مسؤولية النظام في حصول جريمة الاحساء
بسم الله الرحمن الرحيم
الإرهاب التكفيري يضرب مجدداً في الأحساء ومسؤولية آل سعود
الهجوم الذي تعرض له مسجد الإمام الرضا (ع) في حي محاسن بالاحساء يوم الجمعة الماضية 29/1/2016، هو الخامس من نوعه، الذي تتعرض له المساجد في المنطقة الشرقية_بالاضافة الى مسجد الطائفة الاسماعيلية بنجران_ من قبل الدواعش والتكفيريين السعوديين. ويقول شهود عيان، لولا بسالة وتضحية لجان الحماية الشعبية، التي شكلها الأهالي بعد التفجيرات السابقة، لكانت حصيلة الضحايا كارثية، نظراً للأعداد الكبيرة في المسجد، من المصلين، حيث يتسع لخمس مائة مصلي، ويقول شهود عيان أيضاً، أن ثلاثة مسلحين هاجموا المسجد وبدأوا بإطلاق النار، وحاول الأول اقتحام الباب، لكن لجان الحماية أقفلته، ففجر نفسه أمام الباب خارج المسجد، أما المهاجم الثاني فبسبب انقطاع التيار الكهربائي، تمكن عناصر اللجان الشعبية من القبض عليه وتجريده من سلاحه،ومن حزام المتفجرات الذي كان يلبسه، ومن ثم تسليمه إلى قوى الأمن السعودية، فيما فرّ المهاجم الثالث هارباً، وهذه الرواية تختلف عن رواية وزارة الداخلية السعودية، التي نسبت إلقاء القبض على المهاجم الثاني، والتصدي للأول لقوى الأمن، التي يؤكد أغلب الشهود ، أنهم فروا من شارع المسجد بعد سماعهم إطلاق نار المهاجمين باتجاه المسجد.وكما في المرات السابقة،سارعت صحف النظام ومحللوه، إضافة إلى المحللين الذين يعملون لحساب النظام السعودي من خارج الدائرة السعودية،سارعوا إلى اتهام جهات خارجية بأنها وراء دفع المهاجمين للقيام بهذه التفجيرات للانتقام من المملكة بحسب زعمهم!!
بيد أن قيام المهاجمين الذين قالت صحيفة عكاظ السعودية، أنهم من داعش، بهذه الجريمة، أثار الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى أجوبة، منها، كيف استطاع المهاجمون الثلاثة اختراق قوى الأمن التي كانت منتشرة في شارع المسجد خوفاً من حصول مظاهرات أو احتجاجات؟ ولماذا لم تبادر هذه الأجهزة إلى قتل هؤلاء المهاجمين ومنعهم من الوصول إلى المسجد ؟ ولماذا فرت عناصر هذه الأجهزة مع أول اطلاقة رصاص للمهاجمين؟ ولماذا تتكرر هذه الهجمات في المنطقة الشرقية؟ ولماذا لم تتخذ السلطة العبرة والدرس وتعزز الحماية للمساجد والحسينيات في تلك المنطقة وغيرها؟ تساؤلات كثيرة ترد في هذا المجال، عدم الإجابة عليها،يثير علامات استفهام كثيرة، ويثير الكثير من الغموض حول مثل هذه الهجمات ومن يقف ورائها...
من يقف وراء الهجوم ؟
كما أشرنا فيما تقدم، أن مصادر النظام السعودي ومحلليه اتهموا جهات خارجية بأنها تقف وراء هذا الهجوم، فصحيفة عكاظ السعودية قالت بعد يوم من الجريمة ونقلاً عن مصادر سعودية لم تسمها، قولها أي تلك المصادر السعودية، ((إن منفذي الأعمال الإرهابية تلقوا تعليمات من جهات خارجية تعمل على تجنيدهم لتنفيذ مخططات إرهابية تستهدف المواطنين ورجال الأمن ومحاولة زرع بذور الفتنة بين المواطنين)).
كاتب الصحيفة المذكورة،هاني الظاهري حاول الإشارة من بعيد إلى هذه الأطراف الخارجية بإطلاق مزاعم وإلصاقها بهذه الأطراف بالقول ((إن الهجوم الإرهابي ليس سوى محاولة جديدة ويائسة ضمن سلسلة محاولات شياطين الطائفية في الداخل والخارج، لجلب قبس من نار الحروب الأهلية الدائرة في العراق وسوريا إلى العمق السعودي، وهو يأتي استكمالاً لمشروعهم العتيق الهادف إلى ضرب اللحمة الوطنية، وتفجير الوضع الداخلي لإلحاق الرياض ببقية العواصم المنهارة في المنطقة، مشدداً على انه ليس سراً بأن هناك قوى دولية شيطانية تعمل بجدية واستماتة منذ عقود، لإدخال السعودية في براثن حرب أهلية طاحنة)) بحسب ادعاءات ومزاعم هذا الكاتب، وللإشارة فأن هذه الادعاءات والمزاعم تتحول إلى حقائق إذا نسبناها إلى ممارسات النظام السعودي بإقرار المصادر الغربية، الإعلامية منها والسياسية.
