مفاوضات الكويت....ومأزق السعودية ومرتزقتها اليمنيين
عبدالعزيز المكي
هذا وظل وفد الرياض، يدور في اطروحاته المبتسرة لحل الأزمة اليمنية وفي نقاشاته،وفي رؤيته حول أمرين يبدو أنهما، مستحيلا التنفيذ من الطرف الآخر، سيما في ظل جموده العسكري والتفاف الشعب اليمني حول جبهته ومقاتليه واقصد أنصار الله وحلفائهم في المؤتمر الشعبي،والأمران هما: أولا: إصرار الرياض على اعتراف وفد صنعاء بما يسمونه شرعية هادي والسماح له بالعودة إلى صنعاء، وممارسة مهامه هناك، ولو لمدة شهرين فقط وبعد ذلك تتشكل حكومة مشتركة. وكذلك انسحابهم من صنعاء والمدن الأخرى التي دخلوها في تحركهم العسكري قبل شن العدوان السعودي، ذلك بالإضافة إلى إقرار وفد صنعاء بالالتزام بمرجعية ما يسمونه المبادرة الخليجية، والقرار الدولي 2216 ومخرجات الحوار المشترك، وتلك شروط وافق عليها أنصار الله وحلفائهم من أجل تسهيل المفاوضات وفتح الطريق للوصول إلى حل لمأساة الشعب اليمني، لكن وفد الرياض، والرياض من ورائهم، على ما يبدو فهموا هذه التنازلات التي أبداها وفد صنعاء على أنها ضعف وتراجع أمام العدوان ما دفعهم إلى التشدد في المفاوضات واستمرارهم التخندق في دائرة المطالب التفجيرية المشار إليها.
على أن وفد صنعاء أصر على رفض الالتزام بهذه المطالب،لأنها تعني الاستسلام كما قال الناطق باسم الوفد محمد عبد السلام، والذي أضاف أن هذه المطالب تعني أن السعودية وأزلامها يريدون الحصول على ما عجزوا عن الحصول عليه في الميدان، وقال إننا طرحنا رؤيتنا على المندوب الأممي ولد الشيخ، بأنه لابد في البداية من تشكيل حكومة توافقية، وتسلم الأسلحة إلى هذه الحكومة، التي تولى بدورها إدارة الحوار بين مكونات الشعب اليمني السياسية، وبعد ذلك تجرى انتخابات تشريعية ورئاسية،ويوضع دستور للبلاد يصوت عليه الشعب اليمني، وهذه الرؤية التي تبدو منطقية ومقبولة عقلياً وسياسيا رفضها وفد الرياض، وما يزال يصر على ذهاب هادي إلى صنعاء كما أشرنا قبل قليل، بمعنى أن وفد الرياض يريد تسليم الأسلحة والمعدات الحربية لحكومة هادي، وهذا غير ممكن لأن النظام السعودي وهادي وجوقته هما طرف في الحرب، فلا يمكن أن يكون أحد أطراف الحرب، وفوق ذلك هو الطرف المعتدي، أن يكون الحكم وان يكون الحكُم بيده، فهذا لا تقره الشرائع السماوية ولا الشرائع الإنسانية.
ماذا يعني إصرار السعودية ومرتزقتها على شرعية هادي !؟
يعني مأزق النظام السعودي ومرتزقته اليمنيين، وتفاقم هذا المأزق مع استمرار هذا العدوان، الذي دخل في عامه الثاني.ولتوضيح هذا المأزق، ينبغي الإشارة إلى أن النظام السعودي كان في بداية العدوان يتسلح بما يسميه شرعية الرئيس الفار عبدربه منصور هادي، وبشرعية دولية للعدوان،من خلال بعض قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالأزمة اليمنية...وعلى خلفية هاتين الشرعيتين انطلق النظام السعودي يمارس أبشع ممارسات القوة ضد الشعب اليمني، بالاستفادة من الأسلحة المحرمة دوليا وبارتكاب المذابح المروعة، وبعض الحصار الجوي والبحري والبري على الشعب اليمني وحرمانه من أبسط مستلزمات العيش وعلاج الأمراض وما إلى ذلك...فضلا عن تدمير البنية التحتية لهذا الشعب عن بكرة أبيها....
على انه ورغم كل هذه المأساة،فإن الذي لم يكن يتوقعه النظام السعودي ومن ورائه حماته الاميركان والصهاينة هو صمود الشعب اليمني ومقاومته بأنصاره وجيشه وقبائله وبلحمه ودمه وحرمانه وبجوعه وعطشه وفقدان اعزائه، وتحقيقه هذا الثبات والعدوان، ثبات أذهل الاميركان والغربيين وأذهل حتى أصدقاء الشعب اليمني،ثبات أفشل العدوان لحد الآن، وهو ما ترك انعكاسات وتداعيات في غاية الخطورة على النظام السعودي ومرتزقته، من أمثال هادي ومن لف لفه، ومن هذه الانعكاسات:
تآكل مايسمونه شرعية العدوان الدولية،صحيح ان الأمم المتحدة،وكذلك الدول الغربية والولايات المتحدة،وقفت الى جانب العدوان بتوصيفها أنصارالله بالانقلابيين والمتمردين تارة،وبسكوتها عن العدوان تارة أخرى، وباقرارها بشرعية الرئيس الفار تارة ثالثة،ذلك لأنها، اي الاطراف الدولية، المشار إليها متواطئة مع النظام السعودي وعدوانه على اليمن.وجاءت هذه المواقف على خلفية اعتقاد وتصور لدى هذه الاطراف بأن النظام السعودي سيحسم الحرب لصالحه خلال ايام وينتهي كل شيء، لكن حينما طالت الحرب،وانكشفت للرأي العام المجازر والجرائم السعودية بحق اليمن،تغيّر الأمر، اذ باتت تقارير المنظمات الدولية والانسانية تتوالى حول جرائم النظام السعودي في اليمن، كمنظمة العفو الدولية، هيومن ووتش رايتس الامريكية، والأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية، ترافق ذلك مع حملة للصحافة الغربية والأمريكية التي بدأت فضحها للجرائم السعودية في اليمن بكتابة مقالات أو تقارير شهرية ثم تطورت الى تقارير اسبوعية وأصبحت التغطية بشكل يومي تقريباً، وتصاعدت هذه الحملة الى اتهام حكومتي بريطانيا وامريكا، وحتى حكومتي المانيا وفرنسا بالمشاركة في مسؤولية اقتراف النظام السعودي للمجازر بحق الشعب اليمني، من خلال تزويده بالاسلحة الفتاكة، بل اكثر من ذلك، ان بعض الاوساط السياسية من احزاب المعارضة الغربية في بريطانيا والمانيا طالبت صراحة بقطع الاسلحة عن النظام السعودي وباتهام هذا النظام ليس بارتكاب الجرائم في اليمن،بل بكل التفجيرات التي يقوم بها التكفيريون الوهابيون من داعش والقاعدة والنصرة وما اليها....ولان الرأي العام في الدول الغربية مؤثر الى حد كبير في السياسات الغربية في اعادة صياغة الرؤى، بدأ مايسمى بالمجتمع الدولي التراجع عن مواقفه السابقة، وكأنه يبدو انه يريد التنصل من القرارات الاممية الخاصة باليمن ومحاولة الالتفاف عليها وهذا ما تدركه السعودية ومرتزقتها لدرجة أنهم اتهموا الأمم المتحدة،بالتحيز والانحراف عن مواقفها السابقة لصالح أنصارالله وحلفائهم،فيما الحقيقة ان المنظمة الدولية لحد اللحظة هي منحازة للطرف السعودي والمرتزقة،ولكن الجرائم السعودية في اليمن باتت تزكم الانوف، وتريد هذه الاوساط التخلص من تحمل المسؤولية عن هذه الجرائم.وعلى خلفية محاولة التخلص من المسؤولية،بدأت بعض هذه الاوساط الدولية الضغط باتجاه إنهاء العدوان والتوصل الى حل ينقذ النظام السعودي ومرتزقته، وينقذ الغرب من الاحراج ومن ضغط الرأي العام الغربي بالاتجاه الذي أشرنا اليه قبل قليل.
تآكل ما يسمونه مشروعية هادي...صحيح ان بعض الدول الغربية وامريكا وحتى الأمم المتحدة،اعتبرت الرئيس الفار هادي، رئيساً شرعياً لليمن رغم انقضاء مدته الانتقالية وتقديمه الاستقالة...صحيح كل ذلك، لكن هذا الاعتراف جاء ارضاءاً للنظام السعودي، الذي يساهم في تمويل ميزانية المنظمة الدولية، وفي تطوير ودعم اقتصاديات اكثر الدول الغربية وامريكا من خلال عقود وصفقات شراء الأسلحة والمعدات العسكرية وهي بالمليارات من الدولارات....لكن التفاف الشعب اليمني طيلة فترة العدوان حول أنصارالله والجيش اليمني،وتأييده لتصديهم للعدوان ومدهم بالمقاتلين والأموال والسلاح كل ذلك عزز القناعة الغربية بأن أنصار الله وحلفائهم يتمتعون بتأييد جماهيري وشعبي، وبالتالي فأنهم يستمدون شرعيتهم ووجودهم من هذا العمق الجماهيري العريض، والذي يتجسد بالقوافل الجرارة التي تزحف نحو جبهات القتال، وبالخروج الى المظاهرات العارمة التي يدعون اليها بين الحين والاخر في صنعاء وشوارعها وساحاتها، احتجاجاً على العدوان وتأييداً لمواجهته والتصدي له.
ذلك، عكس ما يحصل لهادي ومرتزقته في اليمن، فهادي حينما جاء الى عدن لم يستطع البقاء فيها اكثر من عدة أيام حيث هرب مرة أخرى الى الرياض، ويفترض أن تكون عدن حاضنة لهادي باعتباره من الجنوب، لكن حتى الجنوبيين تخلوا عنه وانفضوا من حوله واعوانه، حيث لم يحموهم من التفجيرات التي استهدفتهم..ولذلك بدأ الغرب لا ينظر الى هادي بالنظرة السابقة،التي كانت في بداية العدوان، وذلك ما شكل نكسة لهادي واعوانه، عبروا عنها مراراً وفي اكثر من مناسبة
تآكل رصيد النظام السعودي عالمياً : ظل النظام السعودي طيلة العقود الماضية يحظى باحترام المجتمع الدولي على خلفية المظاهر التي ظل يخدع بها دول العالم طيلة تلك الفترة، بأنه نظام متعقل في المنطقة العربية، ونظام يبذل الأموال في الحقول الانسانية والدولية، وبانه راعي المقدسات الاسلامية بل واهمها على الاطلاق،مكة والمدينة المنورة و..و....لكن كل هذه المظاهر تبخرت وانكشف النظام على حقيقته بعد الجرائم التي ارتكبها وما يزال في اليمن وغيرها كثير، فبينما كان من الصعوبة بمكان تصويب سهام الانتقادات للنظام السعودي من قبل الدوائر الغربية الإعلامية أو حتى السياسية،أصبح اليوم تصويب هذه السهام ظاهرة طبيعية من جانب الأوساط المذكورة كما أشرنا قبل قليل، بل وصل الأمر الى حد اتهام النظام السعودي بالاجرام وباقتراف جرائم حرب دولية، محاولة الابادة بحق الانسانية من خلال مجازره التي ارتكبها وما يزال في اليمن وبحق الشعب اليمني المظلوم، كما أوضحنا فيما مر من سطور،ما جعل النظام السعودي الآن في حالة دفاع وفي حالة حصار نفسي ومعنوي ومعاناة من هذا السيل الإعلامي الغربي الذي يتحدث عن دموية هذا النظام، ومنه ما ذكرته صحيفة الأندبندنت البريطانية يوم الاثنين الماضي 23/5/2016 بأن استخدام النظام السعودي للقنابل العنقودية في عدوانه على اليمن حوّل هذا البلد الى حقل من الالغام، التي ستظل تطال باخطارها عدة أجيال قادمة للشعب اليمني!!
تآكل سمعة النظام السعودي العسكرية: اخفاق النظام السعودي في حسم العدوان لصالحه رغم مرور اكثر من 14 شهراً على بدءه،ثم اخفاق الجيش السعودي في الدفاع عن المناطق السعودية في نجران وجيزان وعسير حيث توغل أنصارالله والجيش اليمني في هذه المناطق لعشرات الكيلومترات، وسيطروا على مدن وقرى ومنها بلدة الربوعة في عسير، كل هذه الهزائم وغيرها جعلت حلفاء السعودية يسخرون بل ويستهزئون بقوتها العسكرية، ويشككون بقدرتها على ان تكون القوة العسكرية والمالية الكبرى في المنطقة المتحكمة في شؤونها أو على الاقل المؤثرة فيها قبال قوى صاعدة كبيرة مثل إيران، ومثل تركيا وما اليهما. وللاشارة قال احد المعلقين الغربيين في الصحافة الغربية ان النظام السعودي بعدوانه على اليمن وبنشاطه في سوريا والعراق أراد ان يعيد التوازن في المنطقة قبال ايران، لكن هزيمة جيشه أمام أنصار الله وحلفائهم في اليمن، ثم نفقات الحرب الباهضة والتي باتت ترهق الاقتصاد السعودي، كل ذلك أثبت فشل هذا النظام في تحقيق ما كان يريده الغرب ويريده الاميركان والصهاينة،أي إعادة التوازن في المنطقة بحسب قولهم.
خيارات الرياض ومرتزقتها في المفاوضات
يتجسد المأزق الذي تعانيه الرياض ومرتزقتها بصورة اكثر وضوحاً، من خلال محدودية الخيارات المتاحة في المفاوضات، فالاستمرار في الحرب يعني التآكل المستمر لتلك الشرعيات التي قلنا إنها مصطنعة أساساً، إضافة الى احتمالات خسارة النظام السعودي لمزيد من المناطق السعودية،ولسمعته أيضاً، فهذا جانب من المأزق، والجانب الآخر يمثل في الخيارات المطروحة للخروج من هذه الحرب بأقل التكاليف، وفي هذه الحالة صار مثل اللائذ بالرمضاء من النار ينطبق على وضع النظام السعودي ومرتزقته تماماً، فإذا وافق على ما يطرحه أنصارالله وحلفاؤهم لحل الأزمة، اي تشكيل حكومة توافقية ومن ثم اجراء حوار وانتخابات وما الى ذلك، فهذا يعني ان النظام السعودي ومرتزقته يعترفون بانصارالله وحلفائهم كمكون اساسي في العملية السياسية وليس هم انقلابيون أو متمردون وهذا يعني بدوره الأمور التالية :
التضحية بهادي وبطاقمة، وهذا التضحية تعني سقوط ما يسمى بشرعية هادي تماماً، ومع سقوط شرعيتة تسقط شرعية شن العدوان على اليمن، وهذا يترتب عليه تبعات قانونية، قد تؤدي الى الزج ببعض أمراء آل سعود في السجون. سيما اذا ظل اليمنيون يتابعون هذه القضية، ويجمعون الادلة والوثائق التي تؤكد اقتراف آل سعود لتلك الجرائم المروعة في اليمن.
ان سقوط مشروعية العدوان، تترتب عليها استحقاقات مالية كبيرة، اذ سيكون النظام السعودي ملزم بحسب القوانين والانظمة الدولية بدفع خسائر ما دمرته الآلة الحربية طيلة العدوان، حيث يقدر الخبراء هذه الخسائر بمئات المليارات،وهذا ما يشكل كارثة بالنسبة للنظام السعودي.
خسران مرتزقة السعودية لمناصبهم وامتيازاتهم المادية والمعنوية التي يتمتعون بها حالياً، وهذا ما لا يريده هؤلاء المرتزقة.....
فقدان السعودية لنفوذها في اليمن،لان إسقاط حكومة هادي،يعني حكومة بديلة حكومة من أنصارالله وحلفائهم بالإضافة إلى المحسوبين على السعودية، ومن شأن مثل هذه الحكومة ان تختلف اختلافاً كبيراً واساسياً فيما لو بقيت حكومة هادي على حالها ومن ثم عودتها الى صنعاء، لان الموافقة على عودتها يعني ان أنصارالله وحلفائهم ثبتوا على انفسهم انهم انقلابيون ومتمردون، ووفروا الفرصة للسعودية للتخلص من مسؤولية ما ارتكبته من عدوان ومجازر في اليمن، ثم اقرارهم اي أنصارالله لهادي ومرتزقته بالانقلاب عليهم بعد تسليمهم الاسلحة باعتبارهم ناس تمردوا على مايسمونه الشرعية، وهذا مايدركه أنصارالله وحلفاؤهم ولذلك رفضوا الاطروحات السعودية لحل الازمة رفضاً قاطعاً، قاطعين الطريق على الرياض ومرتزقتها في تحقيق أهدافها الآنفة، وهو مايفسر انزعاج وفد الرياض وانسحاباته المتكررة من المفاوضات، ولكن رغم المأزق الذي يعاني منه آل سعود ومرتزقتهم، فهم لايريدون الأستسلام، ولذلك هم يضغطون بكل ما يتوفر لهم من نفوذ وجهد وتوظيف للسفراء الغربيين وللراعي الكويتي والأممي من أجل حمل أنصارالله وحلفائهم على التسليم والقبول بالطروحات السعودية، ولعل تصعيد أوار الحرب مع كل جولة مفاوضات، يعتبر عاملاً مكملاً للجهد السياسي والدبلوماسي الرامي الى اقناع وفد صنعاء بهذه الاطروحات وهو مايتطلب وعياً وحنكة من جانب أنصارالله وحلفائهم لتفويت الفرصة على السعودية ومرتزقتها.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق