واشنطن تفتح ملف هجمات ١١ سبتمبر وتدين الرياض
في سياق الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكيّة لليّ ذراع محمد بن سلمان، فتحت واشنطن أحد أبرز الملفّات الحسّاسة في تاريخ العلاقات الأمريكية ـ السعودية وهو هجمات 11 سبتمبرالتي أُدينت فيها "السعودية" بشكل مباشر من الولايات المتحدة. تتقاطع خطورة فتح هذا الملف الآن مع ضعوطات واشنطن على الرياض لرفع إنتاج النفط، وخفض الأسعار، في ظل الأزمة بين موسكو وكييف وتداعياتها على سوق النفط العالمي.
ليست المرّة الأولى التي تلوّح فيها واشنطن بورقة هجمات سبتمبر، فقد اعتادت على استخدامها ضد الرياض لتطويعها في بعض الملفات العالقة. صحيح أن تداعيات الخصومة لن تصل إلى حدّ القطيعة بين الطرفين لكن الأكيد أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستترك ندبة عميقة الأثر لدى صناع القرار في "السعودية"، بالنظر إلى التحوّل الحاصل في مسار العلاقات بين البلدين بعد رحيل الرئيس السابق دونالد ترامب ومجيء الرئيس الحالي. ذلك أن محمد بن سلمان لم يستيقظ بعد من صدمة العداء الأميركي المستجدّ ولا يزال يراهن على ودّ الإدارة الحاليّة على غرار السابقة، وهو ما لن يناله نظراً إلى الالتزامات التي قطعها بايدن قبيل وصوله إلى السلطة بما يخص محاسبة محمد بن سلمان على تورّطه بملفين أساسيين وهما مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وارتكاب جرائم حرب في اليمن.
حديثاً، قُدّمت أدلّة جديدة مهمة في دعوى 11 سبتمبر ضد "السعودية" من قبل دائرة شرطة العاصمة (MPS) في بريطانيا استجابةً لطلب المساعدة القضائيّة الدوليّة بموجب اتفاقية لاهاي للأدلة. المواد تضمّنت أكثر من 14000 صفحة من الوثائق، وأكثر من 20 ساعة من لقطات الفيديو، ومئات الصور، وساعات عديدة من مقابلات الشرطة المسجّلة بالصوت.
أحد مقاطع الفيديو يُظهر عمر البيومي عميل الاستخبارات السعودية، وهو يستضيف خاطفي 11 سبتمبر خالد المحضار ونواف الحازمي في سان دييغو، ويلتقيان مع مسؤولين سعوديين. يظهر في الوثائق أيضاً البيومي وهو يحتضن الداعية الإرهابي أنور العولقي.
يأتي ذلك بعد أن رفعت وزارة العدل الأمريكيّة السريّة عن تقرير "Omnibus" لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يوضح بالتفصيل دعم "السعودية" للإرهاب داخل الولايات المتحدة وتواطؤها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بالتالي ألقت مواد MPS ضوءًا جديدًا على شبكة الدعم السعودية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها لخاطفي الطائرات في 11 سبتمبر، ومعرفة العميل السعودي بمخطط الطائرة، بحسب المعلومات التي نشرها موقع kreindler.
الموقع بيّن إنتاج مجموعة من الوثائق والصور ومقاطع الفيديو التي جرى الاستيلاء عليها وحفظها من قبل دائرة شرطة العاصمة (MPS) في المملكة المتحدة لدعوى 11 سبتمبر الجارية في محكمة نيويورك الفيدرالية، مما جعله أمرًا شديد الأهميّة بالنظر إلى أنه يحتوي عدد من الأدلّة التي تدين "السعودية" بتورّطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
يُعد إصدار هذه المجموعة التي تحتوي أدلّة غير عادية بحسب وصف الموقع، بما في ذلك مئات المستندات الأصلية وساعات من مقاطع الفيديو وحسابات الرحلات الجوية وغير ذلك، خطوة كبيرة إلى الأمام في إثبات دور "السعودية" الأساسي في سقوط ضحايا أمريكيين نتيجة التفجيرات الإرهابية.
ألقت الشرطة البريطانية القبض على بيومي لأنه كان معروفاً في وقت مبكر أنه ساعد الخاطفين، حزمي ومحضار، فور وصولهما إلى الولايات المتحدة في يناير 2000. رتب بيومي انتقالهما إلى سان دييغو من لوس أنجلوس، ووجدهما وضمن لهما الإقامة، وساعدهم على فتح حساب مصرفي. وأضاف الموقع، قام بيومي حينها بتصوير حفل في فبراير 2000 في شقة الخاطفين في سان دييغو، حيث تناول الحاضرون وجبة طعام وألقوا خطابات. استعادت MPS لقطات الفيديو الأصلية، بالإضافة إلى صور ومقاطع فيديو لاجتماعات بيومي مع زملائه المسؤولين السعوديين وآخرين في شبكة دعم 11 سبتمبر، والأحداث التي أقيمت في مسجد في إل كاجون، كاليفورنيا، حيث أقام بيومي مكتبه.
