ماذا وراء التراشق الإعلامي بين القاهرة والسعودية
"رغم التزام السلطات في القاهرة والسعودية الصمت إلى حد كبير، إلا أن المعركة الإعلامية الجارية يُنظر إليها على أنها حرب بالوكالة بين الحكومتين".. هكذا وصف، علي باكير، الباحث بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر، التراشق بين إعلاميين مقربين من السلطات المصرية والسعودية، على خلفية طلبات القاهرة المستمرة بالحصول على دعم نقدي، وتغيير سياسة المساعدات المالية التي تنتهجها الرياض.
وذكر باكير، في تحليل نشره بموقع "ميدل إيست آي"، أن الحرب الإعلامية اندلعت بعد أيام من إعلان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن المملكة لن تقدم منحًا غير مشروطة مجددا، ورغم أنه لم يذكر دولة معينة، إلا أن كلماته تم تداولها على أنها موجهة مصر على وجه الخصوص.
وعزز غياب ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان عن قمة يناير/كانون الثاني الماضي في أبو ظبي، التي حضرها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، التصور بأن الرسالة كانت موجهة إلى المؤسسة العسكرية المصرية.
ولم تكن هذه القمة الأخيرة الوحيدة التي غاب عنها بن سلمان، فقد غاب أيضا عن اجتماع العلمين في مصر في أغسطس/آب الماضي، والذي ضم رؤساء دول من الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
ويرجع باكير التوترات الأخيرة بين مصر والسعودية إلى اتفاقية العلا لعام 2021، التي أنهت أزمة الخليج التي استمرت 4 سنوات.
ففي ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الصفقة على أنها تفاهم ثنائي بين الرياض والدوحة، إذ لم تتم استشارة أطراف النزاع الأخرى، بما في ذلك مصر، ولم يحضر السيسي قمة العلا.
وبعد الاتفاق، بدأت الدول المحاصرة لقطر (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) في رسم مسارات سياستها الخارجية بشكل منفرد، وتُركت مصر بمفردها، واضطرت إلى إجراء ترتيباتها الخاصة مع قطر لتطبيع العلاقات مع الدولة الخليجية الغنية بالغاز.
وكان السيسي يأمل في أن يجلب هذا دعمًا ماليًا جديدًا، وبينما كان هذا بالضبط ما حدث، اتضح أن أزمته التي صنعها بنفسه كانت أكبر بكثير مما يمكن لدولة واحدة، أو حتى حفنة من دول الخليج، التعامل معها بمفردها.
فالأزمة الاقتصادية في مصر دفعت الحكومة إلى طرح بيع أصول الدولة إلى السعودية والإمارات، غير أن الرياض تطالب بإصلاحات ملموسة، وهي دعوة لقيت تحفظا من السيسي والمؤسسة العسكرية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقل تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين أن مصر أوقفت تنفيذ صفقة لتسليم جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر (تيران وصنافير) إلى السعودية، قبل أسبوع واحد فقط من الموعد النهائي المحدد.
وعارض كثير من المصريين، بمن فيهم شخصيات عسكرية وسياسية بارزة، نقل الجزيرتين، واعتبروه تنازلا عن الحقوق السيادية لمصر مقابل دعم مالي من السعودية.
وهنا يشير باكير إلى عامل آخر للخلاف المصري السعودي، وهو التنافس الإقليمي الجديد بين الرياض وأبوظبي، فعلى الرغم من كل الدعم الذي قدمته السعودية للسيسي، إلا أنه يبدو أقرب إلى الإماراتيين منه إلى السعوديين.
ويدعم حساب تويتر الخاص بالأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله هذا التصور، إذ كتب مغردا، وسط الحرب الإعلامية بين الرياض والقاهرة: "محور الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) أنهى دوره وأصبح جزءًا من الماضي"، مضيفًا أن قمة أبو ظبي الأخيرة "وضعت أسس محور عربي جديد".
وفي الشهر الماضي، استضافت الإمارات السيسي مرة أخرى في القمة العالمية للحكومات 2023، حيث خص الرئيس المصري الإشادة بالإماراتيين لدعمهم المبكر خلال صعوده إلى السلطة في عام 2013، وبرر الوضع الحالي للاقتصاد المصري بأنه يواجه تحديات على عدة مستويات، دون ذكر الفساد وحقيقة سيطرة المؤسسة العسكرية.
ورغم أن السيسي لم يذكر الرياض أو محمد بن سلمان، إلا أنه أرجع التوترات الأخيرة (مع السعودية) إلى "كتاب متحيزين ووسائل التواصل الاجتماعي"، وحذر من السماح لذلك بالتأثير على "العلاقات الأخوية".
وبينما يبدو ذلك احتواء للحرب الإعلامية في الوقت الحالي، إلا أن التوتر بين الرياض والقاهرة لا يزال يمثل مشكلة مستمرة.
ويستبعد باكير أن تختفي أزمة مصر بشكل تلقائي، خاصة في ظل غياب الإصلاحات الجذرية، مشيرا إلى أن بعض المراقبين لا يزالون يعتقدون أن السعوديين سيضطرون في النهاية إلى دعم نظام السيسي ماليًا لسببين، الأول: أنه إذا انهار النظام العسكري في مصر، فعلى الأرجح سيكون الإسلاميون البديل مرة أخرى، وهو ما لا تريده المملكة.
والثاني: أنه إذا انهار النظام العسكري في مصر، فقد تنزلق مصر نحو الفوضى، ما سيكون خطيرًا على السعودية، وبالطبع على إسرائيل والولايات المتحدة.
وإزاء ذلك، ستنتهي السعودية، بحسب هكذا ترجيح، إلى تمويل النظام العسكري في مصر خوفًا من انهياره، أو ستدفعها إسرائيل والولايات المتحدة للقيام بذلك، حسب قول باكير.
ارسال التعليق