باهرة، موجزة، ومعجزة: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ".
وبالفعل، كلّ ذلك حدث، وصدق الله العظيم، ولم يبقَ لنا إلّا الجزء الأخير من الآية الأخيرة؛ أن يأتي الحق ويظهر أمر الله وهم كارهون.
فالحمد لله، أنّ المقاومة وحدها.
ارسال التعليق