لماذا تسعى السعودية لدخول نادي الدول المصدرة للغاز
بعد أقل من 24 ساعة من إعلان وزير الخارجية القطري، “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، تعثر جهود حل الأزمة الخليجية المستمرة منذ صيف 2017، صرح وزير طاقة ال سعود “عبدالعزيز بن سلمان” أن المملكة ستصدر الغاز والبتروكيماويات قريبًا.
وتسعى المملكة خلال الأعوام الأخيرة للدخول إلى الخريطة العالمية لمصدري الغاز الطبيعي، رغم أن المملكة، المصدر الأبرز للنفط في العالم، طالما اعتبرت الغاز سلعة تكميلية أقل ربحية من النفط بسبب صعوبة استخراجه وتصديره، لكن هذه النظرة تغيرت مع الأزمة الخليجية التي يبدو أنها أعادت تشكيل رؤية المملكة للعديد من الأمور بما في ذلك الغاز الطبيعي، ودفعها لتكثيف جهودها لتأسيس وجود قوي في مجال الغاز.
حقل الشمال
ويرجع تاريخ اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في منطقة الخليج إلى عام 1971، حين تم اكتشاف حقل الشمال الذي تتقاسمه قطر وإيران والذي يعد الأكبر في العالم ويمثل تقريبا 14% من احتياطيات الغاز العالمي، ويضم 50.97 ترليون متر مكعب من الغاز.
لكن إنتاج الغاز من حقل الشمال تأخر حتى عام 1989 بسبب الصعوبات اللوجيستية، وكان على الدوحة أن تنتظر حتى عام 1997 لتبدأ أخيرا في تصدير الغاز الطبيعي بفضل الخطوة الطموحة التي وضعها أمير البلاد الجديد “حمد بن خليفة آل ثاني” الذي وصل إلى السلطة عام 1995.
وعلى خلاف والده، الأمير السابق، الذي كان يحظى بدعم كبير من الرياض، حرص “حمد” على قيادة دفة السياسة الخارجية القطرية نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلال عن الرياض، وكان استغلال ثروة البلاد المتنامية من الغاز هو المحفز الأكبر لتحقيق هذه المساعي.
وفي غضون عقد من الزمان، أصبحت الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي للدخل للحكومة القطرية ومكنها من مراكمة فوائض مالية كبيرة ساعدتها على رسم سياسات خارجية مستقلة عن السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن التوجه القطري الجديد لم يرض الرياض على ما يبدو، وفي مارس/آذار 2014، أقدمت كل من السعودية والإمارات والبحرين، على سحب سفرائها من الدوحة احتجاجا على سياسات الدوحة المستقلة وعلى رأسها دعم ثورات الربيع العربي وتيارات الإسلام السياسي، وموقفها الرافض لقيام الجيش المصري بعزل الرئيس الراحل “محمد مرسي” في انقلاب عسكري قاده الجنرال “عبدالفتاح السيسي” منتصف عام 2013.
غير أن هذه الأزمة الخليجية الأولى جرى حلها في نهاية المطاف في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، حيث اتخذ أمير قطر الجديد “تميم بن حمد” خطوات تصالحية لتخفيف الصراع مع الجيران الخليجيين شملت إغلاق قناة “الجزيرة مباشر مصر” وترحيل بعض قيادات جماعة الإخوان من الدوحة، ورغم ذلك فإن قطر لم تتخل بشكل كامل عن سياستها المستقلة كما كانت تأميل الرياض.
ونظرا لكون قطر تتشارك مع إيران حقل الشمال فقد فرض ذلك علىها أيضا أن تقيم علاقات (سواء سرية أو معلنة) مع إيران، التي تتحكم أيضا مضيق هرمز الذي من خلاله تمر شحنات الغاز القطري للدول الأوروبية.
دور الغاز في الأزمة الخليجية
لكن الخلاف الخليجي انفجر مجددا بشكل أكبر في 5 يونيو/حزيران 2017، مع قيام السعودية والإمارات والبحرين بفرض حصار بري وجوي على قطر، وفي هذه المرة كان تأثير الغاز الطبيعي واضحا على ديناميات الأزمة.
ووفقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين وقطريين، فإن السعودية خططت في عام 2017 للاستيلاء على حصة قطر في أكبر حقل للغاز في العالم كجزء من خطة لغزو الإمارة الصغيرة.
ووفق المسؤولين السابقين الذين تحدثوا للصحيفة الأمريكية، كانت السيطرة السعودية على الحقول القطرية ستجعل المملكة ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بين عشية وضحاها.
