شهادة من داخل السجن : المعتقل أحمد آل مطرود .. يعاني أقسى عذابات الزنازين ويُحرم من المحاكمة
فيما تتذرع سلطة الرياض بمحاربة الفساد وتشنّ حملة اعتقالات واسعة طالت رجال أعمال وأمراء ودعاة وقضاة، يقبع خلف أقبية المعتقلات المظلمة وزنازين السجون، شباب لم يقترفوا ذنباً ولم يرتكبوا جرماً، بل دفعت بهم غطرسة السلطات السعودية إلى سراديب السجون، ظلماً كونهم أبناء “القطيف والأحساء”، تظاهروا رافضين الطغيان ومطالبين بالإصلاحات، فدفعت بهم أجهزة الأمن ومحاكم القضاء الفاسد الخاضع للسلطة السياسية ورغبات الأمراء نحو المعتقلات وحرمتهم من أبسط حقوقهم المشروعة..
ولقد بات اليوم مئات السجناء يقضون زهرة سنوات أعمارهم خلف القضبان بموجب أحكام أصدرها قضاة باتوا رهن الاعتقال بتهم الفساد وتلقي الرشاوى, دون أن تعيد السلطات النظر في تلك الأحكام الباطلة التي أصدرت من قبلهم.. فيما لا يزال عشرات المعتقلين رهن السجن لسنوات عدة دون توجيه تهم محددة أو الخضوع إلى المحاكمات.
من عمق المتاهات المظلمة في سجون النظام السعودي وصلت رسالة أحد حرّاس السجن ممن استيقظ يوماً على تأنيب ضميره، وتعب من كتمان ما يشاهده من تعذيب المعتقلين، وشعر بوخز الألم في التغطية على الممارسات المهينة للكرامة الإنسانية، فقرر الكشف عن معاناة المعتقلين على أيدي السجانين.. تمحورت رسالته الأولى حول المعتقل الشاب أحمد حسين آل مطرود، مشيراً إلى تعرفه اليه منذ الأيام الأولى لاعتقاله, حيث يمضي آل مطرود شهره الـ26 خلف قضبان سجن المباحث المركزي بالدمام.. 797 هي أيام تغييب المطرود وراء القضبان, قصته تروي عذابات المعتقلين وأوجاعهم خلف ظلمات أقبية السجون.
أحمد المطرود البالغ من العمر “36 عام” اعتقل يوم 23 سبتمبر 2015 بعد احتجازه في مطار البحرين الدولي أثناء صعوده للطائرة في سفرة سياحية, وتم تسليمه إلى السلطات السعودية, بعد حضور فرقة أمنية من مدينة الدمام حيث تم نقله فوراً إلى سجن المباحث بالدمام، دون معرفة الأسباب والمبررات ودون مذكرة اعتقال, لتبدأ رحلته الطويلة مع الألم والحرمان ومقاساة أشرس ألوان العذاب وأبشعها ضراوة ووحشية.
ومنذ ذلك الحين بقي “أحمد المطرود” رهن الإعتقال التعسفي، وحتى اليوم لم توجه له تهمة محددة ولم يتم عرضه على أية محكمة كما لم يُمَكَّن من توكيل محامٍ، فضلاً عن أنه لم يعرف أسباب اعتقاله, سوى أنه شارك عدة مرات في تظاهرات احتجاجية ضمن الحراك الشعبي الذي شهدته مناطق الأحساء والقطيف مطلع العام 2011 بالتزامن مع ما عُرف بالربيع العربي وانطلاق ثورة 14 فبراير في البحرين.
“الجندي النادم” الذي امتنع عن الكشف عن هويته خوفاً على مصيره وعائلته من انتقام السلطة، كشف في رسالته الخاصة إلى “مرآة الجزيرة”، عن الحالة الصعبة التي يعيشها المعتقل “آل مطرود” والذي يعاني من آلام وكسور في أنحاء متفرقة من جسده نتيجة تعذيبه خلال مراحل التحقيق المستمرة، مؤكداً أن سلطات السجن حرمت “آل مطرود” من تلقي العلاج والاستشفاء ما يزيد حجم معاناته ويديمها ويهدد حياته بالخطر.