على أي حال،جاءت بقية تحليلات محللي السعودية في هذا الاتجاه، ولعل القارئ الكريم تابع بعضها وهي كثيرة متوفرة، وبعضها أشار إلى هذه الأطراف الخارجية بشكل يعتبر استخفافاً بعقل القارئ والمتابع، واستخفافاً أيضاً بالرأي العام، بشكل عام.
بالطبع حاول هؤلاء المحللون تعزيز تحليلاتهم القائلة بمسؤولية الطرف الخارجي بالأدلة التالية...
· إثارة الفتنة الطائفية في المملكة السعودية، وقد أشرنا إلى ما ذكره كاتب صحيفة عكاظ في هذا الإطار..وتبعه في ذلك كتاب سعوديون وعرب محسوبون على النظام.
· إرباك النظام السعودي وإشغاله عن الاهتمام بقضايا المنطقة وأزماتها، مثل الأزمة السورية، وما يجري في العراق، وفي اليمن، حيث يقول السعوديون وحلفاؤهم أن السلطات السعودية تقوم بدور نشط في هذه الأزمات لما يسمونه حماية المنطقة وتحصينها من التدخلات الأجنبية في إشارة إلى ما يسمونه التمدد الإيراني في المنطقة
·ذهب السعوديون أيضا، إلى أن استهداف المساجد في السعودية، يشكل حلقة من الفوضى الخلاقة، لاستهداف الاستقرار السعودي بحسب مزاعمهم، فوزير الخارجية المصري الأسبق محمد العربي، اتهم تنظيم داعش بأنه يقف وراء تفجير مسجد الإمام الرضا (ع) بالاحساء وحذر من أن التنظيم يريد إنهاك المنطقة في حروب مذهبية وطائفية من أجل أن يستعيد قوته بعد أن أصابه الضعف خلال الفترة الماضية، وقال، إن الجميع حذر من إدخال منطقة الخليج في صراع مذهبي بين السنة والشيعة، والتفجير الإرهابي الذي شهدته المملكة الجمعة، يأتي ضمن الصراع القائم في الوقت الحالي لإثارة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط. وشاطر محمد العربي، المحلل صبرا القاسمي مؤسس الجبهة الوسطية بالتحذير من أن داعش صنيعة أمريكية تستخدمها أمريكا في إثارة الفوضى في المنطقة العربية على وجه العموم، والخليج على وجه الخصوص،بحسب قوله.
لنفترض أن هذه الرواية صحيحة ونسلم بها وبادلتها، فذلك ما يقودنا إلى ما يلي:
· إن الأجهزة الأمنية السعودية تتحمل مسؤولية التقصير في حماية المواطنين في المنطقة الشرقية، لأنهم يشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيج الشعب في المملكة، وبالتالي انه يمكن القول إن النظام السعودي رغم تبجحات وزير داخليته محمد بن نايف بكفاءة أجهزته الأمنية، يمكن القول إن النظام اخفق في حماية مواطنيه من ضربات الإرهاب التكفيري.
· وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني، أن أجهزة محمد بن نايف هشة ومخترقة وضعيفة ولا تستحق الوجود والأموال الطائلة التي تصرف عليها، ويحرم المواطن من هذه الأموال، حيث يعيش الكثير من المواطنين في بيوت من الصفيح في اكثر من منطقة، والى ذلك فأن هذه الهشاشة تؤكد زيف المزاعم السعودية التي تقول أن أجهزتها الأمنية وجهت ضربات للتكفيريين في السعودية واعتقلت المئات من خلاياهم النائمة.
· وبسبب هشاشة أجهزة النظام السعودي، واختراقها من أجهزة مخابرات أخرى توظف التكفيريين والإرهابيين في أجندتها، فإن السعودية باتت عرضة لإثارة الفتنة المذهبية والطائفية التي يقف وراء محاولات إثارتها حلفاء النظام السعودي، وهم الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، ومادام الأمر كذلك، فإن النظام السعودي، والسعودية سيظلان في دائرة الاستهداف، والخطر الداهم، في ظل إصرار الأمريكي والصهيوني على إثارة الفتنة الطائفية ونشر الفوضى الخلاقة في هذا البلد، وفي المنطقة عموما.
على أن البعض من المحللين لم يقتنع بهذه الرواية، ويتهم النظام السعودي بأنه يقف وراءها، أو تقصّد غض الطرف، عمّن قام بها، وأيضا يعزز هؤلاء المحللين رؤيتهم بأدلة منها ما يلي:
· إن النظام السعودي، تعرض خلال الفترة الأخيرة، لحملة انتقاد واتهام بدعم ونشر الإرهاب التكفيري في المنطقة، وبتفريخ هؤلاء الإرهابيين، من قبل الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، حملة غير مسبوقة، من حيث الشدة والاتساع، أنها حملت تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، على إنكار وجود الفكر الوهابي التكفيري في السعودية، فمن أجل التخلص من إحراج هذه الحملة الغربية، قام النظام أو دعم مخابرات دولية للقيام بهذه الجريمة، من أجل الإيحاء بأن النظام السعودي، هو ضحية الإرهاب وهو مستهدف.ذلك وصولاً إلى محاولة إقناع الأوساط الغربية بالكف أو التقليل من هذه الحملة، لان النظام السعودي بات قلقاً من الاستحقاقات القانونية لهذه الاتهامات، ومن مؤشراتها في تغير نظرة الأوساط الغربية من النظام السعودي، حيث كانت تتستر على جرائمه بسبب الأموال التي كان ينفقها على هذه الأوساط لإسكات أصواتها، فيما اليوم النظام بات غير قادر على تغطية هذه الاتاوات بسبب وضعه الاقتصادي الذي يشهد انحداراً، بسبب عدوانه الهمجي والبربري على اليمن.
· البعض يقولون إن هذه الجريمة تعبير عن الصراع بين بن نايف وبن سلمان على السلطة،ويرى هذا البعض من المحللين، أن إقدام بن نايف على إعدام الشهيد آية الله الشيخ باقر النمر، إنما يهدف توجيه رسالة إلى الأسياد الاميركان والصهاينة بأنه الرجل الصارم والحاسم في تنفيذ الأجندات الأمريكية والصهيونية في المنطقة وفي السعودية، بينما جريمة مسجد الاحساء، والجرائم التي سبقتها، جاءت لإثبات هشاشة الأجهزة الأمنية التي يترأسها بن نايف! وفي هذه السياق يقول الكاتب اللبناني حسين عبد الله في صحيفة الأخبار اللبنانية يوم الاثنين 1/2/2016 في مقالته تحت عنوان الصراع الدموي بين ولاة العهد في السعودية ((لم يكن مستغرباً أن تلاحظ شبكة ال(أن بي سي) الأمريكية في تقرير بثته السبت الماضي (23كانون الثاني) أن التنافس على السلطة بين وليّي عهد السعودية وزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الدفاع محمد بن سلمان، جعل كل منهما يتبع سياسة داخلية وخارجية شديدة العدوانية لإثبات كفاءته، ما أثر بشكل بالغ على سجل حقوق الإنسان داخل البلاد وفي دول الخليج الأخرى التابعة لها..وتقدم الشبكة الأمريكية أمثلة على السياسة العدوانية المتّبعة، كوقوف محمد بن سلمان وراء قرار شن الحرب على اليمن، وان محمد بن نايف هو الذي دفع باتجاه تنفيذ حكم إعدام الشيخ نمر النمر،في الثاني من شهر كانون الثاني)).
· محاولة ترهيب الشعب في المملكة سيما في مناطقها الشرقية، فهذه المناطق شهدت تحركاً واحتجاجات واسعة بعد اقتراف النظام السعودي لجريمة اعدام العشرات من المواطنين دون محاكمات عادلة، بمعنى أن الجريمة محاولة لإشغال الشعب في المملكة بالعدو الداخلي- أي الإرهاب التكفيري _ وحرمانه أي الشعب، من التركيز على مواجهة السلطات السعودية والتصدي لظلمها وتنكيلها بالمواطنين وقمعها لهم.
وإذا سلمنا بهذه التحليل، فهذا يعني جملة أمور في غاية الخطورة. منها ما يلي :
· يتنافس أمراء آل سعود على السلطة،ويحاولون إثبات كفاءاتهم السياسية لأسيادهم، على حساب قتل مواطنيهم وإعدام بعض رموزهم البارزة مثل الشهيد الشيخ النمر، وذلك يؤكد مدى استخفاف واستهتار آل سعود بحياة مواطنيهم واستقرارهم وعدم اكتراثهم لهذا الحيف والظلم الذي يمارسونه بحقهم،ثم استهتارهم بحقوق هؤلاء المواطنين التي كفلها الدين الإسلامي وكذلك المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، ومنها شرعة حقوق الإنسان العالمية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأمير طلال بن عبد العزيز، كان قد اعتبر المملكة شركة يديرها آل سعود، والشعب مجرد عمال في هذه الشركة، أي أن أبناء هذا الشعب لا قيمة لهم ولحياتهم ولحقوقهم عند آل سعود وهذا بحد ذاته يشكل كارثة ويكشف ما يعانيه الشعب السعودي من ظلم وجور على أيدي هؤلاء الأمراء.
· إن النظام وأجهزته الأمنية بدلاً من دوره في حماية المواطنين، يستخدمهم كجسر عبور لتحقيق أهدافه بقتلهم وتفجير مساجدهم وإعدام قادتهم وعلمائهم!!
· إن النظام يسمح لحلفائه الأمريكيين والصهاينة استخدام دماء مواطني المملكة لتحقيق أجنداتهم الخبيثة، وهذا يشكل منتهى الخسة والانحطاط الأخلاقي والقيمي.
وخلاصة القول إن كلا الروايتين تؤكدان مسؤولية هذا النظام عما يتعرض له المواطنون في السعودية من قتل وتفجيرات، ومن تحديات أمنية وأخطار ارهابية.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق