هل تدعم السعودية حفتر لقتل الثورة الجزائرية
في الوقت الذي تشهد فيه الجزائر موجة ثانية من الانتفاضات الشبيهة بالربيع العربي أدت إلى استقالة الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة" الشهر الماضي، تتورط ليبيا في صراع على السلطة بين حكومة "فايز السراج"، المعترف بها دوليا، والقائد العسكري للقوات المتمركزة في الشرق "خليفة حفتر".
ويشير تدخل السعودية والإمارات مؤخرا في الجزائر وليبيا إلى وجود صلة بين الاضطرابات المستمرة في ليبيا والاضطرابات الأخيرة في الجزائر. ويبدو أن الدولتين الخليجيتين، وكذلك فرنسا، شجعوا "حفتر" على التقدم نحو غرب ليبيا لتحويل الانتباه عن الحراك الشعبي المتصاعد في الجزائر.
تحركات مدعومة خليجيا في ليبياومنذ سقوط "معمر القذافي" خلال ثورات الربيع العربي عام 2011، ابتُليت ليبيا بحرب أهلية واسعة النطاق. وفي 2014، انقسمت ليبيا بين حكومتين، أحدها حكومة مدعومة في الشرق يؤيدها "حفتر" وميليشياته، والأخرى هي حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة.
وبما أن قوات "حفتر" تسيطر على أجزاء رئيسية من ليبيا، فقد تم الاعتراف بالرجل كقوة سياسية مهيمنة في البلاد، وكان من المقرر حضوره مؤتمر ليبيا للحوار ترعاه الأمم المتحدة منتصف أبريل/نيسان الماضي.
ومع ذلك، تم إلغاء المؤتمر، الذي كان يهدف إلى إنهاء النزاع عبر الوصول إلى "موقف توافقي لمعالجة أسباب المأزق السياسي طويل الأمد في ليبيا، ووضع خارطة طريق انتخابية"، نتيجة لغارات "حفتر" على طرابلس في 4 أبريل/نيسان. ويشير الهجوم على طرابلس إلى أن "حفتر" لا يبدو مهتما بالفوز برئاسة ليبيا عبر انتخابات نزيهة. وقد تفاجأ الكثيرون بتحركه الجريء تجاه العاصمة، بدعم من أبوظبي والرياض.
وأواخر مارس/آذار، التقى العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" بـ"حفتر" لتأكيد رغبة الرياض في تحقيق "الأمن والاستقرار في ليبيا". ومع ذلك، بعد أن نشر "حفتر" قواته في غرب البلاد بدعوى "القضاء على الجماعات الإرهابية"، كشف المسؤولون أن الرياض وعدت بعشرات الملايين من الدولارات لتمويل هذا الهجوم.
وتهاجم قوات "حفتر" طرابلس بالأسلحة التي قدمتها مصر والإمارات والسعودية، وهي الدول التي يُزعم أنها تسعى لإقامة نظام عسكري في ليبيا، وفقا لحكومة "السراج". ويُعتقد أن أمير الحرب في الشرق لم يكن يستطيع تحمل التكاليف المالية والعسكرية اللازمة لمحاربة جيش "السراج"، إلا بعد رحلته إلى الرياض.
وتدعم الإمارات والسعودية "حفتر" لأنهما تريانه شخصا يمكنه مساعدتهما في مواجهة الفصائل الإسلامية في ليبيا. وتحرص أبوظبي أيضا على دعم القائد الليبي لأسباب اقتصادية. وفي يوليو/تموز 2018، أجرت الإمارات مفاوضات سرية مع "حفتر" لاستكشاف كيف يمكن تصدير النفط الليبي من خلال قنوات أخرى غير مؤسسة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وهي المصدر الوحيد المعتمد من الأمم المتحدة. وبعد أن سيطرت قوات "حفتر" على عدد من الموانئ في "الهلال النفطي" في ليبيا، وهي منطقة ساحلية غنية بالنفط تمتد من طبرق إلى السدر في شرق ليبيا، في يونيو/حزيران 2018، قام الجنرال المتقاعد بإعادة توجيه 850 ألف برميل من الصادرات اليومية للنفط إلى شركة إماراتية غير معتمدة. وفي المقابل، قدمت الإمارات التمويل للمرشحين المؤيدين لـ"حفتر" في الانتخابات الوطنية التي كان من المفترض إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن تم إلغاؤها.