لغة الإهانة والحط من الكرامة, والإيذاء الجسدي والنفسي, والتجاوزات اللاأخلاقية.. موسومة على جبين المحققين والسجانين السعوديين، الذين يتفننون في إهانة الكرامة وانتهاك الشرائع الدينية والحقوقية والإنسانية، وهو ما أكدته رسالة حارس السجن، الذي كشف أن المعتقل “آل مطرود” تعرض لأبشع أنواع التعذيب، وتم وضعه في السجن الانفراديّ لمدة ٦ أشهر متواصلة, لم يذق خلالها طعم النوم لساعتين متواصلتين.. “النوم الذي أصبح لذةً وأمنيةً للمعتقلين” فكلما غفت عيناه دخل عليه عسكري بدلو ماء بارد وسكبه فوق وجهه, حتى أنه أصيب بالاختناق مرة حين نفذ الماء إلى أنفه وفمه وهو نائم! داخل الحبس الانفرادي مارس السجانون بحق “آل مطرود” ضروب من المعاملة الحاطة بالكرامة، حاولوا مراراً التحرش به جنسياً، كانت فرقاً مغطاة وجوههم باللثام يقتحمون زنزانته ويبثون الرعب في قلبه عبر حركاتهم المشينة وألفاظهم البذيئة، وسط الركلات واللكمات التي تتقاذفه وتحتوش جسده المنهك فلا تسلمه قبل أن يسقط على الأرض أو يصطدم بالجدار ويفقد وعيه.. ويؤكد حارس السجن أن المحاولات القذرة للنيل من كرامة “آل مطرود” والاعتداء الجنسي عليه تكررت مراراً لكنها باءت بالفشل.
الشاب “آل مطرود” لا يزال يعاني من كسر في رجله ويحتاج لإجراء عملية جراحية غير أن إدارة السجن تصر على منع العلاج عنه وحرمانه من زيارة الطبيب كأبسط حقوق المعتقلين المكفولة بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليه سلطات الرياض ولكنها تتنكر لها فعلياً وعملياً.
لقد تردت الحالة الصحية والنفسية للمعتقل “آل مطرود” إثر التعذيب المستمر الذي يفاقم وضعه سوءً يوماً بعد آخر, يواصل حارس السجن رواية شهادته, “خاصة وأن آل مطرود تعرّض للتعذيب بالسياط والآلات الكهربائية التي تركت آثارهها على كافة أنحاء جسده، حتى عيناه شحبت وتغيرت نظراته من كثرة التعذيب في سجن المباحث بالدمام”.
ويضيف: في الأسابيع الأولى لاعتقاله أقدم 3 من المحققين على ضربه حتى وصوله إلى مرحلة فقدان الوعي والإغماء من شدة وقسوة الضربات بمختلف الأدوات الحادة والسياط والركل بالحذاء العسكري أمام أعيننا نحن الحرّاس.. ولايمكنني نسيان الكدمات المنتشرة على جسد “آل مطرود” فهي لا تزال تكشف هول ما وقع عليه, أتذكر في فترة سجنه الانفرادي الذي استمر 6 شهور منع المحققون خلالها الماء عنه، وفي ذروة احتياجه وشدة عطشه، كان يحاول تناسي عطشه عبر النوم قليلاً، فيأمرنا المحقق “خ، ق” لنرشقه بالماء ونمنعه من الراحة ولو بضع لحظات.
لم يتوقف تعذيب المعتقل “آل مطرود” على الإيذاء الجسدي، فقد حُرم من كافة حقوقه، لم تسمح له سلطات السجن بالاتصال بعائلته واِطلاعهم على أوضاعه أو الاطمئنان عليهم.
كما مُنعت عنه الزيارات التي لم يُسمح بها سوى مرات معدودة.. يشير الحارس في رسالته، إلى أن المعتقل ذاق طعم الموت على مدى أيام اعتقاله، ويروي أن فرق التعذيب المتخصصة كانت تتناوب على تضييق الخناق عليه، ومارست بحقه تعذيب نفسي بأساليب لا أخلاقية.. هددوه بانتهاك حرمة عائلته وإحضار زوجته إلى المعتقل والاعتداء عليها أمام عينيه!. وبعد إخباره بأن والدته توفيت، شددوا الخناق عليه نفسياً وبدأوا بتهدديه بأنهم سوف يقطعون إمداد العلاج عن ابنته التي تعاني مرضاً عضالاً يتطلب الرعاية الطبية المستمرة، وذلك بهدف رفع منسوب التوتر والضغط النفسي على “آل مطرود” لإجباره على الخضوع لمطالب وأقوال المحققين ورجال المباحث وتوقيع اعترافات كتبت بأيدي ضباط المباحث، الذين يهددونه باستمرار بأنهم سيوصلونه إلى مقصلة الإعدام!
بقلم : عامر الحسن
ارسال التعليق