مشاريع أرامكو في الأحساء مسار مثّبت من الظُلم الوظيفي والتغيير الديموغرافي
في الخبر إعلان جديد كاذب عن اكتشافات لاحتياطيات الغاز في ما يحلو للنظام تسميتها بـ"المنطقة الشرقية"ـ تحديدا في حقل الجافورة بالأحساء. ما وراء الخبر، لا ينحصر بجزئية الإعلانات والوعود الكاذبة للنظام الهادفة لغسيل صفحتها بين أبناء الشعب، والإيحاء بأن خير هذه الاكتشافات المزعومة سترتد على أبناء المنطقة وظائف وإنماء وحركة اقتصادية وتجارية، بل هي بالإضافة إلى كل تلك الأوهام المبثوثة من أبواق النظام السعودي تعني حقيقة واضحة لا لبس فيها بالنسبة لأبناء القطيف والأحساء، ألا وهي ترقب مسلسل جديد من سلسلة التهجير والتدمير واحتلال الأراضي.
بتاريخ السابع من مارس/آذار الجاري، قال "رئيس التنقيب والإنتاج في أرمكو السعودية"، ناصر النعيمي، من تفاصيل إعلان أرامكو السعودية عن رفع تقديراتها للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة للغاز غير التقليدي، حيث توصلت أرامكو السعودية إلى أن حقل الجافورة للغاز غير التقليدي يحتوي على احتياطيات مؤكدة تبلغ 15 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام، و2 مليار برميل من المكثفات. وتمّ حساب التقديرات الجديدة باستخدام طريقة جديدة طورتها أرامكو السعودية لحجز احتياطيات النفط الصخري"، وفقا لما جاء في لقاء النعيمي مع العربية نت .
جاءت تصريحات النعيمي بعد أن قال وزير الطاقة السعودي في شهر فبراير/شباط الماضي أن "شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية” تمكَّنت من إضافة كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة غير التقليدي."
وتبعا لهذه الاكتشافات غير المؤكدة، فإن هذه الاحتياطيات الإضافية ستسمح “للسعودية” بأن تصبح دولة طاقة أكثر مراعاة للبيئة، ذلك من خلال تعزيز إمدادات الغاز المحلي لتوليد الطاقة، وبالتالي تقليل الحاجة إلى حرق النفط، وحتى أنها تصبح مصدراً رئيسياً للغاز بحلول عام 2030. وذكرت الوكالة في تقريرها، في 25 شباط من هذا العام ، أن “كميات الموارد في حقل الجافورة أصبحت تُقدّر بحوالي (229) تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، و(75) مليار برميل من المكثفات، حيث صادق على تقديرات الموارد والاحتياطيات المؤكدة لحقل الجافورة شركةُ استشاراتٍ مستقلة كبرى متخصصة في مجال المصادقة على الموارد والاحتياطيات المؤكدة”.
من جهته، اعتبر الحقوقي طه الحاجي، أن "السعودية تدّعي في مشروعها المعلن خدمته للمنطقة وأن مردوده يعود للوطن، سيّما مناطق الأحساء باعتبارها، وفق زعمهم، ستستقطب الشركات وتؤدي لتنمية المنطقة وتؤمن الوظائف لأبناء المنطقة. لكن التجارب السابقة توضح وتبيّن شكل الاستفادة التي حصلت عليها الأحساء من مشاريع الاستثمار النفطي . سواء أكانت من تجفيف المياه الجوفية للضخ في عمليات التنقيب والحفر أو في تلويث المنطقة وكثافة الدخان الناتج عن عمليات التكرير وانعكاساته الصحية ".
ولفت المحامي الحاجي إلى أن "النظام السعودي ادعى على مرّ السنين، بأن مشاريع الاسثمار النفطي ستفتح الباب واسعا أمام التوظيف. الأمر الذي لم يتم فعليا، بالنظر إلى مشاريع أرامكو السابقة في المنطقة، حيث نسبة توظيف أبناء المنطقة قليلة جدا مقارنة بنسب التوظيف من خارج منطقة الأحساء والقطيف والمناصب الأهم والقيادية التي تولى لهم، وذلك على الرغم من وجود الكفاءات المناسبة لها من داخل المنطقة ".
