معتقل منذ 22 عاما .. لأنّه فضحهم وأحرج علماءهم!
قبل أكثر من 4 سنوات من الآن، وبعد تغييبه لأكثر من عشرين سنة في معتقلات “آل سعود”، قرّرت وزارة الداخلية السعودية إخراج الشيخ وليد السناني في مقابلة مسجّلة مع الإعلامي الموالي للسلطة داود الشريان، لتبرير إيقافه وتعذيبه، بعد أن أظهرته في ثوب “الإرهابي” الخارج عن طاعة ولي الأمر الشرعي.
يعتبر وليد السناني ابن مدينة عنيزة والمولود عام 1965، أبرز المعتقلين السياسيين القدامى في السعودية، فبالرغم من كونه ثاني أقدم معتقل سياسي في المملكة، بعد سعود القحطاني المعتقل منذ نحو 27 سنة، إلا أن السناني الذي يمكث في سجن الحاير السياسي بالرياض منذ عام 1995 ذاع صيته على الساحة السعودية، لعدة أسباب.
أزمة الخليج نقطة التحوّل
قبل أزمة الخليج عام 1990، كان الشيخ وليد السناني يؤمن بشرعية الدولة السعودية ويدافع عن ذلك بحماس إلى أن حصلت أزمة الخليج واستعانت المملكة بنصف مليون جندي أمريكي على أرض جزيرة العرب بفتوى رسمية من هيئة كبار العلماء فوجد نفسه أمام حرج شديد كونه تتلمذ على رسائل “الولاء والبراء” لأئمة الدعوة النجدية.
وبالعودة إلى حادثة اعتقال السناني، فإن تاريخ توقيفه جاء متأخرا بالنسبة لفتاويه التي تعتبر السبب الرئيسي لاعتقاله، فبعد التدخل الأمريكي في حرب الخليج مطلع تسعينات القرن الماضي، اعترض عدد من علماء السعودية على مشاركة الجيش السعودي في الحرب، رفقة الأمريكان، وتصدر الشيخ السناني المشهد حينها بثلاث فتاوى مدوية، حيث أفتى بحرمة مشاركة الجنود في حرب العراق، لمساندتها دولة “كافرة” يقصد أمريكا، ضد العراق.
كما أفتى السناني بعد الحرب بحرمة تأدية التحية العسكرية للضباط، وختم فتاويه النارية حينها بأن المملكة العربية السعودية دولة غير شرعية.
فتاوى السناني في ذلك الوقت وبالرغم من كونها لم تنتشر إعلاميا، أو توزع عن طريق منشورات، وإنما اقتصرت آراؤه على المجالس المغلقة فقط، إلا أنها مقارنة بسياسة تكميم الأفواه التي كانت تنتهجها السعودية، اعتبرت خروجا صريحا على الدولة.
بين السناني وابن عثيمين
وبحسب مقربين من السناني، فإن الشيخ محمد بن عثيمين أرسل طلبا لمقابلة السناني عن طريق شقيقه، واستجاب الداعية الشاب حينها لطلب العلامة محمد بن عثيمين، وسافر من الرياض إلى القصيم مسافة 350 كم، إلا أن ابن عثيمين لم يفلح في تحييد السناني عن آرائه، وتقول بعض المصادر إن ابن عثيمين أقر للسناني بأنه على حق في مجمل ما قال وفُهم منه أنه يؤيده لولا خوفه من الفتنة.
انتشر خبر هذه المقابلة بين طلبة الشيخ ابن عثيمين ثم تعداهم إلى دوائر أوسع، فأدركت وزارة الداخلية أنها إن لم تعتقل وليد السناني فسوف يؤثر على عدد كبير من طلبة العلم ويغير كثيرا من القناعات، فقررت اعتقاله منتصف سنة 1995.
يشار هنا إلى أن الشيح وليد السناني اعتقل قبل ظهور تنظيم القاعدة بسنوات فضلا عن الأحداث المنسوبة لها في المملكة، ولم يكن له قبل اعتقاله صلة بأي من التنظيمات الجهادية أو السلمية.
سلسلة من المحاكمات
أُخِذ الشيخ وليد السناني للمحكمة الكبرى في الرياض وحاول القاضي أن يجد مخرجا يرضي الدولة وفي نفس الوقت يخفف عن الشيخ فتكفل القاضي للشيخ وليد بأن ينقل ملاحظاته للدولة بشرط أن يكف الشيخ وليد عن الحديث عنها فرفض الشيخ رفضا باتا وأخبر القاضي أنه لا يسعه الكتمان، وكان عند القاضي شي من الورع فتخلص من القضية بدون حكم.
