هل تدفع مملكة آل سعود والإمارات السيسي لمواجهة تركيا و"الشرعية" في ليبيا؟
التغيير
منذ أن وصل الجنرال في الجيش المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى كرسي الحكم، في يوليو 2013، بعد تنفيذه انقلاباً عسكرياً ضد الراحل محمد مرسي، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، لم تترك الإمارات وآل سعود فرصة إلا ودعمته بها سياسياً ومادياً، حتى أصبح أحد أدواتهم في المنطقة.
وبدأت الإمارات ومملكة آل سعود باستخدام السيسي في تنفيذ مصالحهما حول الحرب بليبيا، وتقديمه لرفض أي شراكة عسكرية، أو سياسية، أو اقتصادية، بين حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، والمدعومة تركياً.
حلف "الثورات المضادة" وتركيا
وجند السيسي نفسه وبلاده خلال الفترة الماضية لتنفيذ تهديدات الإمارات ومملكة آل سعود في ليبيا، التي شهدت تقدماً ملموساً لقوات حكومة الوفاق في مناطق مختلفة بإسناد من تركيا؛ من خلال قوله بأن "تجاوز (مدينتي) سرت (شمال وسط ليبيا) والجفرة (جنوب شرقي طرابلس) خط أحمر".
وأطلق السيسي تهديداته خلال كلمة متلفزة، السبت (20 يونيو)، عقب تفقُّده وحدات من القوات الجوية بمحافظة مطروح المتاخمة للحدود مع ليبيا، وهو ما أيدته فيه كل من آل سعود والإمارات والبحرين على وجه السرعة.
ولم يكتفِ الرئيس المصري بهذا التهديد، حيث زاد خلال الفترة الأخيرة من لغة الوعيد حول ليبيا وقرب تدخل بلاده عسكرياً فيها، وكان آخرها خلال لقاء جمعه بعدد من الشخصيات الليبية في القاهرة، وقوله إنه يحتاج إلى موافقة البرلمان المصري للتدخل في ليبيا، وعند تدخله ستغير المشهد العسكري بشكل سريع وحاسم.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جانبه انتقد تصريحات السيسي، متعهداً بمواصلة الدعم لحكومة "الوفاق" في طرابلس، قائلاً: "علاقاتنا مع ليبيا تمتد لأكثر من 500 عام، ولن نترك أشقاءنا الليبيين وحدهم".
وأضاف في تصريحات للصحفيين، يوم الجمعة (17 يوليو 2020): "سنواصل تحمل المسؤولية التي أخذناها على عاتقنا في ليبيا كما فعلنا لغاية اليوم"، لافتاً إلى أن "الخطوات التي تتخذها مصر تُظهر وقوفها إلى جانب الانقلابي خلفية حفتر، وانخراطها في مسار غير شرعي".
أردوغان دان أيضاً موقف دولة الإمارات من النزاع بوصفه "قرصنة"، مشيراً إلى أن أبوظبي "تغدق على حفتر الأسلحة والأموال".
وبشكل واضح أعلنت مملكة آل سعود دعمها للتوجه المصري بالرفض التام للمساس بالأمن الإقليمي العربي، في مكالمة جرت بين الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، ووزير الدفاع المصري محمد زكي، يوم الجمعة (17 يوليو 2020).
وذكرت وكالة الأنباء التابعة لنظام آل سعود "واس" أنه جرى خلال الاتصال "بحث العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين الشقيقين، خصوصاً في المجال الدفاعي والعسكري، وتعزيز التعاون المشترك في كل ما من شأنه حفظ الأمن في المنطقة"، مؤكدين "حرص البلدين على تعزيز الاستقرار، والتصدي لكافة أشكال الإرهاب، وموقف البلدين في الرفض التام للمساس بالأمن الإقليمي العربي".
وسبق للرياض أن أكّدت دعمها للقاهرة في حقها فيما وصفته بـ"الدفاع عن حدودها وشعبها"، مع دعوتها للمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والاستجابة لدعوات السيسي "للتوصل إلى حل شامل يؤكد سلامة وأمن الأراضي الليبية".
كذلك وقفت الإمارات، التي تدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى جانب السيسي من خلال تأييدها لما ورد في تهديداته ضد ليبيا، وقولها إنها "مع مصر في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها من تداعيات التطورات المقلقة في ليبيا".
وخلال الأعوام الماضية، لم تتوقف الإمارات عن دعم حفتر عسكرياً وسياسياً؛ حيث ساهمت من خلال طائراتها المسيرة، وفق تأكيدات حكومة الوفاق الليبية، في تحقيق تقدم لقوات عدوها في بعض المدن الليبية.
دعم غير محدود
وأصبح من المعروف للعالم دعم الإمارات غير المحدود لحفتر، والذي كان آخره ما كشفته وثائق أممية، وهي ثلاث رسائل وتقارير أنجزها فريق خبراء تابع للأمم المتحدة تظهر تفاصيل الدعم العسكري من دولة الإمارات للواء المتقاعد.
وتسعى الإمارات، وفق الوثائق الأممية التي نشرت في مايو الماضي، لدعم حفتر للسيطرة على كامل التراب الليبي، حيث شمل الدعم تنفيذ مهمة عسكرية سرية، وتقديم الدعم السياسي والإعلامي، وتسيير جسر جوي بين الإمارات وشرقي ليبيا لنقل المعونات العسكرية لقوات حفتر.
ومن بين ما تم كشفه قيام قوات غربية تابعة لشركات مقرها دولة الإمارات بمهمة سرية لدعم اللواء حفتر، بمشاركة 20 شخصاً على الأقل؛ من أستراليا وفرنسا ومالطا وجنوب أفريقيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وشملت المهمة إيقاف سفن الإمداد التركية وهي في طريقها إلى العاصمة الليبية طرابلس، وتهريب ست طائرات مروحية من جنوب أفريقيا إلى ليبيا، وقاربين عسكريين من مالطا.
مركز نيويورك لشؤون السياسات الخارجية أعرب في تقرير له نشره، الخميس (16 يوليو)، عن قلقه من التنافس الذي يجري على حساب الشعب الليبي نتيجة لتدخل خارجي من الشرق الأوسط وأوروبا، مع إدانته لتدخل الإمارات ودعمها لحفتر.
وأمام الدعم الإماراتي لحفتر اعتبر خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، العلاقة بين بلاده والإمارات "قطيعة وحرباً".
وفي خضم التوتر والتهديدات بالمنطقة بحث وزير الخارجية المصري سامح شكري، الخميس (16 يوليو)، في اتصال هاتفي من نظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، مجالات التعاون الثنائي وناقشا أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ، إن الاتصال تضمَّن تأكيد الجانبين للتضامن والدعم المتبادل بين مصر ومملكة آل سعود في مواجهة كل ما يهدد أمنهما واستقرارهما وما يواجههما من تحديات.
وأضاف حافظ أن الوزيرين أكدا أهمية التوصل لتسوية شاملة للأزمة الليبية تُحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، وتمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار، حيث أعربا عن رفضهما للتدخلات الخارجية التي تُسهم في انتشار المليشيات المسلحة، وضرورة التصدي بحزم لنقل المقاتلين الأجانب، وبما يدعم مساعي التسوية السياسية للأزمة استناداً إلى إعلان القاهرة، وفي إطار الأهداف التي تم الاتفاق عليها في إطار عملية برلين.
الباحث والمحلل السياسي مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية، مهنا الحبيل، يؤكد أن أبوظبي أسقطت الحل السياسي في ليبيا من خلالها دعمها اللوجستي المركزي، واستخدامها الطرف المصري.
وضحى السيسي، حسبما كتبه الحبيل في مقال له بمصالح مصر وأمنها القومي مقابل التصعيد السياسي والنفسي لمحور أبوظبي.
ويوجد للإمارات، حسب الحبيل، مشروع سياسي على الأرض تترتب عليه مصالح جيوسياسية لمحور أبوظبي في كل صراعاته؛ من مشروع اجتياح قطر، وتقسيم اليمن، إلى النفوذ الذي يساعده ليكون وكيل الغرب الجديد التوافقي في الشرق الأوسط.
هجوم مضاد
الدكتور محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج، يؤكد أن الإمارات ومملكة آل سعود ستسعيان من خلال جهودهما من أجل قيام مصر بدور أكبر فعالية في ليبيا؛ بسبب القرب الجغرافي.
وستحاول الدولتان الخليجيتان، حسب حديث الزويري التركيز على أن ليبيا بالمحصلة هي جوار مصري، ومصلحة القاهرة أن يكون في البلد الأفريقي المجاور لها نظام سياسي صديق لها، خاصة بعد شيطنة حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
وستعمل الإمارات ومملكة آل سعود بالفعل، وفق الزويري، على دفع مصر للقيام بعمل عسكري مؤقت في ليبيا، أو تحريض حفتر وقواته على القيام بهجوم مضاد على أماكن قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وذلك بهدف محاولة إبقائه في الواجهة.
وأمام محاولات الإمارات ومملكة آل سعود استخدام مصر كورقة لها في ليبيا، يضع مدير مركز الخليج عدداً من الحقائق حول العلاقات بين أبوظبي والرياض والقاهرة، حيث يؤكد أن العلاقات بينهم لم تكن قوية؛ لكون الدولتين الخليجيتين لم تساعدا مصر سياسياً كما كان يتوقع نظام السيسي، إضافة إلى عودة العمالة المصرية من مملكة آل سعود، وهو ما سيفرض ضغوطاً على الاقتصاد المصري.
ويستدرك بالقول: "في حالة تدخل السيسي عسكرياً في ليبيا فلن يؤدي ذلك إلى نتائج؛ لكون بلاده مستنزفة بسبب سد النهضة، كما سيدخل في مواجهة مباشرة مع تركيا التي تنسق مع الولايات المتحدة وروسيا حول تحركاتها في ليبيا".
ولا يوجد لمصر، كما يؤكد الزويري، أصدقاء أو حلفاء سيؤيدون تحركها في ليبيا، إضافة إلى أن الدعم السعودي الإماراتي لن يكون كافياً لها.
وفي حالة أرادت مصر خوض حرب بالوكالة في ليبيا، يستبعد الزويري نجاحها في ذلك؛ لكونها تحتاج إلى عناصر ونفوذ بالنخبة السياسية في ذلك البلد الأفريقي، وهو غير متوفر لها، مع الاقتصار على وجود حفتر وبرلمان طبرق.
ويردف بالقول: "النوايا المصرية بدت واضحة وهي غير قادرة على التزاماتها، والحرب بالوكالة لا يبدو خياراً عملياً بالنسبة لمصر؛ لكون الحرب ستكون مكلفة اقتصادياً وسياسياً، خاصة أنها على الأرض بدأت تخسر التأييد بشكل كبير جداً؛ بسبب تزايد الرغبة داخلياً في إنهاء الصرع، مع وجود فكرة بأن إعادة حفتر هي لإعادة النظام السابق، وهو يضعف الأمر".
ارسال التعليق