وفي مارس/آذار 2019، صرح وزير الطاقة والصناعة القطري السابق “عبدالله العطية”، أن دول الحصار حاولت غزو بلاده واحتلال حقل الشمال، مؤكدا أن هذا سبب اندلاع الأزمة الخليجية.
وفي أبريل/نيسان 2019، قال رئيس مجلس الشورى في دولة قطر “أحمد آل محمود” إن بلاده “أنقذت دبي وأبوظبي من الغرق في الظلام بعدم قطعها لإمدادات الغاز الطبيعي عن الإمارات على خلفية الأزمة الخليجية”.
ويصل الإمارات نحو ملياري قدم مكعبة من الغاز القطري يوميا وهو ما يمثل نحو 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة، وذلك عبر خط أنابيب تحت سطح البحر تمتلكه شركة دولفين للطاقة يمتد من رأس لفان في قطر إلى أبوظبي في الإمارات، وصولاً إلى سلطنة عمان بطول 364 كيلومترا.
وفي سياق التناوش الإعلامي خلال الأزمة عام 2017 في إطار الغاز أيضا، قال الإعلامي المصري “عمرو أديب” إن “السعودية لو قررت تصدير الغاز الذي لا تستغله فإنه سيتم غلق الدوحة”، على حد وصفه.
ويُعد احتياطي الغاز السعودي صعب الاستغلال ومكلف مقارنة بغيره من المنتجين الرئيسيين مثل روسيا، ولطالما تجاهلت سلطات ال سعود الغاز واعتبرته أمراً تكميلياً وأقل ربحية من النفط على الرغم من امتلاكها رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم.
ولكن ذلك تغير في أعقاب الأزمة الخليجية وفشل حصار قطر، وخلال 2019 أعلنت السعودية عن اكتشاف كميات مهمة من الغاز كان آخرها اكتشاف حقل غاز في المنطقة الشرقية، وفي هذا الصدد أكدت “أرامكو” أنها تتجه نحو تطوير مواردها من الغاز لتلبية الحاجات المحلية، مع احتمال التصدير في المستقبل.
وحفز ذلك الرياض على إجراء مفاوضات مع الإمارات وسلطنة عمان لمد شبكة غاز إقليمية، وهو ما يؤكد طموح السعودية لتغيير خريطة الغاز في منطقة الخليج ودخول نادي مصدري الغاز، وكذا الحد من تدفق الغاز القطري إلى جاراتها في دول الخليج.
دوافع داخلية
بخلاف ذلك، هناك الكثير من الدوافع الداخلية التي تدفع المملكة لاقتحام سوق الغاز الطبيعي، وفي مقدمتها طموحات محمد بن سلمان لتنويع المحفظة الاقتصادية لبلاده.
وفى تقرير لها العام الماضي، أشارت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية إلى رغبة السعودية في بناء “إمبراطورية للغاز الطبيعي” في إطار جهود الرياض لتنويع موارد الطاقة، وإيجاد مصادر جديدة للدخل.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنّ السعودية ستشتري الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة في إطار اتفاق على مدى 10 سنوات، وهي ترغب من خلال ذلك في تنمية أصولها من الغاز.
وفيما يتوقع الخبراء زيادة الطلب على الطاقة في المملكة تسعى الرياض إلى الاستثمار في مجال الغاز الطبيعي، وهو ما قد يساهم في تشغيل المدن المستقبلية الجديدة، ويساعد في تطوير الصناعات المحلية في العديد من المجالات كالتعدين والتكنولوجيا، ويوفر الكميات الضخمة من النفط التي يتم استهلاكها في السوق المحلية.
وحسب الخبراء تنتج السعودية حاليا ما يكفي من النفط الخام لتلبية الطلب على الكهرباء، لكن السلطات تسعى إلى وضع حدّ لحرق النفط لإنتاج الكهرباء، لأنّ ذلك يساهم في خفض تصدير البترول، الذي يعتبر أهم مصدر للدخل.
بجانب ذلك سيقفز الطلب على الكهرباء في السعودية بحلول عام 2030 إلى الضعف بسبب الإصلاح الاقتصادي، وفقاً لمؤسسة جدوى للاستثمار في الرياض.
وأعلنت شركة “أرامكو” في أول نشرة سندات لها أن طلب المملكة على الغاز الطبيعي سيزيد على الأرجح بنسبة 40% بحلول عام 2030 وقد يتجاوز قريباً قدرة الشركة على الإنتاج.
ارسال التعليق