وفي مقطع فيديو آخر، يمكن رؤية بيومي وهو يحتضن أنور العولقي، المولود في الولايات المتحدة، والذي تم استهدافه وقتل في وقت لاحق في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في اليمن. كان العولقي يعيش في سان دييغو في الوقت الذي عاش فيه بيومي والخاطفان هناك. ذهب الحازمي والمحضار ليشكلا جزءًا من فريق القاعدة الذي طار طائرة أميركان إيرلاينز الرحلة 77 إلى البنتاغون في 11 سبتمبر.
إذاً، تشير المواد التي تم إصدارها حديثًا إلى تورّط "السعودية" في الهجمات، وتبيّن أن بيومي يتمتع بإمكانية الوصول إلى أعلى مستويات القيادة السعودية، ساعد أول اثنين من الخاطفين في الولايات المتحدة، ومن المحتمل أنه كان على علم بخطط الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر. بعد أكثر من 20 عامًا، يستحق مجتمع الحادي عشر من سبتمبر والعالم الحقيقة كاملة، وفق الموقع.
وفي وقت سابق، كشفت مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) عن شكوك قوية بشأن ارتباط "السعودية" رسمياً بالخاطفين الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر لكنها لم تتمكّن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره عائلات ضحايا تقاضي الرياض.المذكرة التي يعود تاريخها إلى الرابع من نيسان/أبريل 2016 أظهرت وجود ارتباطات بين عمر البيومي، عميل للاستخبارات السعودية، وعنصرين في تنظيم القاعدة شاركا في مخطط خطف وصدم الطائرات الأمريكية الأربع بأهداف في نيويورك وواشنطن.
الجدير بالذكر أن الاستياء السعودي من أميركا ظل يتصاعد منذ عقد من الزمان، منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي غيّر أولويات واشنطن بعيداً عن حماية الشرق الأوسط وإمدادات النفط، لكن الضرر الجسيم لم يبدأ إلا عندما بدأ بايدن الهجوم واصفاً "السعودية" بأنها "دولة منبوذة" وأزال صواريخ باتريوت التي تحمي المنشآت النفطيّة من هجمات القوات اليمنيّة، وسعي لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، وأزال أنصار الله من قائمة "الإرهاب"، كما يسعى حالياً لرفع الحرس الثوري الإيراني من هذه القائمة.
يبدو واضحاً من الحديث مع العديد من المسؤولين السعوديين أنه إذا أراد بايدن إذابة العلاقات الباردة، فعليه زيارة الرياض، لكن البيت الأبيض يرى أنه من الصعب عليه القيام بذلك دون فقدان ماء الوجه، لأن أي زيارة لبايدن للرياض ستتم مقارنتها بزيارة دونالد ترامب للرياض والتي حُظيت باحتضان ملكي مذهل وستكون صورة بايدن وهو يصافح ابن سلمان دليلاً واضحاً على الاعتراف بخطئه.
ومن أسباب توتّر العلاقات بين الولايات المتحدة و"السعودية" أنه في أعقاب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لم تستجب "السعودية" إلى مطلب زيادة إنتاج النفط بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا والولايات المتّحدة. كما رأت إدارة الرئيس الأمريكي، أن إدانة موسكو من قبل الرياض غير واضحة بشكل كاف.
ورغم مليارات الدولارات التي ينفقها ابن سلمان من أجل تبييض صورته في العالم، وتحديداً لدى الشعب الأميركي، لا يزال منبوذاً في المجتمع الأميركي، إذ إن معظم الناس لا يعرفونه والبقية يعتقدون أن العالم سيكون أفضل من دونه. يأتي ذلك في الوقت الذي يعمل فيه ابن سلمان على تمليع صورته في الغرب منذ سنوات حيال العديد من الملفات، لا سيما الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب اليمني، وقمع المعارضة، وقتل جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوق الإنسان في داخل السجون السعودية. جهود لم تتردّد وسائل الإعلام الغربية عن كشفها وإدانتها في مسعى لإحباط سياسة التلميع التي يعتمدها ابن سلمان، سواء من خلال الرياضة والحفلات الغنائيّة.
ارسال التعليق