مملكة آل سعود في خطر بسبب حرب أسعار النفط التي أشعلتها بنفسها
التغيير
قبل وقت طويل من أن يصبح "محمد بن سلمان" ولياً للعهد السعودي، كان مجرد أمير آخر مجهول، واحد من عدة آلاف، عندما كان شابا، حاول "محمد بن سلمان" يائسا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الثروة.
كان اختصار الثروات بالنسبة للعديد من أفراد العائلة المالكة الخليجية هو العقارات، وعلى هذا النحو فقد غازل "محمد بن سلمان" لفترة وجيزة الممتلكات.
في مرحلة ما، كان يريد الحصول على قطعة أرض من رجل أعمال في جدة كان مترددًا في البيع، وبدلاً من ذلك، ذهب "محمد بن سلمان" إلى رجل الدين المسؤول عن تسجيل الأراضي وضغط عليه لتوقيع الملكية له.
رفض رجل الدين على أساس أن القيام بذلك غير قانوني، فأرسل له "بن سلمان" مظروفًا يحتوي على رصاصتين، وسمي بسبب هذا الحادث "أبورصاصة".
أصبحت هذه القصة رمزا لسلوك ابن سلمان وطبيعته العاصفة وهي الصفات التي يقول الخبراء إنها لن تخدم الزعيم الفعلي لمملكة آل سعود، كما إنها لن تؤهله لمواجهة أخطر أزمة لها على الإطلاق.
تتدهور أوضاع المملكة بسبب انهيار أسعار النفط، وتقاتل في الوقت نفسه التحديات المالية الداخلية والحاجة الملحة للإصلاح.
أما أحلام المشاريع الضخمة مثل "نيوم" وهي مدينة جديدة ضخمة على ساحل البحر الأحمر، تهدف إلى جذب السياح من جميع أنحاء العالم، فهي في حالة يرثى لها.
وكذلك رؤية 2030 ذلك الحلم الكبير لتحديث الاقتصاد وإبعاد مملكة آل سعود عن اعتمادها على النفط والذي يأمل "محمد بن سلمان" أن يكون إنجازا له، يبدو ميتاً.
يقول "مايكل ستيفنز"، من المعهد الملكي في لندن: "أعتقد أن رؤية 2030 قد انتهت تقريبًا". "أعتقد أنها انتهت".
وقال إن المملكة تواجه "أصعب الأوقات التي مرت بها، وبالتأكيد هي أصعب فترة لولاية بن سلمان".
في الأسبوع الماضي، أدخلت مملكة آل سعود مجموعة من تدابير التقشف الصارمة استجابة للدمار الاقتصادي الذي أحدثه الوباء، وقالت الحكومة إنها ستضاعف بالفعل ضريبة القيمة المضافة في البلاد بمقدار 3 أضعاف على السلع والخدمات بين عشية وضحاها إلى 15%، بينما ستفرض برامج إعانات لموظفي الدولة، وستضع مزايا أخرى مدفوعة للمواطنين السعوديين قيد المراجعة.
وقال "محمد الجدعان" وزير المالية في بيان في الأسبوع الماضي: "إننا نواجه أزمة لم يشهدها العالم من قبل في التاريخ الحديث"، وأشار إلى أنه رغم صعوبة تدابير التقشف الجديدة للبلاد، فقد كانت "ضرورية ومفيدة للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي الشامل".
وتقدر الحكومة أن هذه الإجراءات ستحد من عجز الميزانية بحوالي 100 مليار ريال سعودي (3.4% من الناتج المحلي الإجمالي).
في حين أن ذلك لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى إعادة الميزانية إلى التوازن، كما يقول "جيسون توفي"، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، لكنه سيساعد جزئيًا في تعويض تفاقم العجز الناجم عن انخفاض عائدات النفط.
تقول "كارين يونج"، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط والباحثة المقيمة في معهد "أميركان إنتربرايز"، إن مثل هذه الإجراءات تهدف إلى التعامل مع الإنفاق العام للبلاد، وتقول: "إن التقشف بالمعنى السعودي يعني الانتقال إلى سياسة مالية مستدامة: تخفيض الإنفاق العام على مشاريع البناء الكبيرة والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية والمرافق، ومحاولة تقليص فاتورة أجور القطاع العام".
"كان يجب أن يحدث هذا في وقت ما، لقد تسببت الأزمتان التوأم؛ كورونا وانهيار أسعار النفط في تفاقمها".
في مارس/آذار، توقعت المملكة أن يتسع عجز ميزانيتها لعام 2020 إلى 61 مليار دولار، أو ما يقرب من 8% من الناتج المحلي الإجمالي، في ضوء انهيار أسعار النفط.
يعمل حوالي 70% من السكان العاملين في المملكة لصالح الحكومة، ويعتمد جزء كبير من القطاع الخاص على العقود الحكومية، ما يعني أن أي تأثير على إيرادات الدولة يمكن أن يكون له آثار ضخمة على الاقتصاد الأوسع.
يكمن جزء كبير من الاضطراب الحالي في البلاد في حرب أسعار النفط غير الحكيمة مع روسيا في مارس/آذار حيث كثف البلدان إنتاج النفط بعد انهيار الاتفاق المتبادل.
تزامن ذلك مع ضربة مفاجئة ومدمرة للطلب، نجمت عن القيود العالمية على السفر والتصنيع، ونتيجة لذلك، فقد خام "برنت" أكثر من نصف قيمته في أقل من شهر، ما أدى إلى تقويض الوضع المالي السعودي بشدة.
بالرغم من التوصل إلى حل وسط بين البلدين، فإن إجراءات الإغلاق العالمية تعني أن الطلب على النفط ظل منخفضًا، ما أبقى على سعر النفط الخام منخفضًا.
يمكن أن تتفاقم آثار الفيروس على الاقتصاد السعودي بسبب التوقعات المالية القاتمة على الصعيد العالمي.
يقول أحد المصادر المصرفية الخليجية البارزة: "يبدو الوضع المالي مروعًا، وقد يؤدي هذا إلى انخفاض سريع في التوازن المالي السعودي ويبرز الفرص الضائعة للتنويع على مدى العشرين عامًا الماضية".. "النفط لن يعود إلى 80 دولارًا أبدا".
لكن "يونج" تقول إن البلاد لا تواجه أزمة مالية بالمعنى التقليدي.
وتقول: "إنها أزمة في النموذج الاقتصادي السعودي، حيث تولد الدولة معظم النشاط الاقتصادي في البلاد، الذي تغذيه عائدات النفط.. كان القطاع الخاص ضعيفًا دائمًا في مملكة آل سعود، والآن أصبح ضعيفًا مع انخفاض الاستهلاك".
أما القضية الرئيسية الأخرى في هذه الأزمة فهي ربط العملة بالدولار الذي حافظ عليه آل سعود لعقود، متجاوزة العاصفة تلو الأخرى، مع تسعير النفط والغاز بالدولار، ساعد ربط العملات المحلية بالدولار في حماية دول الخليج من خلال أسوأ حلقات تقلبات سوق الطاقة، بينما سمح للبنوك المركزية بتجميع احتياطيات أجنبية قوية.
ولكن هذا له سلبياته أيضًا، عندما انهار سعر النفط في مارس/آذار، تم مسح أكثر من 27 مليار دولار من احتياطيات آل سعود من العملات الأجنبية، وهو انخفاض بأكثر من 5%.
والآن، يواجه المضاربون تحديات أمام ربط عملات المملكة بالدولار، على غرار أزمة العملة الآسيوية في أواخر التسعينات التي أجبرت دولًا مثل كوريا الجنوبية وتايلاند على التخلي عن ربط عملاتها.
يتداول الريال السعودي الآن في أضعف مستوياته أمام الدولار في السوق الفورية منذ الأزمة المالية العالمية.
يقول "توفي": يجب أن تساعد تدابير التقشف في تهدئة المخاوف من تخفيض قيمة الريال: "لقد جادلنا بأن السلطات كانت على الأرجح تسير في طريق الدمج المالي من أجل إجراء تعديل على أسعار النفط المنخفضة بدلاً من التخلي عن فترة طويلة سعر صرف الدولار".
بالنسبة لـ"بن سلمان"، الشاب والمتهور الذي قضى معظم وقته كولي عهد انشغل بالحصول على أصول تذكارية في الغرب وشن حرب مروعة ومكلفة في اليمن، فإن السرعة التي ستضطر بها المملكة الآن للتغيير نحو الاعتدال ستثبت الكثير وذلك وفقا لتوقعات محللين.
ولكن، مع نظام الضرائب الجديد وإجراءات التقشف في البلاد، فإنهم يقولون إن "بن سلمان" قد قطع شيئًا ما في الحث على التغيير الذي طال انتظاره.
ارسال التعليق