وأضاف الحقوقي في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن أي مشروع اقتصادي ضخم في "السعودية" سيكون مردوده كبير أيضا، لكن المشكلة في الاستفادة الحقيقية لأبناء المنطقة، وعدم توزيع الثروة على كافة المناطق، سيّما تلك المعرضة للضرر المباشر من عمليات الحفر وضرورة تعويضها".
وأشار إلى أن أشكال الضرر لا تتوقف فقط عند التلوث البيئي وانعكاساته الصحية، بل حتى على مستوى إقفال الطرقات وتعطيل حركة الناس في المنطقة. ونوّه إلى أنه " غالبا مع بداية الاستخراج، لا تكون الكمية المنتجة مرتفعة. ومن المطلوب أن يتم الاحتفاظ بالثروة النفطية والغازية للأجيال القادمة، وأن لا ينحصر المردود بفئة معينة وأن لا يخضع لحسابات سياسية، بل أن يوزع على الجميع دون احتكارها لغرض تغيير التركيبة الديموغرافية في منطقة معينة" .
وكان النعيمي في تصريحه للعربية نت، قد أوغل في تفنيد الأساليب المنهحية المعتمدة في التقييم الجديد، مدّعيا أنها نتيجة "عملية واسعة النظاق لخفض المخاطر على مدى 10 سنوات". وأكد أنهم عازمون على زيادة الإنتاج من 200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا في عام 2025 وصولًا إلى معدل مبيعات مستدام للغاز يبلغ ملياري قدم مكعبة قياسية يوميًا بحلول عام 2030.
أمام هذا "الدجل" السياسي والأخلاقي، قدم سيمون واتكينز، صحفي المال ومؤلف الكتب الأكثر مبيعا، في موقع أويل برايس، تفنيداً لأبرز محطات إعلان آرامكو عن اكتشافات احتياطية جديدة. مشكّكا بحقيقة هذه الاكتشافات سيّما أنها تتكرر في ظلّ تراجع للظروف الجيوسياسية للبلاد.
ويضيف الكاتب في معادلات حسابية، أنه في نفس الوقت الذي تم فيه الإعلان عن هذه الزيادات، كانت البلاد تستخرج ما معدله 8.162 مليون برميل يوميا. لذلك، وعلى الرغم من أنه ومنذ عام 1990 حتى عام 2017 فإن إجمالي كمية النفط الخام المستخرج بشكل دائم بلغ 80.43 مليار برميل، ومع عدم وجود اكتشافات نفطية جديدة، فقد ارتفع الرقم الرسمي لاحتياطيات النفط الخام في السعودية بمقدار 98.5 مليار برميل!
وفي سياق توضيحه ضعف ادعاءات السعودية أن حقل اكتشافات حقل “الجافورة” ستساهم في جعل البلاد منتجًا للطاقة أكثر مراعاة للبيئة. وبالعودة إلى عام 2020، عندما انخفض الحد الأقصى العالمي للكبريت الذي حددته المنظمة البحرية الدولية، ومن أجل الامتثال لهذه التنبيهات، وفي خطوة مراوغة منها، أعلنت السعودية أن أرامكو ستتوقف عن إنتاج زيت الوقود بالكامل في مصافيها خلال السنوات الخمس التالية. ولكن، وفقًا لأحد كبار محللي صناعة النفط، قامت بدلا من ذلك من زيادة وارداتها منه، الأمر الذي ألغى أي فوائد محتملة من التخلص من إنتاجها من زيت الوقود.
وأما حول توضيح واتكينز لسبب ضعف رواية السعودية أنها يمكن أن اكتشافات الجافورة المؤخرة ستمكّن السعودية من أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للغاز بحلول عام 2030، يستخلص الكاتب بعد حسابات رياضية، أن إجمالي كمية الغاز الجديدة المتوقعة من الجافورة بحلول عام 2030 تبلغ حوالي 334 ألف برميل يوميًا، وهو ما لا يكفي لتغطية الكمية الحالية من النفط – البالغة 500 ألف برميل يوميًا – التي يتم حرقها لتوليد الطاقة في البلاد، ناهيك عن أي شيء آخر كزيادة الطلب من الآن وحتى عام 2030.
وجه جديد لاستيلاء النظام:
إعلان النظام السعودي الأخير، والتشكيك بمدى صدقيته لناحية تكرار "الهمروجة" الإعلامية كل فترة، دون أن يكون هناك نتائج ملموسة على مستوى انخفاض معدل البطالة في البلاد، وتوظيف أهالي المنطقة، يجعل الإكتشاف المزمع فارغ إلّا من مضامين مسعى النظام الدائم لتفريغ هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية من أهلها، بالإضافة إلى تعريض المقيمين في المساحات غير المسمولة بالتهجير إلى مخاطر صحية جراء الانبعاثات الناتجة عن استخراجه.
يذكر أنه في العام 2022 بدأ النظام السعودي بتطوير حقل الغاوز الطبيعي في "الجافورة" في الأحساء. وكان الحقل قد أعلن عنه في العام 2014. ليدخل المشروع ضمن مروحة المشاريع الاستيلائية والاحتلالية لمنطقة القطيف والأحساء، حيث حقول الغاز وآبار النفط والمقرات السكنية والشركات الصناعية الضخمة يتم إدارتها من قبل النظام السعودي مباشرةً، في ظل استبعاد كلي للسكان الأصليين من أهالي المنطقة ذوي الخبرات والكفاءات العلمية المتخصصة، وعبر سيطرة وتغليب نجدي خصوصاً على المستوى الإداري، كضمانة لعدم تمكين أهالي المنطقة من إدارة شؤنهم المحلية والتمتع بثرواتهم.. استيلاء نجدي يضمن تقاسم عائدات هذه الحقول على أفراد آل سعود وحواشيهم بشكلٍ أساسي، في حين يُستبعد أبناء الإقليم من الوظائف والمراكز العليا في المؤسسات والشركات التي تستثمر في خيرات منطقتهم. بدأ تطوير السلطة النجدية السعودية حقل الغاز الطبيعي “الجافورة” في الأحساء بالتزامن مع إعلان شركة “أرامكو” أن حجمه في حال اكتمال تطويره قد يصل إلى 2.2 تريليون قدم مكعب بحلول عام 2036، ليحقّق بذلك دخلاً صافياً يُقدّر بقيمة 8.6 مليار دولار سنوياً.
هذه الحقول والمقرّات الصناعية والسكنية أُنشئت في إقليم الأحساء والقطيف المنطقة الشيعية التي تتمركز فيها ثروات البلاد من الغاز والنفط وقد استحوذ عليها العاهل السعودي عبد العزيز بن عبد الرحمن عام 1332هـ (1913م)، مع تأسيسه للدولة “السعودية” الثالثة بعدما دخلتها جيوشه وتمركزت فيها على طريقة الغزو والإحتلال. ومع ذلك، فإن أطماع آل سعود في إقليم الأحساء والقطيف نظراً لما تحتويه من ثروات هائلة، تدفعهم دائماً للتمدّد في هذه المنطقة ولو كان عبر إقصاء سكانها، فقد أصدر العاهل السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز مرسوماً ملكياً في 2018 يقضي بنقل سكان هجرتي العضيلية وخريص التابعتين للمنطقة إلى قرى ومدنٍ قريبة وزعم أنه سيتم تعويض السكان من قبل شركة “أرامكو” لاحقاً. هذا فضلاً عن تشويه السلطات السعودية لمعالم المنطقة التراثية والبيئية من خلال عمليات ردم أجزاء من البحر وتدمير مساحات شاسعة من المزارع والبساتين وهدم المواقع الأثرية والتاريخية. إذاً، هي سلسلة متواصلة تستهدف أهالي القطيف والأحساء، وتأتي، هذه المرة، عبر وزارة الطاقة. وسبقها إجراءات تهجير استهدفت السكان على امتداد “شارع الثورة” بتجريف عشرات الأحياء المطلة عليه، وصولا إلى البحاري والقديح وأم الحمام والجارودية ولا تزال جرافات آل سعود تواصل زحفها على المدن والقرى في مختلف الاتجاهات مخلفة وراءها ركام البيوت المهدمة في مشهد لا نشهده سوى في أعقاب الزلازل المدمرة!
ارسال التعليق