بعد أن رفض الشيخ وليد عرض القاضي عوقب بعزل كامل عن العالم من سنة 2002 إلى سنة 2009 ومنعت عنه الزيارات والاتصالات والتشميس وكل وسائل الإعلام من جرائد وصودر منه جهاز مذياع أهداه له الشيخ سلمان العودة فكان ذلك بمثابة عزل حقيقي عن العالم. ولم يخبر خلال هذه الفترة بأي خبر سوى وفاة والده واعتقال أبنائه.
خلال هذه الفترة وكردّ على إصراره على عدم شرعية الدولة السعودية، كلفت وزارة الداخلية مجموعة من المشايخ بينهم أعضاء هيئة كبار العلماء بالإفتاء بوجوب قتل الشيخ وليد بصفته يحمل الفكر الخارجي، وبعد أن أعدت الفتوى تقدم المدعي العام من جديد للمحكمة مطالبا بقتل الشيخ فكان رد الشيخ أن قتله شرف له ومرحبا بالشهادة في سبيل قول كلمة الحق فتراجعت الداخلية عن القتل خوفا من أن يؤدي ذلك لمفعول معاكس.
بعد أن فشلت وزارة الداخلية في تخويف “السناني” وإجباره على التراجع عن مواقفه، قررت تحاشي عقوبة القتل وإصدار حكم قضائي بسجنه مدة طويلة عسى ولعل أن يمل ويتراجع، فشكّلت لجنة من ثلاث قضاة اختارتهم بعناية فحكموا بسجنه 15 سنة دون أن يعقدوا جلسة شرعية حقيقية يحضر فيها، بمعنى أنه حكم غيابيا رغم وجوده في السجن، كل ذلك خوفا من أن يحاجج القضاة ويحرجهم، لكنّ “السناني” تعامل مع هذا الحكم كما لو لم يصدر لأنه مصر على موقفه بهذا الحكم وبدونه.
عزل انفرادي ومنع من الزيارة
ووفقا لأبناء السناني، فإن والدهم يعانى من العزل الانفرادي منذ دخوله السجن إلى الآن، كما منع ذويه من زيارته مدة 7 سنوات، مع تعرضه لضغوطات عديدة، ويعتبر اعتقال أبنائه، وأبناء أشقائه وسيلة ضغط كبيرة عليه، للتراجع عن آرائه، ولا يزال نجله إبراهيم في سجن الحاير منذ 11 عاما، بعد اعتقاله وهو يبلغ من العمر 15 عاما فقط، بالإضافة إلى توقيف 4 من أبناء شقيقه أحمد، حيث يقضى أسامة أحمد السناني عامه العاشر في التوقيف، رفقة 3 من أشقائه مضى على توقيفهم قرابة العامين.
وفي 6 نوفمبر 2013، ظهر الشيخ وليد السناني من داخل السجن في حوار مع برنامج “الثامنة” الذي يقدّمه داود الشريان على قناة “إم بي سي”، وقد وجهت انتقادات عديدة من قبل عدد من الحقوقيين لهذا اللقاء، وكانت الحلقة قد سجلت في شهر رمضان من العام نفسه ولكن بثّت بعدها بشهرين.
وخلال الحوار الذي هزّ الرأي العام السعودي، ذكر “السناني” أنه مجبر على تسجيل هذا اللقاء مما دعا أبناءه لرفع قضية على الشريان بحجة خرقه القوانين، التي تنص على وجوب موافقة المحامي قبل أي عمل صحفي سيجرى مع موكله.
واعتبر أبناء السناني بأن الخطوة التي أقدم عليها الشريان، كانت بالتنسيق الكامل مع جهاز المباحث، حيث أن والدهم مغيب عن العالم الخارجي 19 عاما، فهو يجهل حيل الإعلام، على حد قولهم.
وبرز اسم السناني مجددا في الحملة التي أطلقها متضامنون مع المعتقلين، تمثلت في إلصاق طوابع على جوانب الطرقات، وفي بعض الأماكن الأخرى، حيث تمكن بعض المتضامنين مع قضية المعتقلين في تغيير اسم طريق القناة ببريدة، إلى طريق المعتقل وليد السناني.
يذكر أن تقارير حقوقية دولية، كانت قد كشفت أن آلاف السجناء السياسيين في السعودية يعانون أوضاعاً مأساوية داخل السجون، كما وجّهت الولايات المتّحدة الأمريكية من خلال التقرير السنوي الذي تصدره حول حقوق الإنسان في العالم، انتقادات شديدة للرياض بخصوص التضييق على حرية التعبير والاعتقالات التي يتعرض لها الحقوقيون، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة والممارسات غير الإنسانية داخل السجون.
بقلم : شمس الدين النقاز
ارسال التعليق