مملكة آل سعود الجديدة وابن سلمان المتهور
صحيفة “the age” الإسبانية نشرت مقالاً مطوّلاً تتحدث فيه عن "مملكة آل سعود" منذ احتلال ابن سعود لأراضي شبه الجزيرة العربية وتأسيس واحدة من أكبر "العائلات المالكة" في العالم العائمة على آبار النفط، وحتى وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم وتغييره وجه البلاد.
وتقول حول الحقبة الأخيرة إن "المملكة العربية السعودية التي يحكمها أبناء عبد العزيز اليوم ــ المحكومة من سلمان، ابنه الخامس والعشرون، مع حفيده محمد بن سلمان ــ تختلف تماماً عن تلك التي أسسها. وبعد أن كانت أراضيها دائمًا مكانًا للحج المقدس، ومسقط رأس الإسلام، وموطنًا لأقدس مدينتين، مكة والمدينة، باتت اليوم مع تدفق الثروة النفطية، مركزًا عالميًا لناطحات السحاب ومراكز التسوق أيضًا - وازدادت العائلة المالكة ثراءً بشكل مذهل".
تلمح الصحيفة إلى تراجع الإدارة الأميركية في عهد جو بايدن عن وعودها الكاذبة بجعل "سعودية" ابن سلمان منبوذة على صعيد العالم إثر قتل الأخيرة جمال خاشقجي، لكن -وفق الصحيفة- مع تسبب حرب روسيا في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الوقود العالمية، وتعمق حرب إسرائيل في غزة وتحولها إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الآونة الأخيرة، لم يعد محمد بن سلمان منبوذا كما تعهد الرئيس جو بايدن. وتتابع :في الواقع، يحمل الأمير الشاب المفتاح ليس فقط لأسعار النفط، بل أيضًا لتحقيق شيء أكثر طموحًا: "صفقة بايدن الكبرى" لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، في إشارة منها إلى صفقة التطبيع بين الكيانين الإسرائيلي والسعودي الذي تنتظر منه الأخيرة مقابل من الضمانات الدفاعية وتكنولوجيا الطاقة النووية.
تنقل الصحيفة الإسبانية عن جوناثان بانيكوف، ضابط المخابرات الأمريكي السابق الذي ساعد في إحاطة الرئيس بشأن السعودية خلال السنوات الأخيرة المضطربة، قوله إن البلاد تسير على حبل مشدود بين النظام القديم والحاجة الملحة لتنويع اقتصادها. والمملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، ولا تزال تستغل هذه الأرباح - حيث يعيش المواطنون والأمراء في كثير من الأحيان أنماط حياة مدعومة. الفساد شائع . وتم منع النساء إلى حد كبير من العمل على الإطلاق.
مشيرة الى انه لم يتبق أمام البلاد الكثير من الوقت لإصلاح اقتصادها قبل أن تبدأ أموال النفط في الجفاف مع تحول العالم عن الوقود الأحفوري ، كما يقول بانيكوف، الذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي. فهي تحتاج إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي، لكنها تحتاج إلى المزيد من العمالة المحلية كما تحتاج إلى السياحة والترفيه. وهو يرى كل السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تقريبًا من خلال عدسة هذه المهمة الضخمة في الداخل، سواء كان ذلك بناء مدينة نيوم المستقبلية في الصحراء أو التودد إلى إدارة ترامب آنذاك مع مغازلة الاستثمارات الصينية.
وفي حديث "ذا ايج" عن مشاريع ابن سلمان الخيالية، تقول بأن الغاية الأساسية منها هي منع السعوديين من صرف أموالهم في دبي أو في الدول الأوروبية. كما وجذب السياح والمستثمرين لافتة إلى أعجوبة إباحة التداول بالكحول في إحدى مشاريعه.
وفي عرضها لبعض من النقاط الكثيرة التي تؤخذ على مشاريع ابن سلمان خاصة مشروع نيوم، تورد الصحيفة بأن " السعودية تنفق بالفعل مبالغ كبيرة على حملة العلاقات العامة لنيوم، حتى لو كان المسؤولون مرعوبين من أنهم لن يلتزموا بالجداول الزمنية الطموحة، إلى جانب الأجانب بالقلق من المراقبة المخطط لها للمدينة. وفي الوقت نفسه، تعرض بعض أفراد القبائل الذين يسكنون بالمواقع المخطط البناء فيها يتعرضون للقتل أو الإعدام لمقاومتهم تهجيرهم القسري.”
واحدة من أبرز انقلابات ابن سلمان كانت بنزعه القوة من يد رجال الدين والسلطات الدينية، وفسح المجال أمام امكانية اختلاط الرجال والنساء بحرية في المقاهي والمطاعم والمكاتب، ومشاهدة العروض الموسيقية العالمية في الحفلات الموسيقية، وحتى الذهاب إلى حفلات الرقص، تعبيداً للطريق أمام استجلاب الاهتمام والقبول العالمي.
ولكن بعد كل هذه المساعي الحثيثة لتغيير الوجه العام للبلاد تقول الصحيفة: "بينما تحدث محمد بن سلمان عن رغبته في العودة إلى "الإسلام المعتدل المنفتح الذي اعتدنا عليه" قبل تمكين رجال الدين الوهابيين من مراقبة حياة الناس، تقول المعارضة لجين الهذلول إنه حول البلاد إلى دولة بوليسية خاصة به. وفي الداخل، يقوم العديد من السعوديين بشكل روتيني بوضع هواتفهم في الثلاجة قبل التحدث خوفًا من القبض عليهم وهم ينتقدون النظام".
وتتابع الهذلول في حديثها للصحيفة: “لكي يحصل -ابن سلمان- على الشرعية، كان عليه أن يفعل ما يريد الغرب أن يسمعه، لقد اعتقد الناس أنه كان مصلحًا، لكن الإصلاحيين الحقيقيين يقعون خلف القضبان”.
كونه سعودي تماما.. هذه مشكلتنا مع ابن سلمان في الحديث عن شخصية ابن سلمان، يقول بانيكوف "يجب أن تكون لدينا خطوط حمراء وندين انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في الجهود الدبلوماسية التي تتم خلف الكواليس. لكنه يقول إن تأثير الغرب على محمد بن سلمان مبالغ فيه ومن غير المرجح أن يجعله يتخلى عن ميوله الأكثر استبدادية. فهو زعيم مختلف عن الأمراء الذين تلقوا تعليمهم في الغرب والتي اعتادت الولايات المتحدة التعامل معهم – مع دائرة أصغر بكثير من المستشارين. فقد بقي في المملكة العربية السعودية.. إنه سعودي تمامًا."
ويستطرد بانيكوف أن الغرب والسعودية ما زالا بحاجة لبعضهما البعض "سواء أحببنا ذلك أم لا". ويضيف ماجي: "لا يمكنك عزل بلد مهم مثل المملكة العربية السعودية لفترة طويلة".
ويصف بانيكوف محمد بن سلمان بأنه متهور ولا يمكن التنبؤ به: "لقد ارتكب أخطاء وإحساسي هو أنه سيرتكب المزيد. والسؤال هو ما إذا كان سيرتكب نفس الأخطاء مرة أخرى”.
ويشدد على أنه "حتى في عالم السياسة السعودية المتوحش، يبدو من المؤكد أنه سيصبح الملك التالي. "يمكن أن يحكم لمدة 40 أو 50 عامًا. وهذا يمنحه الوقت: الوقت لتجاوز الأمور، وتشكيل البلاد وفقًا لرؤيته. أعتقد أنه يرى نفسه شخصية تاريخية تحويلية.. بالطبع، هو فقط من يتصدر القمة الآن. عندما تسير الأمور على ما يرام، سيحصل على الفضل في ذلك، ولكن عندما تسوء الأمور، لا يوجد أحد يمكن إلقاء اللوم عليه".
مزاعم "حل الدولتين" وحقيقة المصالح الشخصية:
وفقا للصحيفة فإن ابن سلمان بزعمه اهتمامه بحل القضية الفلسطينية نابع من اندفاعه إلى إصلاح هذه "الصراعات" حتى يتمكن من التركيز على تنفيذ مشاريعه الاقتصادية في بيئة ملائمة. فهو ليس منشغلاً بالدين والسياسة [الإقليمية] كما كان الحال مع الملوك الآخرين.
وقبل السابع من اكتوبر، كانت البلاد على وشك إتمام صفقة التطبيع دون تحقيق أي مصلحة للفلسطينيين. وتنفي الصحيفة مزاعم السعودية سعيها لايجاد كل للقضية: "يقول السعوديون إنهم كانوا سيدافعون عن فلسطين على أي حال. لكن ما عليك سوى أن تنظر إلى الصفقات [السابقة]، والحديث عن تقرير المصير الفلسطيني و[القيود] على المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما لم يحدث قط في الواقع، في حين أن إسرائيل لا تزال تستفيد من السلام مع جيرانها العرب مثل الأردن ومصر".
وأشارت إلى أن "خلف الأبواب المغلقة وبحسب ما ورد، فإن محمد بن سلمان منفتح على التزام أضعف وغير ملزم من جانب إسرائيل بشأن "حل الدولتين" الذي طال انتظاره لفلسطين، إذا كان ذلك يعني ضمان الدعم العسكري الأمريكي في حالة وقوع هجوم على المملكة العربية السعودية. ويريد المساعدة في تطوير برنامج الطاقة النووية السلمية الذي يشتبه بعض الدبلوماسيين في أنه قد يكون غطاءَ للبناء أسلحة نووية لمواجهة إيران".
بعد سرد موجز لأبرز عراقيل إتمام الصفقة، من تعنت بعض أطراف الكونغرس تزويد السعودية بضوء أخضر لصنع قوة نووية ، إلى طبيعة الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي لن تسمح بتشكيل دولة للفلسطينيين، تقول الصحيفة بأن ابن سلمان لا يهمه من المسألة برمتها سوى أن يظهر للعالم بأنه صانع السلام. وتتساءل "هل سيقبل بالمساعدة في صياغة "صفقة القرن" من دون ضمانة أميركية في المقابل؟"، ليكون جوابها بأن "محمد بن سلمان يهتم بمحمد بن سلمان" وليس بمصالح المسلمين.
ارسال التعليق