الجزائر في الحسبانورغم أن الإمارات والسعودية لم تعلنا رسميا عن موقفهما من المظاهرات الشعبية الحالية في الجزائر، إلا أن مشاركتهما غير الرسمية بدأت تثير الجدل.
وفي حين تكافح ليبيا من أجل تحقيق السلام والاستقرار لأكثر من 8 أعوام، نجح الجزائريون في الضغط على الدكتاتور طويل الأمد "بوتفليقة" وإجباره على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان. علاوة على ذلك، واصل الجزائريون الاحتجاج في إصرار على إزالة جميع فلول نظام "بوتفليقة"، بما في ذلك الرئيس المؤقت المعين حديثا "عبد القادر بن صالح"، وقائد الجيش والحاكم بالأمر الواقع "قايد صالح".
وفي الواقع، في أعقاب احتجاجات جماهيرية في فبراير/شباط - قبل استقالة "بوتفليقة - زار "صالح" أبوظبي، التي، مثل الرياض، تشتهر بعدائها للحركات الديمقراطية. ومنذ ذلك الحين، بدأت وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الترويج للجيش الجزائري كضامن للاستقرار في البلاد، ولـ"صالح" بوصفه "رجل الساعة".
ويبدو أن الملوك الخليجيين يحاولون "إعادة تشكيل" القيادة الجزائرية، ويقدمون الدعم المالي والترويج لـ"صالح" بنفس الطريقة التي دعموا بها "عبد الفتاح السيسي" في مصر، عندما أطاح بـ"محمد مرسي" أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر عام 2013. وإدراكا للمؤامرات وراء الكواليس، يحتج الشعب الجزائري على تدخل الإمارات في سياسة بلادهم، ويرفض صراحة الحكم العسكري الجزائري الذي لم يعد جديرا بالثقة.
وهناك العديد من الدوافع المحتملة وراء تدخلات دول الخليج في الجزائر وليبيا. أولا، يبدو أن الإمارات أشعلت نيران الصراع في ليبيا لثني الجزائريين عن الانتفاضة ضد حكومتهم؛ لأن الدولة الخليجية تخشى أن يؤدي نجاح المتظاهرين الجزائريين إلى عدوى تطلق المظاهرات في الإمارات.
ثانيا، يبدو أن ملوك الخليج يحاولون تعميق الخلاف بين الجزائر و"حفتر". وتعد الجزائر قوة إقليمية مهمة، وبالتالي، فقد شكلت عقبة أمام تقدم "حفتر" نحو ليبيا. ومنذ عام 2014، رفض المسؤولون الجزائريون إجراء محادثات مع القائد الليبي بشأن أمن الحدود الجزائرية الليبية، قائلين إنهم سيتواصلون التحدث فقط مع المسؤولين الليبيين الذين تدعمهم الأمم المتحدة.
وفي عام 2018، هدد "حفتر" الجزائر، مدعيا أن "الحرب الليبية الحالية قد تنتشر في أي لحظة عبر الحدود الجزائرية". ومع ذلك، رفضت السلطات الجزائرية إضفاء الشرعية على قيادة "حفتر"، وتجاهلت تهديداته. ومنذ ذلك الحين، استفاد "حفتر" من الانشغال الداخلي للقيادة الجزائرية بالمظاهرات الشعبية لإطلاق توسعه الذي طال انتظاره في ليبيا.
وقد تكون تهديدات "حفتر" ضد الجزائر حيلة أخرى من جانب الإمارات والسعودية لتخويف الشعب الجزائري وقيادته للاستسلام عن طريق إعطاء الأولوية للمخاوف المتعلقة بالأمن على آمال الإصلاح. ولا شك أن التوترات المتزايدة بين الجزائر وليبيا قد تكون بمثابة مبرر لـ"صالح" لإعلان حالة الطوارئ لإجبار الجزائريين على كبح مطالبهم.
وفي الوقت الحالي، يستعد "حفتر" للسيطرة الكاملة على بلده، مما يعوق محاولات الأمم المتحدة لإرساء أسس لليبيا مستقرة وديمقراطية. ومن المقرر أن تجري الجزائر، التي لا تزال تستهلكها الاحتجاجات اليومية، انتخابات يوم 4 يوليو/تموز. وفي الوقت نفسه، تستمر السعودية والإمارات، اللتان تخشيان من أن تقوض الحركات المؤيدة للديمقراطية نظاميهما، في التخطيط ضد الدول العربية الأخرى، وقمع المعارضين من خلال دعم الأنظمة القمعية مثل نظام "السيسي" في جميع أنحاء العالم العربي.
ارسال التعليق