هل تندلع حرب أسعار النفط مرة أخرى؟
التغيير
بدأت دول العالم تخفيف تدابيرها الاحترازية بمواجهة تفشي جائحة فيروس كورونا، ما يبشر بتعاف تدريجي للنشاط الاقتصادي العالمي، لكن انعكاساته على أسواق النفط التي شهدت أزمة خانقة في الآونة الأخيرة لا تزال قيد التساؤل.
وتساءلت الكاتبة إيرينا سلاف في مقال لها بموقع "أويل برايس" عن إمكانية اندلاع حرب أسعار نفط جديدة.
وانهارت أسعار النفط قبل شهرين بعدما رفضت روسيا مقترحا من آل سعود لتخفيض إنتاج النفط، ما أشعل "حرب أسعار" تزامنت مع انخفاض الطلب العالمي بسبب جائحة كورونا.
وأجبر وصول أسعار النفط إلى مستويات متدنية (أقل من 20 دولارا للبرميل) منتجي النفط على تنفيذ تخفيضات طوعية أعمق مما تم الاتفاق عليه في اجتماع "أوبك+" في نيسان/أبريل الماضي.
فعلى سبيل المثال، في 11 أيار/مايو خفضت شركة أرامكو إنتاجها طوعيا من نحو 8.5 ملايين برميل يوميا (بموجب اتفاق أوبك+)، إلى نحو 7.5 ملايين برميل يوميا، بعدما وصلت إلى مستويات إنتاج قصوى بمعدل 12 مليون برميل يوميا مطلع نيسان/أبريل.
وتستحضر الكاتبة أن "حرب الأسعار" لم تكن بين آل سعود وروسيا، بل كانت تستهدف إنتاج النفط الصخري الأمريكي المنافس لهما.
وتتساءل: "إذا كان ذلك صحيحا، فماذا سيحدث عندما يستعيد النفط الصخري الأمريكي قوة كافية لبدء زيادة الإنتاج مرة أخرى؟".
وتجيب: "من السابق لأوانه الحديث عن زيادة الإنتاج في ظل بقاء أسعار خام غرب تكساس الوسيط عند أقل من 40 دولارا للبرميل، ومن المرجح أن تبقى كذلك مزيدا من الوقت".
وتقول: "لكن في نهاية المطاف، ستصل الأسعار إلى حد 40 دولارا"، مع الإشارة إلى أن كثيرا من منتجي النفط الصخري أوقفوا إنتاجهم، ما حسن الطلب، لكنه أدى إلى زيادة حالات الإفلاس بين هذه الشركات، ووفقا لشركة "Rystad Energy"، فإن المرجح أن تواجه 250 شركة من شركات إنتاج النفط الصخري الإفلاس، ما لم تتحسن الأسعار بشكل سريع.
وكتب الصحفي المهتم بشؤون الخليج فرانك كين لصحيفة "عرب نيوز" أن حرب الأسعار التالية ستندلع مع زيادة بضع دولارات للبرميل الواحد، ما سيحفز المنتجين على البدء في زيادة إنتاجهم.
وقال كين: "لن يكون من المنطقي على الإطلاق أن تستمر مملكة آل سعود في تخفيضاتها من إنتاج النفط، ودفع ثمن باهظ بخسارة إيراداتها، إذا كانت الولايات المتحدة تُغرق العالم بالنفط مرة أخرى".
وأضاف أن "المعركة من أجل الحصول على حصة في السوق العالمي، مع قيام آل سعود بالإنتاج بطاقتها القصوى، ستستمر".
وتفترض الكاتبة أن مئات من منتجي النفط الصخري سيواجهون أزمة قوية بسبب انخفاض الأسعار لفترة طويلة. لكنها تقول: "التحسن التدريجي في الطلب مع انتهاء عمليات الإغلاق، سيؤدي إلى رفع الأسعار. وسيؤدي بالمنتجين الآخرين للنفط الصخري، المثقلين بالديون، إلى رفع الإنتاج مرة أخرى".
رد فعل آل سعود وروسيا
بالنسبة لروسيا فإنها تستطيع التأقلم مع خام برنت الرخيص، ما دامت كلمة "رخيص" تعني ما لا يقل عن 40 دولارا للبرميل، وفق ما قالته الكاتبة، أما مملكة آل سعود فهي بحاجة إلى ضعف هذا السعر لتحقق التوازن بميزانيتها.
وتساءلت الكاتبة: "لكن هل تحتاج مملكة آل سعود إلى التوازن بميزانيتها؟"، وأجابت: "هناك العديد من البلدان التي تعيش بأريحية مع عجز الميزانية، والولايات المتحدة هي أفضل مثال على ذلك".
سجلت مملكة آل سعود عجزا في الميزانية قدره 9 مليارات دولار للربع الأول من العام الحالي، مع انخفاض الإيرادات بنسبة 22 في المئة خلال الفترة على خلفية تراجع أسعار النفط.
ونقلت عن وزير المالية السعودي قوله: "إن اقتصاد المملكة قوي بما يكفي لتحمل آثار انخفاض أسعار النفط".
وتقول: "إذا كان هذا صحيحا، فمن المحتمل أن يكون الاقتصاد السعودي صلبا بما يكفي لتحمل جولة أخرى من إنتاج النفط بطاقته القصوى، كاستجابة وحيدة لارتفاع الإنتاج الأمريكي".
وتعرض "سيناريو متفائلا" بأن يتحسن الطلب بسرعة كبيرة وتتحقق أسعار مناسبة للجميع.
وتنقل عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، قوله: "يمكن أن يعود التوازن بين العرض والطلب على النفط في غضون شهرين من الآن، بعدما وصلت تخفيضات الإنتاج إلى ما يصل إلى 15 مليون برميل يوميا".
وقال نوفاك: "هذا يعني أن فائض العرض الحالي تقلص بمعدل من 7 إلى 12 مليون برميل يوميا".
وترى الكاتبة أن الانتظار لمعرفة مدى سرعة تعافي الطلب هو "سيد الموقف"، لأن هناك شكوكا داخل صناعة النفط الأمريكي، من أن الأسعار قد لا تعود إلى مستويات ما قبل الأزمة.
التنسيق أو حرب الأسعار
ويقدر إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط بــ11 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل 12 بالمئة من احتياج السوق العالمية.
ويعتبر هذا الإنتاج، وفقا للمختص بشؤون الطاقة حسن الشاغل، إنتاجا من دولة غير فاعلة، أي أن هذه الكميات تضخ في السوق العالمية لكنها غير محسوبة، لأنها لا تتم بالتنسيق مع منتجي النفط الآخرين (أوبك+).
كما ينوه إلى أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي لقي معارضة من المنظمات المدافعة عن البيئة، حيث أن إنتاجه ذو تكلفة عالية جدا، ومؤذٍ للبيئة إذ يلزم لإنتاجه 15 مليون لتر مياه يوميا مخلوطة بمواد كيميائية، ما يؤثر سلبا على المياه الجوفية الصالحة للشرب.
هذا الإنتاج الأمريكي، بدون تنسيق مع أوبك+، يسبب ضررا حقيقيا للسعودية وروسيا، وفق ما قاله الشاغل، ويؤدي إلى حد ما لانخفاض أسعار النفط بخلاف ما يرغب به منتجو أوبك+ من ضبط المعروض النفطي والأسعار وفق ما يناسب مصالحهم.
وفي 2014 كان أحد دوافع ضخ آل سعود لمزيد من النفط في السوق الدولية هو خفض الأسعار بما يؤثر على شركات النفط الصخري الأمريكي ويؤدي لتوقفها عن الإنتاج.
ويعتقد الشاغل أن الإنتاج العالمي من النفط سيبقى منخفضا لشهور أخرى ربما تستمر لنهاية العام الحالي، لأسباب منها: أن دول أوبك+ اتفقت على تنسيق خفض الإنتاج والسيطرة على التخمة بالمعروض النفطي، كما أن عودة النشاط الاقتصادي العالمي إلى ما قبل الأزمة مرتبط بإيجاد لقاح فعال لفيروس كورونا، إضافة إلى أن كثيرا من الشركات لن تستطيع العودة لإنتاجها الكامل حتى مع تخفيف إجراءات الإغلاق.
ويستبعد سيناريو ارتفاع أسعار النفط في عام 2020 إلى ما قبل أزمة كورونا (معدل 70 دولارا للبرميل).
كما رجح أن الشركات الأمريكية التي أعلنت إفلاسها لن يكون من السهل عليها أن تعيد هيكلة أوضاعها لتعود إلى مستويات الإنتاج السابقة.
ويقول: "إذا لم تلجأ الشركات الأمريكية إلى التنسيق في الإنتاج النفطي مع دول أوبك+، فإنها ستتكبد خسائر أكبر بما يؤدي إلى تدميرها، لأن حرب أسعار النفط لن تنتهي".
ويستبعد كذلك حدوث التنسيق بين شركات النفط الأمريكية ودول أوبك+، ما يجعل سيناريو "حرب الأسعار" هو الأرجح في الفترات المقبلة.
ارسال التعليق